المقاومة والدولة: بين انكفاء جمّول وإسلامية حزب الله

هي ابنة لوالدين شيوعيين شاركا في النضال زمن جبهة المقاومة اللبنانية «جمول». تربّت في بيئة بعيدة كل البعد عن الطائفية، ملتزمة بقضيتها وناشطة في سبيلها على الصعيد الشبابي. جوانا، ابنة الـ21 عاما، تؤكد أنها مستعدة للموت من دون أدنى تردّد. لكن: «ليس من أجل الذهاب إلى الجنة، ولكن من أجل بناء جنّة على الأرض!».
موقفها هذا هو موضع نقاش بين شباب ينتمون إلى تيارات سياسية وفكرية مختلفة، في الذكرى التاسعة والعشرين لانطلاق «جمول»، حول تطور حركات المقاومة في لبنان، انطلاقا من «جمول» ووصولا إلى المقاومة الإسلامية أو حزب الله، ربطا بالدور الداخلي لتلك الحركات وعلاقتها بالنظام القائم، لا سيما في ظل التركيبة الطائفية اللبنانية.
وفي هذا السياق، يعتبر ناجي لويس أن المقاومة التــي تنطــلق من أساس ديني، من شأنها أن تؤثر سلبا على «الروح المقاومة» عند الناس، خصوصا في بلد مثل لبنان. ناجي، وهو شيوعي من البقاع، يأسـف للتعاطي السياسي الخجول اليوم للأطراف التي شكّلت نواة الحـركة الوطنية في ما مضى، مقابل مشاركة فاعلة لحزب الله في الحياة السياسية اليوم.
هذا الجانب الديني ينطلق منه عبد الله في نقده للصورة التي تتخذها المقاومة اليوم. فالشاب المستقل الذي لا ينفي عدم معرفة الكثير عن «جمول» يرى في المقاومة «مسألة وطنية.. وبالإجماع، على عكس ما يقوم به حزب الله الذي اختصر المقاومة بطائفة. ع أيام جمول كنت تشوف القومي والشيوعي. هلق صارت الجبهة محتكرة. بعدين كيف ممكن لحزب طائفي أنو يبني دولة؟».

المقاومة.. والطائفية

وبرغم هذا الاختلاف في النظر إلى مسألة المقاومة، لا ينكر أحد «فضل» جمول في إطلاق الرصاصات الأولى على العدو. وكمثل آراء معظم الشيوعيين، يرى علي خليفة (20 سنة) أن الجبهة هي من حرّرت القسم الأكبر من الأراضي اللبنانية وفي ظروف صعبة، داخلياً حيث كانت العمالة علنية وخارجياً حين لم تحظ بداية بتأييد الجميع، وبالتالي فإن «جمول» هي من رسمت للبنانيين طريق التحرير، برأيه.
ويرى علي أن غيابها اليوم هو نتيجة نشوء تيارات أقوى منها، مدعومة خارجياً، جاءت لتقضي عليها. فالمقاومة أخذت اليوم طابعا فئويا، لكي لا تسمح للقوى الوطنية ببسط سيطرتها وقوتها. ويضيف أن اللبنانيين عموماً وأهل الجنوب خصوصا مقاومون بطبيعتهم. لذلك فإن السماح للقوى الأخرى بممارسة دورها الوطني في المقاومة من شأنه أن يعطي لتلك القوى أفضلية على سواها. ومن هنا كان لا بد من احتكار المقاومة لبسط السيطرة على الأرض، لا سيما السيطرة السياسية.
أما على صعيد التعاطي السياسي، فيرى علي المنتسب إلى اتحاد الشباب الديموقراطي، أن حزب الله سلّم ملف بناء الوطن لحلفائه. إذ انه لا يملك مشروعا إصلاحيا، وحتى هموم الناس ليست أولوية لديه و«قلما نسمع في خطابات قادته ما يعبّر عن غير ذلك..». ويتابع أن المقاومة الوطنية كانت عابرة للطوائف، ولو استطاعت الوصول للحكم كان أول ما ستقوم به هو إلغاء كل أشكال الطائفية من الدولة. بينما المقاومة الإسلامية اليوم لا تعير ضرورة تغيير النظام الطائفي أية أهمية، بل ربما ترى أنها أقوى في ظلّ هذا النظام، طالما أنها مستفيدة من اعوجاجه.
على العكس من علي، لا ينكر هاني الأهداف الوطنية لحزب الله. كما يرى الشاب الشيوعي أن حزب الله تابع مسيرة «جمول» في المقاومة التي كانت تعتبر أن الدفاع عن الوطن هو المدماك الأول في بنائه. ولكن على عكس جمول، سعى حزب الله وخاصة بعد التحرير، إلى السيطرة على كل مفاصل الوطن، بحسب هاني الذي يشدد على «الحاجة إلى ثورة فعلية لننهض من سباتنا الطائفي، علّنا نجد جبهة مقاومة وطنية جديدة».
يختلف تقييم رفاق النضال ضد العدو أيام «جمول»، أي شباب الحزب السوري القومي الاجتماعي. وليد مثلا يعتبر أن غياب الأحزاب الوطنية عن ساحة القتال هو ما جعل الأمر يبدو وكأن هناك احتكاراً للمقاومة. ويضيف ضاحكا: «الغريب أن من ينتقد المقاومة هي أحزاب لا يمكن أن تنتظر منها عملاً مقاوماً». ويتابع: «لا يعتبرنّ أحد أن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية كانت أرقى، كانت مجرّد غطاء تنضوي تحته الأحزاب.. وما حدا يفكر انو كانو كتير يحبو بعضهن». ويرى وليد أن حزب الله أكثر نجاحا من «جمول»، «مع العلم أنني لا أتفق معهم أيديولوجيّاً، بس أحسن من غيرن»، معتبرا أن حزبا طائفيا لا يمكن له أن يبني دولة.  

