الحياة: الراعي في يومه الجنوبي الثاني: لا يمكننا تخطي القرارات الدولية

يواصل البطريرك الماروني بشارة الراعي زيارته الراعوية إلى الجنوب اليوم، على أن تشمل جولته مصيلح حيث سيلبي دعوة رئيس المجلس الينابي نبيه بري إلى الغداء في دارته. وكان الراعي بدأ أمس اليوم الثاني من جولته الجنوبية بزيارة خلوات البياضة في حاصبيا، يرافقه رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان الذي اصطحبه في جولته من القليعة – مرجعيون حتى حاصبيا وقدم له كتاباً عن عادات الموحدين الدروز.

وكان في استقبال الراعي في الخلوات اضافة إلى كبار المشايخ، الوزير وائل أبو فاعور ممثلاً رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط، وزير الصحة علي حسن خليل والوزير مروان خير الدين، وعدد من النواب وفاعليات. وفسرت مصادر متابعة زيارة الراعي إلى حاصبيا بأنها تأتي تعويضاً عن عدم زيارته كبير مشايخ الطائفة الدرزية الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين أثناء جولته على الجبل ومروره في بعقلين مسقط رأس ولي الدين من دون زيارته، في حين انه لبى دعوة الوكيل الشرعي للإمام الخامنئي في لبنان والمسؤول في «حزب الله» محمد يزبك إلى العشاء خلال زيارته بعلبك.

ومع وصول الراعي إلى البياضة أصر إرسلان على إلقاء كلمة رافضاً أن تكون الكلمة لنائب المنطقة أنور الخليل، كما تدخل آخرون، فاتفق على حل الإشكال بأن يلقي أحد مشايخ البياضة الشيخ غالب قيس كلمة عامة من ضمن الثوابت المتفق عليها، غير أن قيس غمز في كلمته من قناة «14 آذار»، ما اضطر أبو فاعور إلى التدخل للم الشمل ولقطع الطريق أمام تفسير كلمة قيس على أنها وقوف مع فريق ضد آخر، فألقى كلمة على رغم ان ذلك لم يكن مقرراً.

وكان قيس قال في كلمته أنه «من المسلم به أن يكون الراعي أدرى برعيته وأخبر بمصلحتها. نتمنى أن يكون صاحب الغبطة أدرى وأخبر من مدعي الغيرة بشعاب وشعب هذا الوطن… لتكن هذه دراية يكرسها لمصلحة اللبنانيين جميعاً ولم شملهم وتوحيد كلمتهم، ليكون ذلك طريقاً ممهدة لاستقلال صحيح وسيادة تامة وكرامة لا يتعداها احد». وأضاف مخاطباً الراعي: «لا تهاب نقداً ولا تخشى اعتراض أصحاب المطامع الشخصية، فلولا تشرذم القطيع وإهمال الرعاة لما استطاعت الذئاب أن تدخل الحضائر وتأكل المراعي لتعيث في الخراف البريئة، فالداء الخطر المنتشر في مجتمعنا الضعيف مبعثه غلبة التقهقر الديني والفساد الأخلاقي».

بدوره رد الراعي مخاطباً قيس: «أحسنت يا صاحب السماحة بقولك أن المشكلة الأساسية عندنا في لبنان إذا كان هناك فساد وخلافات ونزاعات وحروب وعنف وتباعد القلوب، صدقت في القول إن في الأساس عندما اخترت شعار أن نعود ونستحضره في حياتنا أن نسلط أنواره وأنوار حياته على كلامنا». وجدد التزامه «المحافظة على عائلاتنا اللبنانية المتنوعة بأديانها وطوائفها ومذاهبه… فالله أعطانا ثروة كبيرة هي هذا التنوع الديني والسياسي والاجتماعي، ثروة عظيمة وفرادة لأنها ميزة لبنان الذي ينظم هذه العائلة اللبنانية المتنوعة، وفي الوقت ذاته هي صعوبة وعقبة لأن فيها دائماً بعض المرات صفحات سوداء لكن هذه الصفحات ليست باقية»، ودعا إلى طي «صفحة الماضي ونتطلع إلى الأمام والمستقبل».

