سورية والحوار… لكن مع من؟

 "في تطور بارز وقد يكون خطيراً, أورد موقع "شام برس" نبأً عن قيام مجموعة شباب موالين تُدعى "بصمة سورية" بإعلان "منظمة شباب الوطن", محددةً أهدافها ب¯"وقف التظاهرات, ومواجهة المحرضين, وتنظيم حماية وأمن المناطق التي يطهرها الجيش والأمن من المسلحين, والتواصل مع قوى المعارضة بكل أطيافها والحوار معها للوصول إلى برنامج إصلاحي توافقي يلبي تطلعات أطياف المجتمع السوري كافة". وبررت المجموعة تنظيمها باعتبار أن "المواجهة على المواقع الإلكترونية لم تعد مجدية, بعدما تحولت التظاهرات السلمية إلى مسلحة, وكشف المتظاهرون عن حقيقتهم وارتباطاتهم بأعداء سورية لتحقيق الفوضى وإشعال الفتن الطائفية وقتل المواطنين على الهوية", متوعدةً "الخونة وذويهم بالثأر والانتقام لدماء الشهداء". هذا الخبر نقلته كما هو عن صحيفة الأخبار الآلهية اللبنانية, لاحظوا التالي: أن الشباب بالوقت الذي سيحاورون المعارضة, يهددون ذوي المتظاهرين, ما علاقة ذوي المتظاهرين بالموضوع? الملفت أيضا أن التوأم شام برس وجريدة الأخبار اللبنانية هي من تكفلت بنشر مثل هذا الخبر, مع ذلك تبقى جريدة الأخبار لها استقلاليتها النسبية في نقل الحدث السوري أو ما يكتب عنه, وبخاصة في الآونة الأخيرة, على عكس ملحقها ميشال عون الذي لا تنقل وسائل إعلامه إلا ما ينطق به النظام فقط. وجيد أن جريدة الأخبار نفسها اعتبرت ذلك تطورا خطيرا. إن هذه الدعوة ذات الرأسين: دعوة للحوار والانتقام من المتظاهرين وذويهم, هي عنوان سياسة النظام منذ زمن بعيد والأهم تجسيداتها الآن بعد الثورة.
الحوار تحت القتل, هذا هو عنوان أي حوار دعا إليه النظام منذ بدء الثورة وحتى اللحظة, وليس هذا فقط بل جسده دائماً في سلوك عياني, القتل في حمص ودرعا وتلبيسة والرستن وديرالزور, والمتحاورون يجلسون في دمشق.
مع ذلك دعونا لا نتوقف كثيرا عند بديهيات بات الشعب السوري يعرفها عن سلوك النظام, ورؤيته وسلوكه في القضايا كافة التي تخص هذا الشعب. ما أريد ان اتعرض له اليوم مسألة بسيطة جدا, في كل المؤتمرات التي عقدت في دمشق, ودعت إلى الحوار شرط سحب الجيش ومحاسبة من تلوثت أيديهم بدماء السوريين, تحت شعار رفض التدخل الخارجي بانسجام تام وغير مباشر بالطبع, بين دعاة الحوار وبين النظام على هذا الشعار. وأنا أقرأ دائماً هذه الترويسة الشعاراتية, اصاب بالغم أكثر لسبب بسيط جدا, أن احساس دعاة الحوار هؤلاء في الحقيقة ونتيجة ربما لاحساس داخلي بأنهم إنما يمارسون سلوكا غير مرغوب به لاسباب عدة, يحاولون تجنب بعض المزالق الأخلاقية الخطيرة, لهذا هم يحاولون البحث في هذا النظام عن طرفين الأول تلوثت يديه بدماء السوريين والثاني لم تتلوث يديه, ويجب على الفريق الثاني محاكمة الفريق الأول! كيف? وبالتأكيد الرئاسة وأخ الرئاسة ليسا من ضمن من تلوثت أيديهما بدماء السوريين! وفق منطق مباشر أو غير مباشر, لهذه الدعوة. بينما ما يجب أن يحدث هو العكس تماما إن كنت أريد أن أكون أكثر تسامحا بدم أنا لم املك فيه اي ولاية, أقول: أن من نفذ القتل يجب أن يكون خارج دائرة المحاسبة, ويجب محاسبة من قام بإعطاء الأوامر الأساسية والرئيسية للقيام بهذا القتل, ووفقا لهذا الأمر العياني السوري, فمن جهتي لن أحاكم