… وسقط آخر المهرجين!

مع انتصار الثورة الشعبية الليبية المدعومة من أحرار العالم , والسقوط والإنهيار المدوي لملك ملوك إفريقيا و"أمغار" صحرائها! وعميد الطغاة في الشرق القديم المهرج معمر بومنيار القذافي يسدل الستار على خمسة عقود من حالات التهريج والتفاهة والدمار الذاتي التي عاشها الشعب الليبي, والذي نشأت أجيال عديدة منه تحت سلطة نظام فوضوي أدمن الفوضى والتآمر وبدد ثروات ليبيا في مغامرات تافهة وسخيفة , وعطل حركة التطور الإقتصادي والإجتماعي في بلد كان من الممكن أن يكون جوهرة القارة الإفريقية والعالم الثالث.

لقد سقطت بسقوط العقيد الجماهيري المهووس مرحلة هي من أشد مراحل التاريخين الليبي والعربي تحولا وغرائبية وحتى سوريالية , وتلاشت برحيل ذلك الديكتاتور الدموي الأهوج سلطة غاشمة ومجرمة كانت تمثل الفوضى المطلقة, ولم يسلم أحد من شرورها وخطاياها. لقد كان القذافي في صولاته وجولاته ومواقفه المتغيرة يعبر خير تعبير عن الحالة الملتبسة التي عاشتها الأمة العربية, وهي تنتقل بين تجارب أنظمة سياسية فاشلة لا تصلح أبدا للإستهلاك البشري.

لقد دخل القذافي الحياة السياسية بعد إنقلابه المشؤوم في الفاتح من سبتمبر عام 1969 من بوابة القومية العربية, والتي تمسك بتلابيبها بعد أن إدعى بأن الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر قد كلفه بالنص أمانة القومية العربية! ومارس من خلال تلك اليافطة شعوذة قومية مطلقة, ومحاولات وحدوية بائسة وفاشلة, كانت القمة في المسخرة السياسية قبل أن يتحول منتصف السبعينات من القرن الماضي ويتخذ طريقه الخاص من خلال "النظرية العالمية الثالثة"!

وكتابه الأخضر السخيف الذي صرف عليه ملايين الدولارات لتسويقه وسط عوالم أحزاب المعارضة الدولية وجموع المرتزقة والماسحين للجوخ في ظل حرمان الشعب الليبي من حاجاته الأساسية, وفرض إشتراكية التجويع والتدمير والتفتيت المجتمعي , ثم تراجع العقيد بعد أن صفى جميع رفاقه الإنقلابيين وأبعدهم عن مسرح الأحداث قتلا أوإبعادا عن كل طروحاته القومية المثيرة للسخرية, وتحول زعيما إفريقيا لايشق له غبار وقائدا يحاول توحيد القارة الإفريقية تحت رايته بشتى الوسائل رغم عدم أهليته لذلك ! وكانت مهزلة كبيرة وطويلة أيضا , وبين تلكم التحولات مارس نظام العقيد الساقط العمل الإرهابي المباشر وتحالف مع جميع منظمات الإرهاب المحلية والعربية والدولية وأضحت ثروات الشعب الليبي تصرف على جرائم أبونضال وكارلوس والألوية الحمراء الإيطالية والجيش الأحمر الياباني والجيش الجمهوري الإيرلندي وجماعة الدرب المضيء في بيرو! هذا غير الأحزاب العربية المفلسة التي كانت تهتف بحياة القائد وبوحدوية "الفاتح"! وبقية التفاهات التي تحتاج إلى مجلدات تاريخية طويلة لتدوينها وتوثيقها.

.
لقد تآمر القذافي على جميع دول المنطقة بدءا من المغرب وليس إنتهاء بالسعودية مرورا بمصر والخليج العربي والسودان, وكانت بصماته التخريبية موزعة على المستوى الدولي والتي كانت أشدها قتامة فيما حصل في لوكربي أواخر عام 1988 والمآسي التي عاناها الشعب الليبي من جراء الحصار الدولي الطويل , بكل تأكيد لا أحد سيأسف على رحيل العقيد الأهوج سوى جموع المرتزقة وفلول الإرهابيين والمجرمين, والذين فقدوا بسقوطه نظاما كان حصنا لهم وملاذا لمؤامراتهم , النصر الشعبي الكبير الذي حققه الشعب الليبي الحر بمساندة قوى الحرية في العالم هو من طراز التحولات التاريخية الكبرى والتي نرجو أن تستمر لما فيه خير الإنسان الليبي والعربي , فمرحلة زوال الطغاة قد أضحت هي الطابع التاريخي والسمة المميزة التي تميز العالم العربي وهو يدخل مرحلة تاريخية جديدة من دون الطغاة المعروفين. تحديات الأيام المقبلة ستكون صعبة وحاسمة أمام الشعب الليبي , فمن السهل تهديم قلاع الإستبداد والإرهاب ولكن من الصعب جدا بناء الكيان البديل الذي يتجاوز إشكاليات الماضي وعقده ومآسيه ويكرس مرحلة البناء والإستقرار القيمي والسلوكي.

بعد فرحة زوال الديكتاتور أيام صعبة تنتظر الأحرار لا محالة وهم يبحثون عن طريق الخلاص والتحرر والإستقلال في ظل تباين الرؤى والأهداف , لقد هشمت الديكتاتورية القذافية كل قواعد العمل السياسي وأصول البناء المجتمعي ومهمة إعادة البناء وصياغة عقلية التغيير والإنطلاق نحو عوالم جديدة هي من أصعب المهمات بكل تأكيد. لقد حقق الشعب الليبي بتضحياته ودماء شبابه هدفه التحرري المركزي وبات لزاما عليه الإستمرار في سلوك طريق الحرية الشاق والمليء بحقول الألغام المهلكة. نهنئ أشقائنا الأحرار في ليبيا بنصرهم الأغر وبنجاح ثورتهم الخالدة , ونتمنى مخلصين أن يقطف الشعب الليبي الحر ثمار ثروته التاريخية , أما الطغاة فمصيرهم النهائي معروف وهو الزحف سريعا نحو مزبلة التاريخ

السابق
الجمهورية: لبنان على”صفيح ساخن” وبرّي يدعو لكشف مصير الصدر ,باسيل “ينكّع” بوزراء ومشروعه الكهربائي قد لا يُقر اليوم
التالي
النهار: باب العزيزية يؤخّر حسم معركة طرابلس وأنباء متضاربة عن القذافي ومقتل نجله خميس