الراعي: لنتعال على كل الجراح ونأخذ العبرة وننطلق الى الامام

 جال البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس الراعي، اليوم في منطقة اقليم الخروب، مستهلا زيارته الراعوية عند التاسعة صباحا بزيارة بلدة الجية، حيث كان في استقباله وزير المهجرين علاء الدين ترو، النائب محمد الحجار، المدير العام لوزارة المهجرين احمد محمود، الدكتور ناصيف القزي، الرئيس العام للرهبانية المارونية الأباتي طنوس نعمة، المدبر العام الأب أيوب شهوان، مطران صيدا ودير القمر للموارنة الياس نصار، مطران صور للموارنة شكرالله نبيل الحاج، المطران طانيوس الخوري، رئيس دير الجبة الآب جورج شولي ورهبان الدير وراهبات، منسق تيار "المستقبل" في محافظة جبل لبنان الجنوبي الدكتور محمد الكجك على رأس وفد من التيار، وكيل داخلية الحزب التقدمي الإشتراكي في اقليم الخروب الدكتور سليم السيد على رأس وفد من الحزب، المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في جبل لبنان عمر سراج، مسؤول حركة "أمل" في الشوف احمد الحاج، رئيس اتحاد بلديات اقليم الخروب الشمالي محمد حبنجر، قائمقام الشوف جورج الصليبي ورؤساء بلديات ومخاتير وأهالي.

ولدى وصوله، توجه البطريرك الراعي فورا الى كنيسة دير مار شربل حيث أدى الصلاة، ثم انتقل الى كنيسة سيدة النجمة الملاصقة للدير وهي قيد البناء، حيث حيا المحتشدين وباركهم.

وبعد كلمة ترحيبية للأباتي نعمة، ألقى الأب شولي كلمة قال فيها:"هي الجية، الأرض الطيبة، ترحب بكم اليوم. هي الجية، بمسيحييها ومسلميها، تهلل احتفاء بزيارتكم التي ستبقى في ذاكرتها مدعاة إيمان وتجدد ورجاء. هم أهل الجية والجوار، تقاطروا منذ الصباح لتلمس بركتكم، يا من عقدتم العزم، منذ لحظة تبوئكم سدة البطريركية المارونية الإنطاكية، على ملاقاة المؤمنين في بلداتهم للوقوف على أحوالهم".

أضاف: "على هذا الشاطىء الجميل حدثت الآية الكبرى. آية يونان النبي الذي قذفه اليم الى اليابسة بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال قضاها في بطن الحوت، الآية التي رسمت زمن البشارة الآتي.. وقد أتى. وعلى هذا الشاطىء قامت إحدى أكبر أسقفيات الساحل الفينيقي، عنيت أسقفية بورفيريون، مدينة الأرجوان، حيث لا تزال ترقد آثار إحدى اولى كنائس لبنان التي بنيت في القرن السادس للميلاد".

