جنبلاط للجنرال: “الأمر لي” في الغالبيّة والحكومة!

وصلت قويّةً رسالة النائب وليد جنبلاط في اليومين الأخيرين: لستُ في جَيْب أحد. الجميع يحتاج إليّ ولا أحتاج إلى أحد.

يتقن جنبلاط هذا الدور. ففي زمن الرعاية السوريّة، كانت تُقاس الدوائر الانتخابية على مقاسه، وتُوضع الحصص الدرزيّة في تصرّفه أوّلا، وكان يمسك بأحد "الصناديق" على غرار كبار ممثلي السنّة والشيعة.

وعندما جاء الى "ثورة الأرز"، كان رأسَها والمقرّر الأبرز لتوجّهاتها، الصائب منها والخاطئ. وحين اقتضت ظروفه الخروج منها، أراد أن يحمي رأسه أوّلا. وعندما أطلّت ملامح "الربيع العربي" بدأ "يرفع سعره". وبات اليوم قادرا على اللعب ضمن هوامش أوسع. فأطلق رسائله في اتّجاهات متناقضة أحيانا، نحو النظام في سوريا والمحكمة والقرارات الدولية والتعيينات.

"فَتِّشْ عن النسبيّة"!

بات جنبلاط اليوم تماماً على خطّ التماس بين النظام و"الثوّار"، وبين المحكمة و"حزب الله"، وبين الموالاة والمعارضة. وعندما هدّد العماد ميشال عون بالخروج من الحكومة احتجاجاً على تجاهل مطالبه، أراد جنبلاط إفهامه بأنّه هو، لا سواه، صاحب القدرة على اتّخاذ القرار بإسقاط الحكومة، بعدما كان صاحب القدرة على تأليفها. ومشهد الأربعاء الفائت في قصر بعبدا وساحة النجمة يؤكّد ذلك.

إستخدم جنبلاط بعضاً من أسلحته ضدّ العماد عون. وتحت عنوان الرفض "التقني" لخطّة الكهرباء، أراد الانتفاض سياسيّا. ففي الخلفية الأساسية لموقفه، استكمال للهجوم على النسبيّة. ويقول قريبون من جنبلاط: أيّاً يكن الثمن، فنحن سنعمل لإحباط أيّ قانون يعتمد النظام النسبيّ في الانتخابات المقبلة، ليس رفضاً لهذا النظام الإصلاحيّ في المطلق، بل لأنّه يجب أن يأتي ضمن سلّة إصلاحات متكاملة تراعي كلّ الاعتبارات. وهذا النظام كان يتبنّاه البرنامج المرحلي للأحزاب الوطنية قبل نحو نصف قرن. والحزب الاشتراكي أبرز الداعين إليه.

ووفقاً للقريبين، فإنّ "الجنرال" يخوض في الجبل معركة إضعاف وليد جنبلاط، ولاسيّما في الشوف. وهو ما يؤدّي الى تغيير في معادلة الجبل القائمة منذ أيّام كمال جنبلاط، حيث كان هو رأس الكتلة المتنوّعة طائفيّاً. ولن يفرّط جنبلاط اليوم بهذه المعادلة التاريخية، فيذهب جزء من التمثيل المسيحيّ إلى خارج "جبهة النضال"، ما يفقدها طابعها المتنوّع.

وفي هذا الجوّ، قاطع ممثّل جنبلاط عشاء "التيّار الوطني الحر" في المشرف، فيما شارك ممثّل للاشتراكي في مناسبة دعت إليها "القوات اللبنانية" في عاريّا. وتبدو العلاقات متّجهة بين عون وجنبلاط الى مزيد من التوتّر والمساجلات على خلفيّة التوجّه إلى إنجاز قانون الانتخاب، على رغم التوقّعات بعدم الوصول الى أيّ مخرج حوله في المدى المنظور.

