سوريا ساحة صراع تركي – إيراني؟

موقف حكومة "حزب العدالة والتنمية" الاسلامي الحاكم تركيا يحيّر الغالبية الشعبية الثائرة على نظام آل الاسد في سوريا منذ 15 آذار الماضي ومعها فئات عربية وإسلامية واسعة. فتارة تعطي النظام السوري الفرصة للتوصل الى تسوية ترضي الثائرين وتخرجهم من الشارع وتجنّب سوريا حرباً اهلية لن تكون المنطقة بمنأى عن انعكاساتها السلبية. وطوراً تتشدد معه سواء في التخاطب او في المواقف او في ابداء الدعم للشعب السوري او في الإيحاء بأنها على استعداد للقيام بالمزيد بالسياسة وغير السياسة لانهاء العنف ولإرضاء الشعب المذكور باصلاحات ديموقراطية حقيقية.

هذان الموقفان المتناقضان الى حد كبير تكررا اكثر من مرة كان آخرها قبل اربعة ايام اثناء اجتماع وزير خارجية تركيا بالرئيس السوري في دمشق على انفراد مدة 3 ساعات ونصف، وفي حضور معاونيه قرابة ثلاث ساعات. وقد بدأت هذه المرة الاخيرة بتشدد تركي وتشدد سوري لاحظه مشاهدو تلفزيونات العالم كلها من خلال تجهّم وجوه الفريق السوري وعبوسها بل والحنق الذي كان بادياً بوضوح عليها. لكنها انتهت بشيء من الارتياح عكسه اعطاء تركيا الاسلامية، اذا جاز التعبير، سوريا الاسد فرصة لا تتجاوز الاسبوعين على ابعد تقدير لمباشرة تنفيذ ما يهدئ شعبها ويرضيه في شكل جدي، واظهار سوريا الاستعداد للتجاوب من خلال الموافقة على خطوات تركية معينة (زيارة وفد اعلامي تركي ودولي حلب لمتابعة اوضاعها عن كثب)، وكذلك من خلال تعهد تنفيذ خطوات محددة لعل ابرزها سحب الجيش من مدينة حلب.

هل تمارس تركيا وسوريا لعبة القط والفأر؟ وهل سوريا جدية في الافادة من المسعى التركي لإخراج نفسها من المأزق الكبير الذي وضعها فيه نظامها ولإنقاذ شعبها من عنف قد يمتد سنوات؟ وهل تركيا جادة في التعامل بحزم مع نظام الاسد في حال نكث بوعوده وتعهداته، ولن تكون هذه المرة الاولى له؟ وهل هي قادرة على ذلك؟

لا تمتلك اي قوة اقليمية او دولية معينة اجوبة محددة وواضحة ونهائية عن هذه الاسئلة بما في ذلك تركيا وسوريا. لكن عدداً من الباحثين الاميركيين الجديين من متابعي ازمة سوريا ودور تركيا فيها عن كثب يجيبون عن كل ذلك في صورة غير مباشرة بالآتي:
1- إن تركيا لا تضغط على سوريا فقط من اجل وقف عنف نظامها ضد شعبها، انما تحاول من خلال ذلك دفع قيادتها الى صيغة من شأنها نزع فتيل الازمة ووضعها على طريق الحل الثابت والنهائي والمرضي. وهذا هو الخيار الوحيد امام تركيا وخصوصاً اذا كانت ترفض ان ترى انهياراً لسوريا. وهي ترفض ذلك.

2- تركيا مضطرة للعمل مع سوريا على حل الازمة. لكن سوريا مضطرة ايضاً للعمل معها تحقيقاً للهدف نفسه. ذلك ان عجز نظامها عن تهدئة الشارع والشعب، وممارسته مزيداً من العنف سيفاقمان عزلتها الدولية. وفي وضع كهذا ترى سوريا انها في حاجة الى جار صاحب دور اساسي و"مفتاحي" في المنطقة وله علاقات ممتازة مع الغرب، وان مصلحتها تقضي بعدم دفعه الى الوقوف ضدها.

3- تحتاج سوريا الاسد الى مساعدة تركية للتوصل الى تسوية سياسية تنهي الازمة وتحفظ النظام. لكن ملامح تسوية كهذه لا تزال مشوشة وغير واضحة، فضلاً عن ان قدرة تركيا على مساعدة سوريا تجنّب الانهيار ليست ثابتة.
4- سوف ترى تركيا، وبصرف النظر عن حصيلة المواجهة الدائرة في سوريا، نفوذها في الاخيرة يتعاظم. وهي ترحّب بذلك لأنها تسعى للبروز قوة اقليمية، أي شرق اوسطية، مهمة جداً.

هل تنجح تركيا في التحوّل قوة كهذه من خلال الازمة السورية؟

قبل أن يحصل ذلك، يجيب المتابعون انفسهم، ترى تركيا نفسها تصارع ايران حول مستقبل سوريا. ذلك ان نظامها هو الحليف العربي الوحيد لايران، ودمشق هي مفتاح نفوذها في المنطقة. ومعروف ان ايران تسعى لأن تكون قوة اقليمية عظمى ايضاً، ولذلك فانها ستفعل كل ما في وسعها للمحافظة على نظام الاسد.

في اختصار، يضيف هؤلاء، تركيا وايران تمتلك كل منهما كمية كبيرة من اسهم "سوريا" وتختلفان على طريقة معالجة ازمتها. علماً ان علاقة الدولتين معقّدة اساساً بسبب العراق رغم عدم وصولهما الى المواجهة. ويعني ذلك ان سوريا ستصبح ساحة مواجهة بين انقرة وطهران وان علاقات الإثنتين قد تشهد الكثير من التوترات.

السابق
النهار: انفجار أنطلياس بحاملَيه يُغرق الدولة في الالتباس و4 ملفات مترابطة والقرار الاتهامي قريباً
التالي
الجنرال يخرج مِن ثيابه… وجنبلاط حَذِرٌ في العودة إليها!