عين الحلوة يحصّن زواريبه بالحديد

لم يكن ينقص مخيم عين الحلوة إلا تقسيم أحيائه إلى قواطع يقفلها أهلها بالبوابات. تجربة تعيد إلى الذاكرة ما عاشه أبناء المخيم في فترة الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة صيدا ما بين عامي 82 و85، عندما أقاموا بوابات عند مداخل أزقتهم لإعاقة دخول الإسرائيليين إليها واعتقال المقاومين

ضاق فلسطينيّو مخيم عين الحلوة بمقاتلي «الغفلة». لم تعد تؤرقهم الأحوال المعيشية الصعبة أصلاً، بقدر ما باتت تؤرقهم زخات الرصاص المتساقطة عليهم كالمطر والموت المتنقل بين زواريبهم. كل معركةٍ هناك تكلفهم شهيداً واثنين وثلاثة وربما أكثر. اليوم، لم يعد هؤلاء قادرين على احتمال كل هذا الموت المجاني، فبدأوا بتحصين حياتهم «بالحديد»، حسب تعبير محمود شناعة. فبعد سلسلة معارك الزواريب، وضع الفلسطينيون بوابات حديدية عند مداخل حاراتهم وأزقتهم الضيقة لإقفالها، عندما تقتضي الحاجة، في وجه مسلحين اعتادوا دخولها، مطلقين بعشوائيتهم المعتادة النار والقذائف، وفي وجه أي استنفار مسلح. «الباب اللي بيجيك منو ريح سدّوا واستريح». مثل استحضره شناعة، بينما كان يثبّت بوابة حديدية عند مدخل أحد الزواريب في الشارع التحتاني. يعلّق الرجل ساخراً بالقول «هذه شناعة المقاتلين التي تفرض علينا إقامة بوابات عبور تحمينا من الرصاصات الطائشة».

أبواب حارات المخيم الجديدة لا تشبه باب «الحارة الشامية» في المسلسل السوري. فهنا البوابات صغيرة لتلائم ضيق مساحة حارات عين الحلوة أو «القواطع»، كما يسميها السكان. لكن، هل ستصمد أبواب كهذه في صدّ تسلل المسلحين والعابثين إلى قواطع المخيم؟ لم يعرف الأهالي الجواب بعد، بانتظار معركةٍ مقبلة! إلا أن هذه البوابات أعادت إلى أذهانهم نماذج تدابير مماثلة لجأ إليها أبناء المخيم في فترة الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة صيدا بين عامي 82 و85، عندما أقاموا بوابات عند مداخل أزقتهم كانت غايتها إعاقة دخول الإسرائيليين إلى الأزقة واعتقال المقاومين.

ثمة أحياء لم تتحصن، فلم ترفع بوابات حديدية كغيرها، ولا سيما الأحياء الكبيرة منها. ويعود السبب إلى أن دساكرها وتعرجاتها متشعبة وتفضي إلى أكثر من حارة وفي اتجاهات مختلفة.

وأبعد من البوابات، اتخذ الفلسطينيون تدبيراً احترازياً آخر يقضي بتشكيل دروع بشرية للنزول إلى قواطع المخيم وأزقته في حال حصول أي اشتباك مقبل أو لدى ملاحظة أي استنفار مسلح. وكانت قد سبقت القرار «بروفا» قام بها مئات الفلسطينيين ممن نزلوا إلى الشارع أثناء وقوع الاشتباكات العنيفة قبل أسبوعين، غير عابئين بالرصاص الكثيف وبإطلاق القذائف الصاروخية. وطالبوا في حينها بوقف إطلاق النار وسحب المسلحين فوراً من الشوارع، وكان لهم ما أرادوا. وقد تلى هذه التجربة عقد مؤتمرات شعبية انبثق عنها تقسيم المخيم إلى «قواطع»، باتت حتى الآن 12 قاطعاً، يدير كل قاطع مسؤول أنيطت به مسؤولية متابعة منع تسلل المسلحين والعناصر الغريبين إلى نطاقه، إضافة إلى حشد سكان قاطعه كي يشكّلوا دروعاً بشرية متى اقتضت الحاجة التصدي للمسلحين إذا ما اشتبكوا أو مارسوا استنفارات وأعمالاً مخلّة بالأمن. أما مفاتيح بوابات القواطع، فقد أعطيت «النسخ الأساسية» للمسؤولين، ووزّعت نسخ منها على معاونيهم وبعض النسوة في كل قاطع. ولم يحدد المسؤولون مواقيت الإقفال، فهي متروكة للظروف، ولقائد القاطع الذي يحدد طبيعة هذا الظرف، ما إذا كان عابراً أو مفضياً إلى اشتباك. وعلى هذا الأساس، يقفل الحي أو لا يقفل.

عبد اللطيف البقاعي، مسؤول القاطع الثامن الذي يضم «ما يقارب 700 منزل»، أشار إلى أن «وظيفة القواطع محاولة جمع الناس على كلمة واحدة ودرء الفتنة والتصدي لما يجري من فلتان أمني قد يؤدي إلى عزل المخيم عن محيطه وإلحاق أضرار اجتماعية واقتصادية به». ويفنّد البقاعي هذه الوظيفة، فيقول «إننا في كل قاطع نحصي الشباب ونتفق على طريقة لنجتمع وننزل إلى الشارع متى شعرنا بأن مشروعاً للاشتباك داخل المخيم سيحصل». يقول «سننزل تحت الرصاص ونقول لا للقتال، لا للمسلحين». لكن مسؤول لجان حق العودة فؤاد عثمان يطمح إلى دور أكبر يمثّله «قادة القواطع»، على أهمية دورهم «كحرّاس لأمن المخيم، ومن ذلك قيادة القواطع للعمل الاجتماعي والحياتي وشؤون المخيم». لكن، ماذا عن دور اللجان الشعبية؟ يجيب عثمان غامزاً «أصلاً مسؤولو اللجان لا يهتمون بمصالح الناس بقدر اهتمامهم بمصالحهم الخاصة ومصالح فصائلهم».

السابق
فضل الله: الثلاثاء أول أيام العيد
التالي
الحدّ من التدخين… لافتة في مقهى