وتابع: "فوق هذه الأرض، يقوم مجتمع نموذجي، تشكل منذ زمن الإمارة، من نفر من الفلاحين المسلمين والمزارعين المسيحيين، ارتسمت على غراره صورة لبنان، لبنان الرسالة، وقد ظل هذا المجتمع متماسكا رغم كل احداث التهجير والنكبات التي منيت بها البلدة بين العامين 1975 و1985".
وأكد انه "رغم قساوة التهجير والهجرة التي ذهبت بهم الى أقاصي المعمورة، فقد عاد أهالي الجية المسيحيون الى أرضهم، منذ دخولنا مرحلة السلم الأهلي، في بداية تسعينات القرن الماضي، فاستردوا إرث الآباء والأجداد وأعادوا بناء الديار، كما تشاهدون. ومعها دور العبادة، من كنيسة مار جرجس الى كنيسة سيدة النجمة، ناهيك بما قامت به رهبانيتنا، لجهة إعادة ترميم دير ومدرسة مار شربل وتوسيع نطاقهما.الأرض والسماء حقيقتان متلازمتان في حياة أبناء الجية، فإيمانهم العميق بالسماء ينعكس في يومياتهم تعلقا بالأرض والإنسان".
وقال: "انهم قوم، كان منهم عدد كبير من الرهبان والراهبات، الذين حملوا ويحملون الرسالة المسيحية في ربوع الوطن وفي المغتربات، حيث انتشر انسباؤهم في اوستراليا والأميركيتين وأوروبا وتألقوا في شتى الميادين. اذ نذكرهم في هذه المناسبة التاريخية، لا يسعنما الا ان نخص، من بينهم، ذلك الوجه الرهباني المشرق الطيب الذكر، الآباتي بطرس القزي".
وتابع: "نجدد ترحيبنا بكم في رحاب رعية سيدة النجمة – الجية، الكنيسة التي أعاد الأهالي بناءها مرتين، والتي شهدت عبور مؤرخين ومستشرقين كثر، نذكر منهم الأسقف النمساوي ميسلين عام 1848، الذي تأثر بإيمان وطيبة وثبات أهالي الجية، الذين التقاهم وهو في طريقه الى الأراضي المقدسة، كان ذلك بعيد الأحداث المؤلمة التي عصفت بالجبل عام 1845. وفي زماننا الراهن، نذكر من اولئك الشهود المدبر البطريركي المطران ابراهيم الحلو الذي أقام الصلاة، في زمن الشدة، في الكنيسة المنكوبة عام 1976، وألقى عظة أمام من بقي من جيل الأحقاد. لا تزال تتردد اصداؤها في أرجاء المكان، لتبقى المحبة أصلا في بنائنا الإجتماعي".
وختم شاكرا للبطريرك الراعي على هذه "الزيارة الأبوية التي زرعت الأمل في العيون والفرح في القلوب"، وقدم له "باسم الجمع المحتشد في ساحة سيدة النجمة اليوم، وباسم أبناء رعيتها، مقيمين ومغتربين، هدية متواضعة من هذه الأرض المعطاء، التي ستزداد نصارة واخضرارا ببركتكم، الأيقونة المفقودة وهي نسخة عن أيقونة سيدة النجمة، تلك التي أهداها الأمير بشير الى أول كنيسة شيدت في الجية وحملت اسم سيدة النجاة آنذاك، على ما جاء في كتاب الأب اليسوعي ج.غودارد، وقطعة من "الأرث المبعثر" عبارة قطعة من فسيفساء كنيسة بورفيريون، التي قدمت ذات يوم الأميرة حسن جهان هدية منها الى نابوليون، وهي محفوظة في متحف اللوفر في باريس".

الراعي

ثم تحدث البطريرك الراعي فقال:"انه ليوم جميل وكبير، أي أن نبدأ في اليوم الثالث لزيارة ابرشية، عند بابها ومدخلها المميز والجدير، يعني أن نبدأها في الجية واقليم الخروب، فهذا لقاء جميل يجمعنا في هذه المدينة والمنطقة، ويسعدني أن أحيي راعي الأبرشية المطران الياس نصار، فأشكره من كل قلبي على تنظيم هذه الزيارة الراعوية، وعلى محبته لنا حيث أراد في اليوم الثالث أن يبدأ معكم، في هذه المنطقة الشديدة، والتي لا ينسى أحدا منا ما عاشته من ويلات الحرب.، فكنا نسمع كل يوم وسائل الإعلام تتحدث عن إقليم الخروب الجريح، والجية الجريحة، ولكن ربنا كبير، فالذي مات على الصليب وقام، نشكر الله أن المدينة والإقليم يقومان من جديد، ويزدهران وبقيا رغم كل الجراح".

