لماذا التظاهر في “الجدَيدة” و”رويساتها”؟

 لم يعثر كثير من السياسيّين في الموالاة والمعارضة على أيّ تبرير لتظاهرة التضامن مع القيادة السوريّة التي انطلقت أمس الأوّل الخميس في شوارع منطقة الجديدة ورويسات الجديدة في ساحل المتن الشمالي، بل وجدوا فيها شيئا من الاستفزاز لسكّان هذه المنطقة، وإظهارهم وكأنّهم يناصبون العداء للنظام السوري ويشاركون في حركة الاحتجاج ضدّه.

هي حركة في غير مكانها، إذ ليس في "الجديدة" و"رويساتها" سفارات أو مراكز دبلوماسية لدول تتّهمها دمشق بالمشاركة في التحريض ضدّها والتآمر عليها. ربّما يكون بين سكّان المنطقة بعض رعايا سوريّين لهم أعمالهم ومصالحهم، ولكنّهم ليسوا ضدّ النظام السوري، ولم ينظّموا يوما تظاهرة أو حركة احتجاج عليه. لكنّ تظاهرة أمس الأوّل الوافدة إلى المنطقة كادت أن تتسبّب بإشكالات ميدانيّة لولا مسارعة القوى الأمنية مدعومة باتّصالات سياسيّة على مستويات عليا إلى الإبقاء على الطابع غير التصادمي لهذه التظاهرة.

ويقول نوّاب، بعضهم قريب من دمشق، إنّهم فوجِئوا بتنظيم التظاهرة في الجديدة ورويسات الجديدة، واعتبروا أنّ مَن دعا إليها لا يملك عقلا مستقيما، "فالناس، بعواطفهم وعقولهم متضامنون مع سوريا في مواجهة ما تتعرّض له من أزمة، ويرغبون بقوّة في أن تبقى متماسكة ومحافظة على استقرارها بقيادة الرئيس بشّار الأسد، إنّما الوقوف إلى جانب سوريا في أزمتها الراهنة لا يكون بتظاهرة تأييد لها في منطقة الجديدة، لأنّها خطوة غير مبرّرة تماما كالتظاهرات المناهضة للنظام السوري التي تحصل في طرابلس وغيرها تحت عنوان "التضامن مع الشعب السوري".

ويضيف نائب أكثري: "إنّ الوقوف الى جانب سوريا وقيادتها التي حافظت طوال السنين الماضية على ثوابتها لا يكون بالإقدام على مواقف وخطوات ارتجالية لا تحقق أيّ نتائج إيجابية، بل تكون لها تردّدات سلبيّة على العلاقة اللبنانية – السوريّة المميّزة، وكذلك على سعي سوريا للخروج من أزمتها في أسرع وقت".

ويقول نائب أكثريّ آخر إنّه "قد يكون لبعض القيادات السياسية المسيحيّة موقف من النظام السوري، ولكن هذا الموقف لا يمكن تعميمه على الشارع المسيحي الذي يعيش حال قلق كبيرة على الوضع السوري عموما وعلى وضع المسيحيين في سوريا وفي الشرق كلّه، خصوصا أنّه لم ينطلق أيّ فريق سياسي مسيحي بتظاهرة تناهض دمشق منذ بداية الأزمة السورية في منتصف آذار الماضي وحتى اليوم. ولذا فإنّ التضامن مع سوريا يكون بالوقوف إلى جانبها والمساهمة في وضع آليّة لمواجهة المؤامرة التي تتعرّض لها، والتي لن تقف عند حدودها فقط، وإنّما ستطاول العرب جميعا، لأنّ استهدافها كدولة تلتزم خيارات قوميّة كبيرة، هو استهداف لكلّ العرب، بغية إخضاعهم لكلّ المشاريع الأجنبية التي لا تتوخّى إلّا مصالح الدول التي تديرها".

وفي السياق نفسه ينقل زوّار رئيس مجلس النواب نبيه برّي استياءه من التظاهرة في "الجديدة"، حيث اعتبرها "خطوة في غير محلّها". وقال: "علينا جميعا الاعتناء بكلّ تعبير ومفردة، وكلّ خطوة نقدِم عليها لكي لا نكون مساهمين سلبا في ما تتعرّض له سوريا، وعلينا التفتيش عن الأسلوب والآليات التي تساعد في معالجة الأزمة السورية لأنها قد تكون لها انعكاساتها علينا وعلى المنطقة كلّها".

وأضاف: "علينا أن نكون متيقّظين في هذه المرحلة، وأن نفعّل خطواتنا الحوارية ونفتح أبواب الحوار لمواجهة أيّ تطوّر، لأنّ لبنان لا يعيش منعزلا عن محيطه، فهو يتأثر عادة بكلّ ما يجري حوله سلبا أو إيجابا". ورأى "أنّ على البعض ألّا ينتظر أيّ تطوّر سلبي يتّصل بسوريا ليبني عليه مواقفه وسياسته، لأنّ لبنان هو أوّل المتأثرين سلبا أو إيجابا بأيّ تطوّر على أيّ مستوى كان في سوريا والمنطقة، وعلينا الانتباه لِما يحصل حولنا، وعدم الإقدام على خطوات غير محسوبة النتائج، فما حصل في الجديدة هو عمل طفولي وولّادي، وأشاع أجواء غير جيّدة لمسناها من خلال متابعتنا المباشرة لِما جرى".

وقيل إن تظاهرة الجديدة تسبّبت ببعض الإشكالات السياسيّة بين بعض أطراف الأكثرية، وقيل أيضا إنّ البعض بادر الى مراجعة مسؤولين سوريّين بها من زاوية لفت النظر الى أنّ هذه التظاهرة أساءت الى دمشق، ولم تخدم الهدف الذي أُريد منها، بل إنّها ولّدت مناخا في الشارع المسيحي لا يخدم سوريا. 

السابق
الشيطان هو الممول لنا جميعا!
التالي
غصن: لا تداخل بين دور المقاومة والجيش