اللواء: الحوار بين القوى السياسية القائم على برنامج عمل واضح وأهداف محدّدة يُزيل القلق والهواجس

<رئيس الجمهورية لا يستطيع البقاء متفرجاً، وتجديد الدعوة للحوار انطلق من مسؤولياته الدستورية ودوره القيادي>
إنطلق الحوار الوطني بين القوى السياسية المختلفة عام 2006 بدعوة من الرئيس نبيه بري، وذلك لتدارك نتائج تداعيات الانقسام الحاد بين اللبنانيين إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ما بين قوى 14 آذار متهمة سوريا بأنها وراء عملية الاغتيال وما بين 8 آذار التي انتصرت لسوريا·

وقتها وفي ظل شلل كامل لدور رئيس الجمهورية إميل لحود تحمّل الرئيس بري المسؤولية ودعا القيادات السياسية الفاعلة إلى عقد حوار وطني· ومع بدء عقد جلسات الحوار بين القيادات تفاءل اللبنانيون لرؤيتهم القيادات السياسية تجتمع معاً في مبنى قرب مجلس النواب في الوسط التجاري، التي شارك فيها أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع وسعد الحريري ووليد جنبلاط وغيرهم·

ويمكن القول أن هذه الخطوة الهامة من الرئيس بري أسست للحوار الوطني الذي قاده لاحقاً الرئيس ميشال سليمان وسُمّي وقتها <هيئة الحوار الوطني>، ويُذكر أنه خلال هذه الجلسات منذ 2006 تم التوافق على قضايا هامة وبمشاركة الجميع على إنشاء محكمة دولية لقضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وسحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الفلسطينية، وعلى ترسيم الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية مع الشقيقة سوريا·

ومن ثم تركّز الحوار لسنوات في بعبدا على بحث استراتيجية دفاعية تحفظ قوة المقاومة لصالح لبنان وفي ذات الوقت تعزّز الشرعية الممثلة بالحكومة اللبنانية والجيش اللبناني·

وللتذكير أن جميع اللقاءات التي حصلت في بعبدا تحوّلت إلى جلسات علاقات عامة، كان يرى فيها الجميع أن القوى السياسية إذا التقت خير من أن لا تلتقي، وهكذا تم تفريغ <هيئة الحوار الوطني> من مضمونها، ففي الوقت الذي أعلن فيه حزب الله وبشخص أمينه العام السيّد حسن نصر الله أن الحزب هو الجهة الوحيدة التي تقدمت بمشروع للاستراتيجية الدفاعية فيما أحجم الآخرون عن تقديم أي مشروع أو دراسة، إنبرى من جهة ثانية قادة 14 آذار متهمين حزب الله بالتهرّب من موضوع الاستراتيجية الدفاعية، لأنه لا يرغب أن يضع سلاحه في أمرة الشرعية، فلجأ إلى تمييع جلسات الحوار ورفض مناقشة موضوع سلاحه من حيث الدور والأمرة والمرجعية·

الدعوة لإعادة إحياء <هيئة الحوار الوطني> التي أطلقها الرئيس سليمان منذ أكثر من شهر واستقبل من أجلها عدداً من القيادات السياسية، ومن ثم أكد على أهميتها في الإفطار الرمضاني في قصر بعبدا أول أمس فقال <تلوح في أفق الوطن مصاعب وتحديات لا يمكن الاستسلام لها أو ترك سُبل حلّها لما يمكن أن تفضي إليه موازين القوى المتقلبة، فتطوّر الأحداث في محيطنا العربي، وتداعياتها الممكن على النسيج اللبناني، وحال الترقب المترافقة مع مسار المحكمة الدولية، وما يعمل على تأجيجه من عصبيات وزرعه في ظهرنا ومن حولنا من بذور فتنة طائفية ومذهبية، يثير قلقاً لدى المواطنين··>·

ولكن نظراً لتداخل القضايا والمصالح الخارجية بالداخل اللبناني وللغموض السائد في المشهد السياسي وما يحيط به من صعوبات تتطلب معالجة فضّل الرئيس سليمان <التريّث> بالدعوة لتحديد موعد لعقد جلسات الحوار مجدداً·

إن الدعوة لعقد <هيئة الحوار الوطني> مجدداً يأتي في إطار الدور الدستوري والقيادي لرئيس الجمهورية، ولوقف حال التدهور القائم في البلد، وما أعلنه الرئيس من أسباب يأتي استجابة لتطلعات المواطنين الذين يعيشون حالة من القلق الشديد وهواجس دائمة، فالرئيس كان واضحاً ولكن تريّثه في تحديد موعد لجلسات الحوار الوطني لم يكن خياراً خاطئاً، خاصة وأنه لم يتسرّب ما يشير إلى أن الرئيس سليمان قدّم مشروعاً ليكون هذا الحوار منتجاً أو شجّع آخرين لتقديم مشروع للاستراتيجية الدفاعية، وبعدما باشر الرئيس سليمان بحث هذا الموضوع مع القيادات السياسية أعلن <تريّثه> في توجيه الدعوة، والأسباب لذلك وإن كانت لم تعلن إلا أنها غير مجهولة، فحزب الله أعلن أكثر من مرة وخاصة بعد تشكيل حكومة ميقاتي أنه حاضر للمشاركة في جلسات هيئة الحوار، <ولكن إذا كان الموضوع بحث سلاح حزب الله فنحن نرفض ذلك>، كما أعلن أن الحزب يرى أن الاستراتيجية الدفاعية قائمة ورسمية ومذكورة في البيان الوزاري للحكومة عبر ثلاثية <الشعب والجيش والمقاومة>، هذا فيما يصرّ فريق 14 آذار على أن يكون موضوع سلاح حزب الله بنداً وحيداً من أجل المشاركة حيث أن السلاح هو محور الخلاف بين اللبنانيين·

هذا وفي الوقت الذي طالب فيه كثيرون رئيس الجمهورية بضرورة التحرك لكسر حالة الجمود القائمة أو كسر الجليد بين القوى السياسية المختلفة لتلافي <ما هو أعظم>، يرى آخرون أنه على الرئيس سليمان بعد إجرائه الاستشارات واطلاعه على كافة التوجهات والاقتراحات أن يتقدم بورقة لبرنامج جلسات هيئة الحوار الوطني، كما عليه أن يستعين لنجاح الحوار بقوى خارجية لها <مونة> على الأطراف السياسية أكثر من مونة الرئيس وأكثر من مونة الناخبين··!!

الحوار بين القوى السياسية القائمة على رؤية واضحة، وصولاً لأهداف واضحة يمكن أن يحقق النتائج المرجوة منه، ووقتها يزيل القلق السائد والهواجس، وفي النهاية الرئيس سليمان لا يستطيع البقاء متفرجاً، فهو عليه مسؤوليات كبيرة جداً، وتجديد الدعوة للحوار انطلق من هذه المسؤوليات ومن الدور المناط به، والمعالجة اليوم من الممكن أن تكون أسهل بكثير قبل أن تطل علينا تداعيات يصعب مواجهتها·

السابق
عنكبوت يثير الذعر داخل محطة قطارات
التالي
تسعينية تحصل على الحزام الأسود بالجودو