خطوات المحكـمة الدوليّة للأشهر المقبلة

أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري أنها تسلّمت من القاضي سعيد ميرزا تقريراً أكد فيه عدم التمكن من توقيف المتهمين «حتى الآن». ما هي الخطوات التالية، ومتى تبدأ المحاكمات وما هي الإجراءات القضائية المرتقبة؟

«قدّمت السلطات اللبنانية تقريراً إلى المحكمة الخاصة بلبنان عن التدابير التي اتخذتها للبحث عن المتّهمين في قضية اعتداء 14 شباط 2005 وتوقيفهم». هذا ما أعلنته أمس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في ما عدّ استباقاً لمهلة الثلاثين يوم عمل التي تنتهي غداً (11 آب). علماً أن المادة 76 (الفقرة جيم) من قواعد الإجراءات والإثبات التي جاء فيها أن «على لبنان أو على أي دولة وافقت على التعاون مع المحكمة أن تحيط الرئيس علماً بالتدابير المتخذة (…) في أقرب وقت ممكن وفي غضون مهلة لا تتجاوز 30 يوماً عقب تبليغ قرار الاتهام أو الدعوة إلى الحضور أو مذكرة التوقيف». وبالتالي، فإن الدولة اللبنانية أخذت بتشديد قواعد المحكمة على تقديم التقرير في «أقرب وقت ممكن»، عبر إيداعها التقرير قبل انتهاء المهلة. وتابع بيان المحكمة ان النائب العام لدى محكمة التمييز اللبنانية (القاضي سعيد ميرزا) «قدّم تقريره اليوم (أمس). وذكر فيه أنّ أيّاً من المتهمين لم يُعتقل. وعليه، سينظر رئيس المحكمة، القاضي أنطونيو كاسيزي، في التقرير بعناية وسيبتّ الخطوات التالية لذلك». وذكّر البيان بأمر بديهي، كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قد أكدته ومفاده أن «التزام لبنان توقيف، واحتجاز، ونقل المتهمين، عملاً بالقرار 1757 الصادر عن مجلس الأمن لدى الأمم المتحدة، لا يزال قائماً».

ما هي الخطوات التالية التي تحدث عنها بيان المحكمة؟

كُتب تقرير ميرزا بشأن التدابير التي اتخذت لتبليغ قرار الاتهام الدولي وتنفيذ مذكرات التوقيف بالعربية، وبالتالي فإن خطوة كاسيزي الأولى هي إيداع التقرير قلم المحكمة لترجمته الى الإنكليزية. وقد يستغرق ذلك ثلاثة أو أربعة أيام. بعدها، يدرس كاسيزي مضمون التقرير المترجم «بعناية» للتأكد مما إذا كانت السلطات اللبنانية اتخذت كل التدابير الممكنة وقامت بـ«محاولات معقولة» لتبليغ المتهمين وتوقيفهم وإحالتهم على المحكمة. وسيدقق في ما إذا كان هناك تقصير في أداء السلطات القضائية والأمنية(…).

وإذا اقتنع بأن «محاولات معقولة» قد جرت، «ولكنها فشلت»، يقرّر بعد التشاور مع قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، «تنفيذ تبليغ الإجراء بطريقة أخرى، بما في ذلك عن طريق إجراءات الإعلان العام». وبما أن تلك الإجراءات انطلقت عملياً في 29 تموز الفائت عبر رفع فرانسين السرية عن أسماء الأشخاص الأربعة وصورهم والاتهامات الموجهة إليهم، يرجّح أن يقرّر كاسيزي إحالة الأمر على رئيس القلم هيرمان فون هابيل، تمهيداً لتطبيق المادة 76 مكرّر: «يقوم رئيس قلم المحكمة (…) بإرسال نص إعلان الى السلطات في أي دولة من الدول المعنية أو أي هيئة معنية لنشره في الصحف و/أو لبثه في الراديو والتلفزيون و/أو وسائل الإعلام الأخرى