المفهوم هو الأساس

ترعرع أحمد في الضاحية الجنوبية وشهد على ما ألحقته بها إسرائيل من دمار. أحمد «المسلم المؤمن الملتزم»، ينظر إلى مسألة الجهاد بوصفها مقدسة. وبرغم أنه لا ينكر دور جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية كونها كانت من أولى حركات المقاومة إبان الدخول الإسرائيلي إلى لبنان، لكنه يعاود تأكيده أهمية المقاومة الإسلامية: «ما حدا بيمنع حدا يقاوم. لكن الفكرة أن هناك تنظيما. كل حدا عندو بارودة بدو يطلع من راسو ع الجبهة؟ هيدا انتحار». ويشير أحمد إلى أنه يؤمن بمعادلة الشعب والجيش والمقاومة التي تكرّست في السنوات الأخيرة. لذا: «ممكن يوماً ما نجمعهن تحت اسم جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية»!
ومن الضاحية نحو الجنوب، الذي شهــد على أبشــع أشـكال جرائم العدو الإسرائيلي، يؤيد معظــم أنصار حركة أمل المقـاومة الإسلامـية المتمثلة بحزب الله. هيثم عواركة يؤكد أن المقاومة لم تكن يوما حكرا على أحد. وليس هناك ما يمنع أي شخص، بغض النظر عن حـزبه أو طائفـته، أن يقاوم المحتل بأظـافره وأسنـانه وسلاحه مهما كان وضيعا. «في تموز كان هناك شهداء من حزب الله وحركة أمل والحزب الســوري القومي الاجتماعي والشيوعيين في مارون الراس وصـريفا ومرجعيون وغيرها الكثير من القرى».
هيثم المنتسب إلى حركة أمل، يرى أن «الأخوة» في حزب الله هم في صلب الوطن. «ودماء الشهداء التي سقطت أبلغ دليل على ما أقول، كما أن مشاركتهم في البرلمان والحكومة وسلوكياتهم الوطنــية تعـزز قولي هذا، فهم يتماهون مع أخوتهم من مختلف الأحزاب والطوائف، ويعــملون جنبا إلى جنب في سبيل بناء وطن حر مستقل نعيش فيه سواسية من دون تفريق».
أما في ما يختصّ بموضوع تصنيف المقاومة بين وطنية وإسلامية، فيشير هيثم إلى أن ما يهمّه هو مفهوم المقاومة، أمّا الباقي فتفاصيل. «الشهيد عندما يسقط لا نهتم لطائفته أو لحزبه، وما يهمنا هو ماذا قدم دفاعا عن وطنه، والمقاوم لا يسعى لكسب مادي بل يسعى ليكسب رضى الله الذي أرادنا أحرارا في دنيانا لنفوز بآخرتنا، ولنحافظ على وطن حفظنا وواجبنا أن نحفظه، وهذا المفهوم العقائدي هو في صلب الإسلام وتعاليمه، وليس هناك ما يعيب في ذلك».
من الجنوب إلى البقاع، وتحديدا إلى بلدة الفرزل فيه. يبلغ عمر جاد الحاج 18 عاماً. لكن صغر سنه لم يمنعه من تكوين رأيه في الأوضاع السياسية والتاريخية. «ما بسمح لنفسي احكي عن المقاومة الإسلامية في هذه المرحلة، بعد التحرير والنصر بحرب تموز». هو يعتبر أن حزب الله لن يصل لمرحلة المساهمة في بناء وطن ما لم يتخط الطائفة، ويتحول إلى مقاومة «وطنية». ولكنه يؤكد في المقابل ضرورة دعمه رغم كل شيء، لأنه المقاومة الوحيدة الباقية، ولا بديل عنها. ويختم جاد المناصر لفكر أنطون سعادة والحزب السوري القومي الاجتماعي: «في حال مشينا مع حملة «لأ للسلاح»، وراح السلاح، بيروح معو كل أمل بالوقوف بوجه إسرائيل.. كرمال هيك أنا مع المقاومة المتوفرة إلى حين توفر الأفضل». 

السابق
الأكثر خطراً على الإنترنت
التالي
ديناصورات مريّشة… لا تطير