فصل الصيف يتحول إلى باب رزق لشبابنا يخوضون تجربة العمل لإثبات الذات وكسب الإستقلالية

 سمار الترك موسم الصيف هو بالنسبة للعديد من الشباب والصبايا بمثابة بوابة الإنقاذ، لما يسهله لهم من متنفس للرزق وإثبات للذات، كونه يفسح المجال لمعظم طلاب المدارس والجامعات من خوض سوق العمل والتعرف للحياة العملية بشكل دقيق وملموس من خلال العمل بشكل مباشر وإن لمدة موسمية·
وهذه التجربة المتعارف عليها منذ زمن في بلاد الغرب بدأت تلقى تجاوبا كبيرا لدى الشباب اللبناني الذي بات يخوضها بحماس، وربما السبب يعود في ذلك إلى الظروف الإجتماعية والإقتصادية الصعبة، علما أن البعض منهم يخوض هذه التجربة ليتمتع بشعور الإستقلالية، ولا سيما أنهم ليسوا جميعا ممن هم ذات الدخل المحدود أو المتوسط·

هم طلاب يغتنمون فصل الصيف للحصول على راتب معين لإدخاره وتسديد القسط الجامعي خلال الموسم الدراسي، ومنهم من يدخره في حساب مصرفي خاص لشراء سيارة بمجرد التخرج، ومنهم أيضا من يعمل لمساعدة الأهل وتخفيف الأعباء الإقتصادية ومنهم من يعمل ليتمتع بالعطلة الصيفية ليصرف ما في الجيب ليأتيه ما في الغيب ·

الشباب وسوق العمل؟ لمعرفة كيف يفكر هؤلاء الشباب وكيف يقيمون واقع العمل بعد التجربة، التقت <اللواء> عددا منهم خلال جولة قامت بها، فكانت اللقاءات التالية :

كسب المال بعرق الجبين سوسن فرحات تعمل كنادلة في إحدى المطاعم وهي تدرس العلوم الإجتماعية (سنة ثانية)، تقول: <بدأت العمل في موسم الصيف ما أن أنهيت المرحلة الثانوية، وذلك كي ألمس الشعور بالإستقلالية وإحساس أن تكسبي مالك بعرق جبينك دون الإتكال على الأهل· وصدقيني أن هذه التجربة أضافت لي الكثير لأنها علمتني أهمية العمل وبالتالي قيمة المال، فأنا اليوم أخرج مع الرفاق وأشتري ما يلزمني ولكن بحساب ،بينما قبل أن أعمل كنت أصرف دون سؤال لأن المصروف كان يأتي بسهولة عن طريق الأهل·

ونظرا لأهمية ما شعرت به خلال تجربتي هذه، أصبحت أعمل أحيانا في فصل الشتاء في نفس المطعم بدوام جزئي خصوصا وأن إختصاص العلوم الإجتماعية لا يتطلب الحضور الدائم في الجامعة، فهناك محاضرات باستطاعتي أن آخذها من أصدقائي في الجامعة>·

شاب بكل معنى الكلمة يوسف بو علي شاب لم ينته بعد من دراسة المرحلة الثانوية إلا أنه في كل موسم إصطياف يهرع لخوض تجربة عمل جديدة، يقول: <العام الفائت عملت لدى مزين للرجال وكنت أقبض فوق راتبي راتب آخر من الزبائن الذين كانوا يقدمون لي الإكراميات بسخاء ربما لأنني صغير السن ولم أنته بعد من المرحلة المدرسية· أما هذه السنة فأنا اعمل <فاليه باركينغ> لإحدى المطاعم وأنا سعيد بعملي أكثر لأنه يتيح لي ممارسة هوايتي المفضلة ألا وهي قيادة السيارات، وصدقيني كل سيارة أقودها أحلى من الثانية طبعا، الأهل يعارضون أن أعمل، ولا سيما أنني شاب وحيد والحمد ل الله أن أحوالنا المادية جيدة لكنني كل عام أقيم الدنيا وأقعدها كي أعمل، وهكذا في أيام العطلة أشتري ما أريده ولا سيما الثياب والعطور· وهنا لا بد أن ألفت نظرك أن الإكراميات في هذا المجال أيضا لا تشكو من شيء ·كذلك أنا سعيد بهذا العمل لأنه يخولني أن أقدم لأهلي ولو جزءا بسيطا مما يقدمونه لي فأحيانا أشتري هدية للوالدة أو أدعو أختي للخروج، كما أنني أحيانا أدخل بقالب من الحلوى إلى المنزل· باختصار ،هذه التجربة أتاحت لي الفرصة أن لا أشعر بأنني شاب مدلل كما هو حال العديد من الشبان الذين يكونون وحيدين لدى أهلهم، فالعمل سمح لي أن أكون شابا بكل ما للكلمة من معنى>·