اضاف: "يسعدني أن أحيي المطارنة، المطران طانيوس الخوري راعي الأبرشية السابق، الذي عاش معكم ومع مثلث الرحمة المطران ابراهيم الحلو، كل المآسي التي عشتموها ورافقكم بها، وشارككم في مآسيكم، كذلك أشكر مطران صور القادم من بعيد، وتحية كبيرة لقدس الآباتي طنوس نعمة، ومجلس المدبرين والآباء، ورئيس الدير والثانوية، والأهالي، وشكرا على كلمتك وعلى هذه الصفحة التاريخية الكبيرة والتي تعيدنا الى جذورنا العميقة وتقول لنا لا تخافوا طالما الأساسات في الجية عميقة، فالصرح علا ويعلو، ناطحات سحب بشر وحجر".

وتابع: "أنا سعيد في أن أحيي رئيس المجلس البلدي والمختار ورؤساء بلديات اقليم الخروب رئيس الإتحاد والاهالي، فأنتم تمثلون الجميع، كذلك نشكر معالي الوزير ترو وأشكر زيارتك للديمان وتحمل مسؤولياتك الكبيرة، وأشكر النائب محمد الحجار، فكلكم أحبة في القلب، ولكم تقدير كبير في لبنان من كل الجهات، كذلك نشكر القائمقام والمدير العام لوزارة المهجرين احمد محمود، وتحية كبيرة وخاصة لكل من لم نذكره وكل تقديري الكبير للمسؤولين السياسيين والاداريين لامور عدة:

اولا: لشخصكم الكريم ولعملكم وحضوركم ولتعاونكم وللعيش الحلو معا في هذه المنطقة التي تتعالى على كل الجراح، وثانيا وجودكم معنا في هذه الفسيفساء اللبنانية، هذه العائلة اللبنانية الواحدة المتنوعة الاسلامية – المسيحية هي بالنسبة لنا حضور له الكثير من الابعاد وله قوة كبيرة ويعطينا الدفع لنواصل رسالتنا في لبنان، الرسالة الجميلة التي وان عشنا كل واحد من جهته وفي ذاته نحو الاخر، فهذه الامور تحصل في حياتنا ليس حتى نسقط في الامتحان، بل حتى ننجح، يعني ان نعود ونسترجع القوى، ونتحدى الزمن وكل الواقع الذي نعيشه، أكان في منطقتنا المشرقية او على مستوى العالم، فهذا التحدي الكبير المعروف كيف يلتقي الناس، هذا التحدي الكبير عولمة، والناس بعيدة عن بعضها، عولمة وحروب ثقافية ودينية، هذا لبنان. واليوم اشكر حضوركم معنا، وهذا يذكرنا اننا يجب ان نعرف ان نتعالى دائما على كل الجراح، ونتجاوز وننجح في الامتحان عندما نجرح وندفع الثمن كلنا جميعا فيجب ان نأخذ العبرة في ان ننطلق اكثر واكثر الى الامام، فهكذا اقرأ حضوركم معنا اليوم ومعنى رسالتنا وزيارتنا لاقليم الخروب بكل مناطقه في هذه الابرشية".

وتابع:" ابناء الجية الاحبة، انتم بقيتم معنا، واضطررتم للانتشار في اوستراليا واميركا واوروبا. فتحية لكم جميعا، فانتم معنا ويشرفنا الانتشار. انتم لم تغيبوا عن خاطر الكنيسة ولا عن خاطر البطريركية وعن خاطر الرهبانية والمطرانية، كنتم دائما في القلب والفكر والصلاة، ونقول لكم ربنا معكم وسيدة النجمة ترافقكم ومار شربل كذلك أينما كنتم تحت سماء لبنان او في بلاد الانتشار، فأنتم تحملون جرحا كبيرا، ومن الصعب كثيرا ان ينسلخ الانسان عن ارضه حيث تنتزع منه هويته وكرامته وتقليده وكل تاريخه، ونحن نعرف كلبنانيين مسلمين ومسيحيين وعلى مختلف مذاهبنا وطوائفنا، نحن كتبنا تاريخنا على الارض اللبنانية ، لذلك يختلفون على كتابة التاريخ لان كل واحد عنده "شقفة" من كتابة هذا التاريخ، فالمسلم كتب تاريخه على الارض اللبنانية، والمسيحي والماروني كذلك، فمن الصعب ان "يشقف" التاريخ، ولذلك نحن غير قادرين على كتابة تاريخ واحد موحد، وهذا ليس لانهم لا يريدون كذلك، بل لان كل واحد كتب "شقفة" من هذا التاريخ، والذي نسميه تاريخ الفسيفساء اللبنانية".

