لبنان المستباح من الداخل والخارج

تعددت القراءات والرسالة واحدة: مسلسل الاعتداءات الارهابية على قوات اليونيفيل في حلقته الأخيرة التي جاءت فرنسية. قراءات القوى والشخصيات والمصادر المجهولة في الداخل توزعت في اتجاهات متعددة، بحيث رأى كل طرف ما يتصوره ومن يريد أن يراه وراء سلك التفجير على طريق صيدا. وقراءات الدول والقوى المعنية في الخارج بقيت في الاطار العام من دون أن تضع النقاط على الحروف. والسبب هو الشعور بالمسؤولية، على عكس ما نفعله نحن. إذ لكل قراءة عند الدول ترجمة عملية في النهاية، سواء في الرد أو في البحث عن ضمانات أو في اعادة التفكير في مهمة القوات الدولية أو في مراجعة المشاركة لجهة الحجم أو حتى المبدأ.

لكن القاسم المشترك بين القراءات هو درس مكتوب على الجدار بالنسبة الينا: لبنان مستباح من الداخل والخارج. فليس قليلاً في الداخل عدد المجموعات القادرة على استباحة الأمن لخدمة أجندة خاصة بها أو أجندة خارجية. وليس جديداً ولا غريباً، ما دمنا عاجزين عن التمرد على دور الساحة، أن تمارس القوى الخارجية صراعاتها هنا بكل حرية من دون أن تدفع أي ثمن. لا بل أن تفعل على أرضنا ما تمتنع عنه خارجها، لأن اللعب على هذه الساحة يتيح الجمع في الرسائل بين كونها في وقت واحد غامضة وقابلة للاجتهاد وكونها تحمل توقيعاً لا مجال للخطأ فيه.

ولا أحد يجهل أن المهام متكاملة بين لبنان والأمم المتحدة. فمن مهام القوات الدولية مساعدة الجيش على بسط السلطة وحماية أمن لبنان. ومن مهام السلطة والأجهزة الأمنية حماية أمن القوات الدولية. لكن القوات الدولية تعجز عن منع الخروق الاسرائيلية للقرار ١٧٠١. والسلطة تعجز أحياناً عن ضمان الأمن لليونيفيل، سواء كان الاعتداء بالتفجير أو برمي الحجارة لأن من الصعب توقع كل شيء وضمان الأمن من أية مفاجآت حتى في أقوى البلدان والأنظمة.

لكن الوقت حان بالنسبة الينا والى الأمم المتحدة للخروج من الستاتيكو القابل للانفجار الإقليمي الواسع أو للتفجير المحدود الى المرحلة الثانية الثابتة من تطبيق القرار ١٧٠١. فالسؤال أمام الأمم المتحدة هو: هل تريد إكمال المهمة أم التملص منها بإبقاء اليونيفيل قليلة الفاعلية أو حتى بسحبها؟ والسؤال أمامنا هو: هل نريد بقاء القوات الدولية التي طلبناها عند الحشرة ودفعها الى إكمال المهمة أم نريد إخراجها لحسابات جديدة؟
المفارقة أن ما يبدو سهلاً ومريحاً هو ما يحمل المخاطر: سياسة الاستلشاق والازدواجية بين أن نكون مع القوات الدولية وضدها، مع المحكمة الدولية وضدها، وبالتالي مع لبنان وضده.

السابق
الوقت الضائع والبلد السائب…
التالي
“الجنرال سليمان”