لغم “التايم” عطّله سقوط القذافي؟!

أُضيف أخيراً إلى ملف البحث عن «الحقيقة» في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فصلان مثيران للجدل: الأول، نشر المدعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان دانيال بلمار القرار الاتهامي في القضية، الذي يوجّه الاتهام إلى أربعة عناصر في «حزب الله» بالمشاركة في الجريمة. والثاني نشر مجلة «تايم» الأميركية ما وصفته بأنه مقابلة مع أحد المطلوبين الأربعة، مشيرة إلى ان اللقاء تم في بيروت بحضور مسؤول من «حزب الله»، وقد أكد هذا المطلوب من المحكمة الدولية براءته مما نُسب إليه، موضحاً انه ساعة الاغتيال كان في مهمة عسكرية خارج بيروت. وإذ تكتمت المجلة على اسم الصحافي، محاوره، بناء على اتفاق مسبق بين الطرفين اشترط فيه المتهم المزعوم، للقبول بإجراء المقابلة، كتم اسمه، وكذلك المكان الذي عقد فيه اللقاء، نفى «حزب الله» ان يكون اللقاء قد تم، معتبراً إياه جزءاً من الحملة التي يتعرض لها لتشويه صورته لدى الرأي العام.

وفي حين تولى الحزب تفنيد الثغر في القرار الاتهامي، مركزاً على ضعف الاعتماد على دليل الاتصالات، فإن قضية المقابلة الصحافية المزعومة قد سلكت طريقين، قضائياً ومهنياً ـ أخلاقياً.
في الجانب القضائي، كان لا بد للمدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا من محاولة معرفة الحقيقة في موضوع المقابلة: من أجراها؟ أين حصلت؟ ومتى؟ وكذلك جلاء الغموض الذي جعل مندوب مجلة أجنبية يزعم انه «قبض» على أحـد المتهمين الرئيسيين
في قضية الحريري، في مكان ما من الأراضي اللبنانية، في حين عجزت الأجهزة العدلية والقضائية التابعة له عن القيام بهذه العملية.

يضاف إلى هذا التحدي لميرزا، وتقصيره في عيون الذين خططوا للمقابلة المزعومة، تأكيد «الشبح» المطلوب من العدالة، لـ«الشبح» الآخر الذي أجرى المقابلة، على افتراض ان المقابلة قد جرت بين الرجلين بحضور «شبح» ثالث أشارت إليه المجلة بأنه «مسؤول من حزب الله»، تأكيده «ان السلطات اللبنانية على علم تام بمكان إقامتي. ولو أرادت القبض عليّ لكانت أقدمت على ذلك منذ زمن. وببساطة، انها لا تستطيع».
وقد وجد ميرزا نفسه أمام فخ نُصب له، وتالياً للحكومة التي يترأسها نجيب ميقاتي والتي اتهمها أخصامها بأنها «حكومة حزب الله»، من جانب الذين فبركوا اللقاء الذي تحوم شبهات كثيرة حول ظروف نشره، والقوى أو الجهات التي تفيد من هذا النشر.

وبدا واضحاً الهدف الذي رمت المقابلة إلى تحقيقه، أي تشويه صورة الحكومة الميقاتية لدى المجتمع الدولي، وإظهارها حقا انها «حكومة حزب الله»، ولو لم تكن كذلك لكانت بحثت عن المطلوبين الأربعة، كما فعل «صحافي» مجلة «تايم»، وساقتهم إلى سجن المحكمة الدولية في لاهاي. لكنها عاجزة عن ذلك، بداعي ان «حزب الله» لا يسمح لها بذلك!

.
علماً بأن المطلوب الذي قيل ان المقابلة المزعومة قد أجريت معه، حضر إلى المكان الذي التقى فيه الصحافي الشبح على دراجة نارية!
وهذا كاف وحده، في الصحافة كما في الجرائم، للجزم بأن المستفيد من المقابلة، كما المستفيد من الجريمة، لا بد من ان يقف وراء المقابلة. ولو كان الأمر خلاف ذلك، أي إذا لم تكن المقابلة مفبركة، لكان الصحافي المزعوم التي يفترض انه أجراها، أصر على وضع اسمه عليها، ولكان أمره طرح على مراسل المجلة في بيروت نيكولاس بلانفورد، كما تقضي بذلك التقاليد الصحافية. إلا إذا كان بلانفورد هو صاحب المقابلة، ويريد ابعاد الشبهة عنه لأسباب لا علاقة لها بأصول المهنة الصحافية، ولا بكرامة المراسل الصحافي الذي تجري إدارة المطبوعة التي انتدبته مراسلاً لها، معتمداً رسمياً لدى السلطات اللبنانية، مقابلة غاية في الأهمية، في قضية سياسية حساسة وخطرة، يمكن ان تسبب له متاعب شخصية ومهنية، وربما أبعد من ذلك، علماً بأن مثل هذا القرار غالباً ما يُتخذ في المجلة على أعلى المستويات، وتتحكم فيه اعتبارات تتجاوز احتمال لجوء المراسل إلى الاستقالة من منصبه.

