ارحل يابشار

استطاع واحد من أبناء مدينة حماة للمرة الأولى في التاريخ السوري الحديث أن يقود في تظاهراته أعداداً قاربت النصف مليون, لم يأتوا إلى ساحة العاصي بتعلميات سلطة طاغية أو أوامر حزبية بغيضة أو تهديدات أمنية مرعبة لإعلان تأييدهم والتأكيد على عبوديتهم, بل خرجوا عشقاً لوطن منهوب, وطلباً لكرامة مستباحة, ومناداةً لحرية مسلوبة, طال عليه الظلم واستطال فيه الاستبداد والاستعباد, وتطاول فيه "الشبيحة". ومن ثم, فقد كان خروج ماردهم خروجاً إلى مواجهة الموت القادم كالريح الصفراء من" شبيحة" النظام وقناصته وأزلامه وقتلته ودباباته وأسلحته. فكان كل واحد فيهم مشروع شهيد ماض إلى قدره, روحه فوق راحته بين يدي من يفترض فيهم أنهم حماته وصانعوا أمنه, أو مشروع حياة حرة كريمة لشعب ووطن يتطلع إليها بكل موروثات القيم من العز والإباء والشموخ.

حُداء الشهيد ابراهيم القاشوش على جنبات العاصي وضفافه, "سورية بدها حرية", لايفارقني, كأنه عنين نواعير حماة وأنينها, بل هو حنينها الذي حوله الشهيد شدواً لأعذب أغنية للحرية والكرامة عابرة للقارات. تغريدة الشهيد كانت أذاناً في الناس أن قوموا إلى حريتكم, فرددت أم الفداء النداء وردد معها السوريون, وأوبت معهم الأرض والسماء, فكان رجع النداء من كل العوالم والأنحاء, وبكل لغات العالم:"سورية بدها حرية". وإنما من يُسمع الصم من الوحوش النداء الهادر, ويُبصر العمى من الشبيحة والمافيات ملايين الشعب الثائر, وهي تهتف بكل الجرأة خلف منشدها: "يالله ارحل يابشار".

وإنما في خضم الحملة الأمنية التي نفذتها قوات النظام و"شبيحته" على المدينة الأبية في الأسبوع الأول من يوليو الماضي بعد "جمعة ارحل", استؤنف القتل وتجدد الرعب ومعه الاعتقالات بالمئات, وفظائع الذبح التي تجلت بذبح رائد التظاهرات الحموية وحاديها الرائع ذبح سكين, ونزع حنجرته ورميه جثة هامدة في نهرٍ يحب مدينة أبي الفداء ويعشقه أهلها وما بين حبه وعشقهم, رفض بوفائه ووده أن يغطي على الجريمة وما استطاع مع عظمته وقوته أن يبتعلها, فأعاد صداحَ حماة شهيداً إلى أهله وأحبابه وإن جثة هامدة, ليكون شاهداً على وحشية القاتل وانعدام إنسانيته وموت ضميره, شهادةً من العاصي موثقة للتاريخ على مجرمي العصر ووحوشه أن قيل لهم: "سورية بدها حرية, ويالله ارحل يابشار".

ما أراده النظام الفاشي بصلفه واستكباره وعلوه في الباطل, هو الطمس على نور الحرية والكرامة في رابعة نهار السوريين, في عنفوان ثورتهم على دجله وشعوذته, وكتم صوتهم الهدار بالحرية وحناجرهم التي تزأر بالكرامة لأنهم يريدون إسقاط النظام.
ظن المجرمون المتوحشون أن الوطن عند الشهيد القاشوش كوطنهم مُقامه في حنجرتهم, فتوهموا أنهم باقتلاع حنجرته يقتلعون منه الوطن, وما علموا أن وطنه ليس في عنقه, وإنما في قلبه شلال دماء, يدير بهديره وثورته نواعير الحق التي روت أرض سورية من بعد الظمأ, وأن عنقه ليس إلا فدوى وطن عشقه مزداناً بالحرية والكرامة, فنادى يالله ارحل يابشار.

قولوا للتاريخ, أن ساحة في حماة كان اسمها ساحة العاصي, باتت مشهداً اسمه ساحة الشهيد القاشوش, يشهد أنها زلزلت بحشود حرائرها وأحرارها الاستبداد, ونداؤها سورية بدها حرية, وقشت بأغرودته "يالله ارحل يابشار" هم شعب, وكنست إلى الأبد نظاماً قميئاً عن صدور السوريين يوم أذن في فضاءات العالم "يالله ارحل يابشار ", فاستجاب وأهل الأرض معهم يلبون النداء, ويرددون مع حنجرةٍ من الجنة "يالله ارحل يابشار". خلصنا وفرقنا وكفاية وكافي, واعتبر من مصير صاحبك القذافي, تناحته مانفعته وآخرتها ولى وطار, وحالكم من بعضه فلحق حالك وارحل", لقد تأخرت كثيراً وأخذت كل الفرص وقد فاتك القطار. والشعب ينادي: "جاك الدور يادكتور, ويالله ارحل يابشار"..!!

السابق
الراي: حكومة الأكثرية القيصرية تهتز و… لن تقع
التالي
دول الممانعة الدولية والمسألتان الليبية والسورية