الطلاب أمام خيارين … أحلاهما مرّ!

طب، هندسة، أدب، صحافة… تتعدّد الاختصاصات المتاحة أمام الطلاب الذين يتردّدون طويلا في اختيار ما يتناسب مع توجّهاتهم، إلّا أنّ المعاناة بعد التخرّج واحدة، رواتب متدنية، لا تليق بمستوى شهاداتهم، ولا تساعدهم في تسديد ما اقترضوه من المصرف لمتابعة تحصيلهم الجامعي.

بعد الدين يأتي الويل!

"حيال الغلاء الذي طال أقساطنا الجامعية، لم نجد من حل سوى "قرض التعليم"، وهو نظام توفره معظم المصارف، يسمح للطلاب بالاستدانة لتسديد أقساطهم. لا شك في أنّ هذه الخطوة، أثقلت كاهلنا، إلا اننا تمكّنا من متابعة تحصيلنا العلمي". هذا ما عبّرت عنه الطالبة حنان الزير بعدما تعذّر على أهلها تحمّل تكاليف علمها. وتتابع موضحة: "في البداية، تشكّل هذه القروض دعما أساسيا للطلاب، ولكن سرعان ما تتحوّل بعد التخرج إلى كابوس، فيجبر المتخرّج على العمل ليلا نهارا من أجل تسديدها". وما يزيد الطين بلّة، على حد تعبير حنان، "هي الرواتب الخجولة مقارنة بعبء الأقساط".

يضم جميل صوته إلى حنان قائلا: "مرّت ثلاث سنوات على تخرجي ونيلي الإجازة في الهندسة، إلا أنني حتى الآن لا أزال أسدّد أقساط القرض الذي حصلت عليه من المصرف لكي أدفع التكاليف الجامعية". ويتابع متأسفا: "حتى يومنا هذا أعجز عن ادّخار المال من أجل شراء سيارة، ولا أزال أتنقل مستخدما الباصات أوالسيارات العمومية للوصول إلى عملي، فالكثير من المشاريع المستقبلية مؤجلة في الوقت الراهن، ولا سيّما أن المعاش "دغري بطير" مع الإشارة إلى أنه لا يوفي شهادتي حقها، ما يعني أنني أدفع أكثر مما أتقاضاه".

"اللبنانية" رحمة

بالنسبة إلى الطالبة رنيم السيد، تشير إلى أنّ الأقساط الجامعية لم تكن يوما مشكلة بالنسبة إليها وإلى أهلها: "محظوظة كوني أتابع دراستي في جامعة رسمية، وكل ما عليّ دفعه لا يتجاوز رسم التسجيل مطلع كل عام دراسي". وتتابع بشيء لا يخلو من الحماسة: "أشكر الله على ـنني سأتمكّن من نيل إجازة المحاماة من دون أن أكون مديونة لأحد".

في هذا السياق، لا تخفي رنيم استغرابها كلفة الاقساط الباهظة التي يتكبدها طلاب الجامعات الخاصة. وتلفت إلى أنّ القطاع التعليمي في لبنان بات "متل الطرّة والنقشة"، فمن ينجح في امتحان الدخول في الجامعة اللبنانية يكن "ظمت بريشو"، ومن لم يحالفه الحظ فالله يكون في عونه.

أين المنطق؟

من جهته، يرى الموظف صلاح حقي إجحافا كبيرا من قبل المؤسسات: "بعد نيلنا الإجازة، وإن توافرت فرصة العمل، غالبا ما تكون دون المستوى المطلوب". ويتابع مستغربا: "أنا مجاز في إدارة الأعمال، وقد كلّفتني دراستي الجامعية طوال أربع سنوات ما يقارب الـ25 ألف دولار، في حين أعمل اليوم في إحدى الشركات في بيروت، ولا يتعدّى راتبي الشهري الخمسمئة دولار. فهل يجوز ذلك؟" على رغم الظلم الذي يلحق به، يجد صلاح نفسه مجبرا على الرضوخ، والقبول بهذا الواقع نظرا إلى ضيق فرص العمل. وما يحزّ في نفس صلاح "أنّ راتب العامل الأجنبي في لبنان قد تخطى راتب الموظف اللبناني الصامد في أرضه، وصاحب الشهادات والكفاية العالية".