بل أبعد من ذلك، كان يفترض ـ في حال كان الحديث أجراه مع المطلوب المزعوم صحافي من «تايم» أو أحد الصحافيين اللبنانيين أو الأجانب الذين تربطهم علاقات بمسؤولين من «حزب الله» وعرض بيعه على «التايم» ـ ان ترسل إدارة المجلة النص، بحسب الأصول المهنية المعتمدة من كبرى الصحف والمجلات التي تحرص على صدقيتها حيال قرائها، إلى مراسلها في بيروت للتدقيق فيه، كلمة كلمة، وحرفاً حرفاً. مع إبداء رأيه في الموضوع، ومدى صدقيته، إلى جانب احتمال ان يكون مفبركاً بالكامل ومن نسج الخيال.
إلا أن انشغال اللبنانيين بما يجري في سوريا، وبمواكبة نهاية حكم العقيد معمر القذافي في ليبيا، قد عطل مفعوله.

اننا في الواقع أمام نموذج بسيط ومدروس بعناية لما يُعرف بـ«التضليل الإعلامي» أو «تشويه الحقائق» ويختصر بالأجنبية بـ DISINFORMATION. وهذه تقنية لها أصولها وأهدافها، وقد جرت مراعاتها بعناية في المقابلة المزعومة بما فيها تأكيد مراسل «تايم» صدقية المجلة وعدم نشرها تقارير أو أحاديث غير حقيقية، ومفبركة.
وبين أبرز قواعد التضليل الإعلامي، ان الوسيلة سواء أكانت صحافية أو مجلة أو إذاعة أو تلفزيون، أو وسيلة تواصل اجتماعي (انترنت، فيسبوك، تويتر… الخ) تتحول من ناشرة للحقيقة إلى منتجة لها ومفبركة.
وثمة من يُعطي مثالاً على ذلك، حتى لا تبقى «تايم» يتيمة في هذا المجال، المقابلة التي نشرتها جريدة «الشرق الأوسط» السعودية أوائل أيلول 2009 مع الرئيس سعد الحريري وتضمنت كلاماً واضحاً للحريري عن الشهود الزور، وكيف ضللوا التحقيق الدولي، وأساؤوا إلى العلاقات مع سوريا، مبرئاً النظام السوري من أي تهمة يمكن ان توجه إليه، وخصوصاً إلى الرئيس بشار الأسد في قضية اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري.

وثبتت صحة هذا الأمر بعد ذلك من خلال موقف الحريري من الشهود الزور، ورفضه ملاحقتهم ومحاكمتهم، ثم استدارته في مواجهة النظام السوري والعمل من أجل إسقاطه.
يبقى سؤال أساسي؟

لماذا «تايم»، وهي المجلة الرصينة، المعروفة بصدقها وبصدقيتها، على ما أكد مراسلها في بيروت؟
الجواب ربما عند الذين وصلوا إلى الإعلام الأوروبي في التسريب والعمل لتشويه صورة المقاومة وتصوير المقاومين على انهم «إرهابيون» وقتلة زعيم لبناني كبير. إذ ان الذين وصلوا، بهمة الإسرائيليين والأميركيين، إلى «ديرشبيغل»، و«لوموند»، و«الفيغارو»، فضلاً عن «السياسة» الكويتية وسواها، لن يصعب عليهم الوصول إلى «تايم»، وتشويه سمعتها وصدقيتها، وهذا أبهظ ثمن يمكن ان تدفعه مطبوعة ناجحة

السابق
مزارعو زيتون حاصبيا يحذرون من كارثة كساد الزيت
التالي
سليم سلهب: الهدف من عرقلة ملف الكهرباء الحصول على مكاسب سياسية