ثم رحب أبو فاعور بالراعي باسم جنبلاط، واعتبر أن «هذه الزيارة خطوة تاريخية واستكمال لما قام به الكاردينال نصر الله صفير في المصالحة التاريخية». وأضاف: «نحن وإياكم في هذا الوطن الذي يجب أن يعيش على الطمأنينة والثقة بين اللبنانيين وعلى الدولة الضامنة للجميع، وهذه الخطوة تمهد لمستقبل لبناني يقوم على التفاهم والوحدة الوطنية بعيداً من منطق الأحاديات والثنائيات أو الثلاثيات، طائفية أو سياسية، التي لا تشكل ضمانة لأحد، بل إن الدولة العادلة والوحدة الوطنية هي ضمانة الجميع».

وترأس الراعي قداساً في كنيسة السيدة، أكد فيه أن «المنطقة تمر بمرحلة صعبة ودقيقة». ودعا للحوار بين كل اللبنانيين، مشيراً إلى أن زيارته للجنوب دعوة للمحبة والشركة. واكد أن «لبنان لا يمكنه أن يتخطى قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة». وألقى زياد نجل النائب أنور الخليل كلمة والده في المناسبة، وقال للراعي: «أعدتم الاعتبار من خلال مواقفكم الجريئة لمجد لبنان الذي حاول ويحاول البعض المساس به».

وزار الراعي كوكبا، ثم مرجعيون حيث استقبله خليل والنائبان اسعد حردان وقاسم هاشم وشخصيات من «حزب الله» وحركة «أمل»، وأكد أن «لبنان أمام تحدي لم الشمل وإعادة بناء نسيجه. وأمام لبنان تحديات كبيرة في عالمنا العربي ونرجو أن نشدد الثوابت بين بعضنا ونعي ما ينتظرنا من مسؤوليات في لبنان والمنطقة لنتجاوز كل الخلافات ونجلس على طاولة الحوار لطرح كل الأمور التي لا تصطلح إذا بقي الحوار عبر وسائل الإعلام». وقال: «زيارتي للجنوب هي لتهنئة أبناء الجنوب بانتصارهم وصمودهم، وهم الذين قدموا كل شيء من أجل لبنان».

وقدم متروبوليت مرجعيون وصيدا وصور للروم الأرثوذكس المطران الياس الكفوري للراعي أيقونة السيد المسيح تقديراً له، وأكد أن «الوجود المسيحي في الجنوب بخير والجنوب لم يشهد بتاريخه تمييزاً طائفياً ولا مذهبياً. وقاومنا العدوان الإسرائيلي في خندق واحد، وإسرائيل لم تميز بين اللبنانيين». ووجه نداء للراعي «لمضاعفة الجهود من أجل إعادة أبنائنا من الأرض المحتلة إلى أراضيهم وأهلهم».
 
وزار الراعي الخيام واستقبله خليل والنائبان نواف الموسوي وقاسم هاشم. وخاطب خليل البطريرك قائلاً: «أنتم يا سيدنا تقفون اليوم على ارض تملكون فيها رصيداً وتقديراً يضرب عميقاً في الأرض ويشهد عليه هذا السهل الممتد ويفتح ذراعيه لاستقبالكم»، وأضاف: «اليوم نتطلع إلى أن نمد ايدينا لنرسم معك مستقبل افضل لهذا الوطن، مستقبل المحبة والتسامح والحفاظ على العيش المشترك وبقائه وطن النموذج في مقابل مشاريع التعصب والانهزام».