هواجس التصادم المذهبيّ

القريبون من جنبلاط يقولون: إنّ بدلة الموالاة ضيّقة علينا أيضاً، وليس فقط على العماد عون. لكن ذلك لا يعني أنّنا في صدد التغيير في التموضع. ودورنا خلال هذه المرحلة يتركّز على إيجاد مساحة وسطى بين المحورين المتصارعين، لأنّ الآتي على المنطقة ينذر بالشرّ المستطير مذهبيّا. ونحن على أبواب استحقاق خطر، من جرّاء انعكاسات ملفّ المحكمة والأزمة السوريّة. وإذا غابت هذه المساحة الوسطى، فإنّ هناك مخاطر حقيقيّة لانتقال الشرارة الى لبنان. ونحن في وضعٍ دقيق مذهبيّا، ولا قدرة على ضبط الوضع الداخلي إذا ما وقع الانفجار، لأنّ المظلّة السوريّة – السعوديّة معطّلة قسراً لانشغال أحد طرفيها.

هذا الهاجس الأمني هو الذي يدفع جنبلاط، في موازاة العمل لترميم العلاقة بحليفه السنّي سعد الحريري، إلى التمسّك بثابتة الأمن في الجبل. وهذا يقتضي إبقاء اليد مفتوحة لـ"حزب الله" أيّاً تكن الاعتبارات.

وتتوقّف أوساط جنبلاط، في هذا الشأن، عند الاجتماعات الدوريّة التي تعقد بين مسؤولي "الحزب" والتقدّمي الاشتراكي، وخصوصا عند إفطار كيفون، البلدة الشيعيّة في قضاء عاليه، والذي حضره أركان أساسيّون في الطرفين.

ويحافظ جنبلاط، خصوصا من خلال الوزير غازي العريضي، على تواصل دائم مع دمشق وحارة حريك اللتين زارهما أخيرا، واضعاً النقاط على الحروف بعد سلسلة التأويلات التي رافقت مواقف جنبلاط الأخيرة.
.

الوضع أفضل مع الحريري

وإذ تعبّر أوساط 14 آذار عن ارتياح متزايد الى توجّهات جنبلاط، يعمل "أبو تيمور" لتضييق الهوّة بينه وبين الرئيس سعد الحريري. وبعد اتّصال "كسْر الجليد" بينهما وتوقّف الحملات المتبادلة، تبقى فكرة اللقاء الثنائي مرهونة بالظروف. وفي تقدير القريبين من الطرفين، إنّ هذا اللقاء قد يحصل في أيّ لحظة. لكن لا برنامج مقرّراً في هذا الشأن.

ويسود الهدوء في إقليم الخرّوب حاليّاً، بعد مرحلة من المساجلات بين الاشتراكي و"تيار المستقبل"، صاحب الثقل الأساسي في تلك المنطقة. وللطرفين مصلحة في التفاهم انتخابيّا في العام 2013، أيّاً يكن القانون. وليست هناك مقاطعة متبادلة بينهما حاليّا في الإقليم. كما شارك ممثّل للحريري في إفطار مشيخة العقل، القريبة من جنبلاط، في فردان.

قرار عون ليس له

يريد جنبلاط أن يقول اليوم لـ"الجنرال": في الحكومة، "الأمر لي"! وهو يدرك أنّ عون لا يمكنه إسقاط الحكومة ما لم تكن تلك إرادة "حزب الله". وعندما قرّر "الحزب" سابقا" إسقاط حكومة الحريري، جمع المعارضة السابقة في الرابية… لإعلان القرار، وليس لاتّخاذه!

وسيكون إسقاط الحكومة هدفا استراتيجياً يتمّ اتّخاذه عند الحاجة إليه، وليس بناء على مناكفات ومكاسب ضيّقة. ويبدو أنّ الترهّل الذي يضرب الطاقم الحاكم اليوم هو انعكاس للاهتزاز الذي يصيب سوريا: من هناك جاءت "الكلمة السرّ" لولادة الغالبيّة "الجديدة" وحكومتها، قسريّاً. ولا يمكن أن يذهب بهما إلّا "إنطفاء" هذه "الكلمة السرّ" في "بلد المنشأ". وهناك تسارع مثير نحو هذا الاتّجاه، يوما بعد يوم، وأسبوعا تلوَ أسبوع. وجنبلاط يدرك ذلك ويُتْقن المناورات وفنون تقطيع المراحل

السابق
رَجُل الرئيس في باركينغ الكازينو
التالي
افطار سنوي في ذكرى إحراق الأقصى والقدس العالمي