أحدا, لاضباط جيش ولا حتى قادة أجهزة أمنية, ولا حتى شبيحة, أحاكم بؤرة القرار, وهنا لا اعتقد ان أي سوري لايعرف أين هي بؤرة القرار ومن هم شخوصها وكيف يفكرون بالشعب السوري. إذا كان لابد من الحوار كما يقولون, ونتيجة لخوفهم على البلد فيجب أن يكون, هكذا بشكل صارخ أنهم سوف يتحاورون مع الرئاسة وأخيها, سوف يتحاورون مع من اطلق الأوامر بتلويث أيادي السوريين بدم السوريين, يجب ان تعلن هذه صراحة, وبعدها ليفكر السياسيون الداعين للحوار, كيف يترجموا هذا الأمر, أما وأن لاحوار مع من تلوثت أيديهم في النظام, والحوار مع البقية, والذين هم بالتأكيد من يملكون القرار, وإلا هل يمكن أن تتحاور مثلا مع اللواء جميل الحسن مدير إدارة المخابرات الجوية الذي أشرف على تعذيب الشهيد غياث مطر, وسلمه لأهله جثة مفرغة من بعض أعضائها وقال لهم مندوبه الضابط الذي سلم جثته" أعملوا بما تبقى شاورما" كما تقول الحكاية,فهل يملك اللواء جميل الحسن بالبت مثلا بالغاء المادة الثامنة من الدستور السوري? وهل يملك اللواء علي مملوك الغني عن التعريف قرارا بسحب الجيش من الشارع? ولنقل من جانب آخر وليد المعلم وبثينة شعبان لم يقوما بقتل أي سوري, فهل هؤلاء ممن يمكن التحاور معهم, لأجل هذا السبب? هما وغيرهما ممن لم تتلوث أيديهم يملكون شيئا من القرار?
اعتقد أن هذه مناورة بات الحديث فيها, هو تواطؤ على الدم السوري. من دون مجاملات ولف ودوران لأن الجميع يعرف أن صاحبي القرار في سورية بالقتل أو بخلافه هما الرئاسة وأخ الرئاسة. وأتمنى على الأصدقاء أن يكفوا عن هذه النغمة, وأن يخاطبوا الجميع بالتالي" نحن نريد الحوار مع القاتل ومع من اعطى الأوامر بتلويث أيادي السوريين بدم ابناء وطنهم السوري, لأمر ما, لعدم السماح بتدخل خارجي او لعدم القدرة على الذهاب بسيناريو هؤلاء المعنون" إما نحن أو الخراب" أما وأن نقوم بتضليل الناس, ونتحدث أنه على النظام محاكمة عاطف نجيب مثلا الذي اشعل تعذيبه لأطفال درعا الثورة, وكأنه اتخذ القرار من رأسه, فهذا أمر مضحك, مأساوي في الحقيقة لأنه يخفي الجاني الحقيقي.
لتعلن هكذا بصراحة نحن نريد الحوار مع القاتل مباشرة لأنه صاحب القرار الأول والأخير في النظام. يمكن أن احترم هذه الدعوة أكثر من الحديث عن محاورة من لم تتلوث ايديهم بدماء السوريين! أنتم لستم نشطاء حقوقيين ياسادة ولا قضاة ولا أنتم محققون جنائيين, أنتم رجال سياسة تريدون بناء بلد. أما إن قال ناشط حقوقي أنني أريد أن احاكم من قتل شخصيا طفل في درعا أو حمص أو حماه أنا اتفهم ذلك لأن هذا من صلب نشاطه. بينما أنتم تتحدثون عن سلطة ديكتاتورية مشخصنة, وانتم رجال سياسة تريدون تغيير السلطة إما نهائيا أو تشاركيا بالحوار. عندها غير مفهوم ولا مبرر حديثكم عن الحوار عمن لم تتلوث ايديهم فقط لأن هذا الأمر لايستوي في الوضعية السورية وأنتم تعرفون ذلك.
اتمنى أن يكون صدركم رحبا لكي تتراجعوا عن هذه النغمة المضللة. انا احترم اي اجتهاد معارض ولكن ليكن تحت بند الشفافية وعدم الالتواء على الدم السوري, نحن نريد الحوار مع من أعطى الأوامر بالقتل نريد هذا الحوار لأسباب أنتم مقتنعون بها ويجب أن نعرفها كسوريين, هذه امنيتي منكم فقط. 

السابق
مجلس للملل
التالي
نقاط القوة والضعف في خيار أيلول