وتابع: «نرى فيك إمام البطاركة وأنت تقول كلمة الحق ونحن لا نريد إلا كلمة الحق. معاً يا سيدنا نحن أقوى ومعاً نصنع اتحاداً لن تتمكن منه المؤامرات ومشاريع التفتيت واليوم نستحضر بحضورك قيامة بلدتنا الخيام التي تعرضت لأقوى دمار وخراب إبان عدوان 2006 لكنها خرجت أقوى وأصلب ونستعيد فيها روح العيش المشترك».

ثم نوه الموسوي بمواقف الراعي في فرنسا، وسأل: «للذين يتباهون بأقوالهم، اين حقوق لبنان في الدفاع عن نفسه واسترجاع أراضيه في مواجهة العدو الإسرائيلي؟ نحن على ثوابتنا مع غبطته لمحاربة التقسيم والحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى الوحدات القائمة في هذه المنطقة لمواجهة ما يتهددنا».

ورد الراعي مؤكداً الالتزام «مع شركائنا في الوطن حماية لبنان وتحصينه تجاه ما يتهدده من أخطار محدقة داخلية وخارجية». ودعا «القوى السياسية إلى التحاور والتلاقي والجلوس معاً على مائدة الحوار لإنقاذ لبنان وتحصين الاستقرار الداخلي فيه». ونوه بدور المقاومة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وقال: «يجب أن نبقى متيقظين لأننا لا نزال نواجه أخطار التقسيم والتفتيت في المنطقة».

ثم زار بلدات بلاط والعيشية والجرمق وكفررمان. واعتبر في العيشية أن «الجميع يتحمل مسؤولية الانطلاق إلى الأمام ونأمل مع المسؤولين أن يعود كل اللبنانيين إلى قراهم وبلدهم».

وقال: «لبنان مر بأزمات متنوعة كانت مقصودة. يجب ألا نتعثر بمخلفات الحرب والهموم لأن الثمن الغالي دفع. يجب أن نتابع إلى الأمام ونحمل ملف كل أبناء الوطن ليعود كل اللبنانيين إلى قراهم وأرضهم»، مؤكداً أن زيارته الجنوب «لتشجيع الجنوبيين على العودة إلى أرضهم، ولكن يجب أن نؤمن الظروف الجيدة لعودتهم».

وأقيم له احتفال في النبطية تحدث خلاله رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية محمد رعد، وقال: «نعتز ونفتخر بمواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي وبمحبته وبحرصه على الشراكة بين كل اللبنانيين». وقال: «في هذه الساحة التي نلتقي فيها مسلمين ومسيحيين كنا نواجه اشرس عدو عرفه الجنوب منذ سنوات طويلة ووجهناه بثقافتنا الرافضة للظلم وبقيم المسيح والحسين». وأضاف: «ها نحن نمد ايدينا إلى كل شركائنا في هذا الوطن، وها نحن نفرح ونعتز بالشعار الذي أطلقته: الشراكة والمحبة. المحبة هي الأساس يا صاحب الغبطة. حتى الحوار من دون محبة يتحول إلى جدال يعطل الحياة السياسية ويهدد الاستقرار ويمهد لحروب ونزاعات». ودعا إلى أن «نصنع الشراكة من اجل مواجهة التهديد من عدو متربص بنا ومن سيد خارجي يدعم هذا العدو». وتابع: «نحن واجهنا خلال كل الزمن الغابر التقسيم والتوطين والاحتلال ووصلنا إلى تثبيت معادلة تقوم على ثالوث الجيش والمقاومة والشعب وتمكنا من دحض مؤامرة التقسيم والتوطين وأن نهزم الاحتلال وسنبقى على هذا التضامن برعاية البطريرك لننهض بلبنان».

ثم ألقى النائب هاني قبيسي كلمة حركة «أمل» وانتقد المشككين بمواقف الراعي، معتبراً أن «هي نفس السهام التي شككت بالإمام القائد السيد موسى الصدر ونحن معكم لبناء وطن الشركة والمحبة ليبقى لبنان قوياً».  

السابق
حماس عند نصرالله
التالي
حلف الأقليات او يهودية إسرائيل؟