وقال البطريرك الراعي: "ان الذي كتب في تاريخ الجية وتاريخ عائلات الجية، انه بدل الهدم والقتل والخراب والدمار، ترفعون بيتا كبيرا لربنا على يد العذراء لتقولوا انكم صامدون بالايمان وبمحبتنا لارض الجية وبايماننا في عيشنا معا. وانني اوجه نداء من الجية لجميع اللبنانيين، نداء للمسلمين والمسيحيين، فليحافظوا على ارضهم، فليحافظ كل واحد على ارضه وليتجنب بيعها حتى من الواحد الى الاخر لان الارض كيفما كسبناها بالشراء او بالتعب هي ارض الوراثة وهي عطية من الله، ولا تستطيع لهذه الارض العطية من الله حتى نعيش عليها بكرامة وتكون مصدر حياتنا، ونكتب عليها تاريخنا، فالله بذاته لا يريد ان تباع، لانها اهانة له، فما علينا سوى التعاون والتكاتف انمائيا وغير ذلك، في ان يستثمر كل مواطن ارضه ويعيش فيها بكرامة، فبيع الارض ليس استثمارا، مهما كان المال، وانني اخاطب جميع اللبنانيين في الجية، لنحافظ على هذا الارث العظيم حتى يبقى من جيل الى جيل لان التاريخ لن ينتهي معنا. وهنا اعبر عن اسفي للمالكين الكبار الذين هم ليسوا بحاجة للمال ويبيعون هذه الارض التي هي عطية من الله، فهذا عمل مشين مهما كان المال كبيرا".
وأكد ان "لبنان الصغير لديه رسالة، رسالة العيش معا رسالة التعددية والوحدة، رسالة يحملها للشرق وللغرب، كما قال البابا يوحنا بولس الثاني، هذا اللبنان الصغير حاملا تاريخا مجيدا من البطولات، فلا يمكن لجماعة اليوم ان توقف التاريخ وتعمل له مجرى آخر، فعندها يضيع الماضي والحاضر ونضيع في المستقبل، هذه قيمة الارض، الارض هي ان تكون موجودة حتى تكون حاضرا وفاعلا، حافظوا على ارضكم ولو كانت شبرا، حتى يبقى عندكم وجود وكرامة وجذور ورسالة فاعلة في لبنان وفي الشرق وفي العالم كله".

اقليم الخروب

بعدها، أكمل البطريرك الراعي جولته باتجاه منطقة اقليم الخروب الجنوبية حيث كانت له محطة في بلدة علمان، فاستقبله الاهالي بنثر الارز والورود والزغاريد فترجل من موكبه وصافح وبارك الحشود.

ثم انتقل الى بلدة جون التي استقبلته ايضا على وقع الزغاريد والاناشيد ودق الطبول في وسط الطريق التي احتشد فيها الاهالي والمجلس البلدية والمخاتير والكهنة والمشايخ.

وتابع طريقه فزار بلدات بكيفا ومزمورة ومزرعة الضهر والمطلة والجليلة.
وينهي البطريرك جولته بزيارة دير المخلص – جون حيث تقام له مأدبة غداء تكريمية. 

السابق
وليامس: الحوار ضروري بين اللبنانيين بسبب المشاكل في البلاد
التالي
ترو: لتخطي المرحلة الصعبة باقل الخسائر