من جهتها، تؤكّد رامونا جريج، وهي موظفة أيضا، ما قاله صلاح: "قد تمضي أعوام قبل أن تصل إلى المعاش الذي يكون أساسا من حقك وبمستوى شهادتك". وتضيف: "نأسف لما يعانيه شباب لبنان الذين يجبرون على المغادرة للعمل في بلدان الاغتراب سعيا وراء تأمين مستقبلهم".

على رغم مضي 10 سنوات على وجودها في الوظيفة عينها، فإنّ راتب رامونا لم يلحظ أي زيادة: "عشر سنوات مرّت على وجودي في عملي ولا يزال معاشي كما هو، علما أنّني حين حصلت على شهادة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية نلت 000 50 ل. ل. زيادة على راتبي الذي صار 000 750 ل. ل.

مفاجأة الـUSEK!

وكأنّ معاناة الشباب اللبناني لا تكفي من أجل تأمين أقساطهم الجامعية، لتطل قرارات جديدة من حرم جامعة الروح القدس الكسليك تحمل في طياتها زيادة على رسم التسجيل وأسعار الأرصدة. وعلى رغم الحالة الاقتصادية الصعبة لم تتردّد إدارة "الكسليك" في رفع رسم التسجيل من الألف دولار إلى الألف ومئتي دولار، إضافة إلى زيادة تراوح بين ثلاثين وستين دولارا على كل رصيد. فقد بات الرصيد في كلية إدارة الأعمال 250$ بدل 220 $، وكلّيّة الطب 300$ بدل 270$، وكلّيّة الصحافة 150$ بدل 120$… والغريب أنه بعد أن انتفض الطلاب على هذه الزيادة الجديدة، جاء رد الإدارة على بالشكل الآتي:

– لقد كانت الجامعة شفافة في إعلانها لأسعار الائتمان الجديدة، كما فعلوا في اعلان لهم قبل ذلك الوقت وأرسلت رسائل قصيرة حول الإصدار الجديد، مع ترك الخيار للطلاب لاتخاذ القرار الذي يريدونه.

– هناك تضخم اقتصادي واضح في لبنان

– هدف الجامعة هو تقديم نوعية جيدة من الخدمات، وبناء مبان جديدة والاستثمار في البحوث والتنمية الشاملة.

– مكتب الخدمات الاجتماعية على استعداد لاتخاذ أي تدبير، وسيكون مفتوحا حتى خلال شهر آب.

من هنا، يمكن طرح السؤال: هل يبرّئون أنفسهم لمجرّد أنهم أرسلوا رسائل للطلاب؟ وبتركهم، على حد قولهم، القرار للطالب، فإنّهم بذلك يشجعونه على ترك الجامعة. حيال هذه الزيادة، أسئلة كثيرة تردّدت، أبرزها: "هل كلما أرادت الادارة صيانة مبانيها، أو تجديد الكافيتريا، أو استحداث مبنى جديد، على الطالب أن يدفع الثمن؟"

ربما قد يعتقد بعضهم أن لا داعي إلى القلق ولا سيما أن العام الجامعي لم يبدأ بعد، إلا أن قلقا كبيرا بدأ يتسلل إلى نفوس الطلاب، ولا سيما أنهم بدأو يشتمّون رائحة زيادة على أقساطهم الجامعية، في ظل غياب وسائل دفع ميسّرة. وبين الاقتراض من المصرف أو القبول برواتب متدنية لتسديد القرض، يبدو العدد الأكبر من الطلاب أمام خيارين أحلاهما مرّ!

السابق
الفطنة الإيرانية المرعبة
التالي
التمثيل الفلسطيني في لبنان بات… سفارة