بما فيها شبكة الإنترنت (…) ويدعو الإعلان كل من يملك معلومات عن مكان وجود المتهم الى اطلاع المحكمة عليها». وفي هذا الإطار، يذكر أن المتحدث باسم المحكمة مارتن يوسف كان قد راسل «الأخبار»، موضحاً أن إجراءات الإعلان العام لم تبدأ بعد، وهو ما يتناقض ما ورد في بيان رسمي صدر عن المحكمة في 29 تموز، جاء فيه أن بلمار أفاد تعليقاً على قرار فرانسين رفع السرية عن أجزاء من قرار الاتهام «بأنّ من شأن إعلان المعلومات للعموم أن يعزّز احتمال اعتقال المتّهمين»، مؤكداً بالتالي لجوء المحكمة الى إجراءات الإعلان العام، مستبقة صدور أمر بذلك عن كاسيزي. وبدا ذلك مخالفة واضحة لقواعد الإجراءات والإثبات… ولا من يسائل أو يحاسب.

الاحتمال الأقلّ ترجيحاً هو عدم اقتناع كاسيزي بأن السلطات اللبنانية اتخذت التدابير الكافية لتبليغ المتهمين. وفي هذه الحالة يمكن أن يطلب منها مزيداً من المعلومات وقد يمهلها فترة إضافية. وفي هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة الى ذكر بيان المحكمة بأن ميرزا أعلمها في تقريره أن «أيّاً من الأشخاص الأربعة المتهمين لم يُعتقل حتى الآن» وبالتالي فإن سعي السلطات اللبنانية إلى تنفيذ مذكرات التوقيف مستمرّ وقد يحتاج مهلة إضافية.

أما في شأن لجوء المحكمة الى مجلس الأمن الذي قد يقرر فرض عقوبات أو إجراءات أخرى بموجب الفصل السابع، فيبدو مستبعداً في المرحلة المقبلة. فالحكومة اللبنانية أعلنت أنها ستتعاون مع طلبات المحكمة. وبالتالي سحبت من التداول بالحدّ الأدنى الذرائع التي يمكن أن يتمسّك بها البعض لفرض عقوبات.

على كاسيزي أن يحدّد مدّة انتظار نتائج محاولات توقيف المتهمين لتبدأ بعدها المحاكمات. وإذا تعذر التوقيف عند انتهاء المدة، سيقرّر المباشرة بالمحاكمات الغيابية. ويحيل القرار الاتهامي والمواد المؤيدة لمضمونه الى مكتب الدفاع الذي يعيّن بدوره وكلاء قانونيين للمتهمين من بين لائحة المحامين المعتمدين لدى المحكمة، كما يعين فريق التحقيق والمساعدين القضائيين لكلّ من وكلاء الدفاع. يطّلع الوكلاء القانونيون وفرق العمل التابعة لهم على الملف، وبناءً عليه يطلبون من القاضي مهلة لدراسته واستشارة الخبراء والاستماع الى الشهود وصياغة المرافعات وتحديد استراتيجية الدفاع. وقد تطول المهلة نحو ثلاثة أو أربعة أشهر أو أكثر حسب خبرة المحامي وقدرات فريق عمله.
بالتزامن مع ذلك، يدرس فرانسين الطلبات بشأن مشاركة المتضررين في الإجراءات القضائية التي يفترض أنها تقدمت إليه تباعاً منذ تصديقه على القرار الاتهامي.

بعد ذلك كله، يشكل رئيس المحكمة قضاة غرفة الدرجة الأولى (ثلاثة قضاة أحدهم لبناني واثنان أجنبيان) ويحدّد البرنامج الزمني للمحاكمات التي يرجّح ألا تبدأ قبل ربيع/ صيف 2012. وخلال كلّ هذه الفترة، تستمرّ تحقيقات مكتب المدعي العام ومعها يبقى قائماً احتمال إيداع بلمار قرارات اتهامية جديدة لدى فرانسين.

السابق
سوريا: تصورات نهاية النظام
التالي
مفتي سورية: 600 طائرة من بلدين مجاورين ستنفذ هجوما على سورية