“الجنرال سليمان”

إذا حاولنا وضع لائحة بإنجازات الرئيس ميشال سليمان في أعوامه الثلاثة المنصرمة في قصر بعبدا، سنحصل على ورقة بيضاء. وعادة ما يبرر الرؤساء والزعماء القمعَ الذي يمارسون بخوارق حققوها وما كان لينعم رعاياهم بهنأة العيش من دونها.

ولم يشهد لبنان منذ تاريخ انتخاب العماد سليمان سوى تراكم في المشكلات الموجودة من قبل بدء عهده، فلم تتحقق أي خطوة في مجال المصالحة الوطنية، او في إعادة صوغ علاقات اللبنانيين بعضهم ببعض، رغم أن باب هذه المعالجة فُتح في «اتفاق الدوحة» ولأمكن تطويره وتوسيعه لو سعى الساعون، ولم تكن الانتخابات النيابية في 2009 غير حشد لكل النواقص التي يمكن ان تجتمع في اقتراع عام، من القانون الانتخابي الى رشوة الناخبين وبعث الكراهية الطائفية وصولاً الى الانقلاب على النتائج التي صبت لمصلحة فريق ونجح الفريق المقابل في إفراغها من مضمونها من خلال «الثلث المعطل». يضاف كل ذلك إلى حال الاستعصاء السياسي العام حول مسائل سلاح المقاومة والمحكمة الدولية والنفوذ الخارجي في لبنان.

أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فالشهادات تفيض عن الحاجة في وصف الفساد العام وتدهور معدلات النمو وتكريس نمط اقتصادي غير منتج يظل رهينة أصغر التبدلات في المحيط ليصاب بالشلل. لا خطة اقتصادية من أي نوع وضعت في عهد الرئيس سليمان ورأت النور، ولا علاج لمشكلة من أي مضمار شهدت تقدماً، سواء من جبل النفايات في صيدا إلى اوضاع الاستشفاء والضمان الاجتماعي، بل ملامسة إمدادات الكهرباء والماء الانهيارَ الكامل، فيما يتفاقم سوء الاتصالات. وهذا من دون الحديث عن أزمات السير اليومية، وعن اختفاء سياح أجانب ومواطنين عرب ولبنانيين لأشهر طويلة، فيظهر الأولون من دون ان تكون للأجهزة الرسمية دراية بالإفراج عنهم، ويظل مصير الأخيرين طي الكتمان.

مناسبة هذا العرض الموجز، والمأسوي، هو ما يشهده بلدنا من تفاقم لظواهر القمع والملاحقات لأصحاب الرأي، فاستدعاء الناشط الحقوقي سعد الدين شاتيلا بسبب تقريره عن حالات التعذيب في سجون تابعة للاستخبارات العسكرية، جاء قبل 24 ساعة فقط من احتجاز الفنان زيد حمدان على خلفية تأليفه أغنية «الجنرال سليمان»، التي يمكن لمشاهدها على موقع «يوتيوب» أن يرى «جماليات» عاصمتنا. أما كلماتها، فشديدة العمومية ويمكن سماعها اثناء الانتقال بسيارة أجرة في شوارع بيروت: لا نريد الفساد، لا نريد السياسيين المنفذين لإرادات خارجية…

ويتضافر القمع «الخاص» مع نظيره «العام»، حيث يتولى «شبيحة» التنظيمات والتيارات المختلفة فرض اراداتهم وما تمليه أمزجتهم المعكرة، وما ظهر في بلدة لاسا وفي تلك الصيدلية الصيداوية لا يشكل غير رأس جبل الجليد من انفلات أمني يعيشه اللبنانيون من رأس الناقورة الى النهر الكبير الجنوبي.

وتقترب من الصبيانية مطالبة سليمان بتحسين سجل إنجازاته قبل الإيعاز الى الاجهزة الامنية والقضائية بملاحقة الحقوقيين والفنانين، فالجميع يعلم حجم الصعوبات التي تواجه أي مسؤول سياسي يريد إدخال ولو قدر يسير من الاصلاحات والتحسينات على بنية فاسدة من أعلى هرمها إلى آخر حجر في قاعدتها. بيد أن الحقيقة هذه لا تلغي أن رئاسة الجمهورية تتحمل، بحكم الصلاحيات التي تختص بها والرموز التي تمثلها، مسؤولية جسيمة عن انتظام الحياة العامة، بوجوهها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان.

ورغم كل ما تقدم، لن نفاجأ اذا اراد الجنرال سليمان بعد سنوات قليلة تعديل الدستور ليمدد عهده الميمون لمرة واحدة واستثنائية…

السابق
لبنان المستباح من الداخل والخارج
التالي
أحزاب البقاع: المقاومة مصدر قوة لبنان