إتكال على الذات منى نعيم تدرس الصيدلة وهي تعمل في إحدى محال الثياب في وسط العاصمة بيروت، تقول: <عندما اخترت أن أعمل لم يكن لدي أي خيار، فأنا مضطرة للعمل لـتأمين القسط الجامعي لأن الأهل لا يستطيعون التكفل بكامل القسط· لذلك اعتدت أن أعمل طوال موسم الصيف دون أن أتمتع به كسائر أصدقائي الذين يقضون أيامهم على البحر وفي الجبال، ومع ذلك أنا لست منزعجة لأنني عندما أنتهي من دراستي وأعمل سيكون أمامي المستقبل كله لأعيشه بالطول والعرض· وانا من خلال تجربتي أشجع كل صبية على العمل لما يؤمنه من قوة شخصية وإتكال على الذات، ففي هذه الدنيا علينا أن نتكل على أنفسنا لنعيش ونكون أقوياء ونستمر>·

مشاركة الأهل المصاريف جورج اللقيس يدرس الطب وهو في كل موسم صيف يعمل في إحدى مكاتب تأجير السيارات التي اعتاد عليها واعتادت عليه، يقول: <منذ أن دخلت كلية الطب وأنا أعمل في الصيف لأشارك الأهل المصاريف الجامعية، ولا سيما أننا كلنا نعلم الكلفة المادية العالية التي تترتب على دراسة هكذا إختصاص· وبما أن مجال العمل هذا نلتقي خلاله بأنماط وجنسيات مختلفة من الناس من الضروري على من يعمل فيه أن يكون يتقن اللغات· لذلك فإن مكتب تأجير السيارات الذي أعمل به متمسك بي تماما نظرا لأنني الشاب الوحيد الذي يتكلم لغة مما يسهل لهم عملهم ودائما عندما يكون هناك وفد أجنبي أو شخصية رفيعة المستوى يطلبون مني مرافقته· وبالتأكيد أنا أفرح بذلك لأنني أتنزه وأتقاضى عدا عن الراتب إكرامية <حرزانة>، وفي هذا المجال أذكر أنني في إحدى المرات قبضت كإكرامية من أحد المصطافين العرب مبلغ 2000 دولارا قبل سفره لمجرد علمه أنني أدرس الطب و أعمل في الصيف لدفع قسط الجامعة>·

القرش الأبيض لليوم الأسود منال رضوان تدرس علم النفس لكنها كغيرها من الشباب والصبايا تعمل أيضا في فصل الصيف في إحدى المقاهي لكسب ما يمكنها وإدخاره للموسم الدراسي، تقول: <بالرغم من أنني أتعب خلال الموسم الدراسي إلا أنني أفضل العمل في موسم الصيف لأنني بطبعي أكره الروتين وكثرة النزهات والزيارات وأفضل أن أقوم بما هو أهم، وبالتالي ما يكسبني خبرة ويعود عليّ بالدعم المادي مما يخفف عني العبء أثناء العام الدراسي ويمكنني من دفع القسط الجامعي بارتياح· كذلك فإن تجربة العمل تخولني لقاء العديد من الأنماط الإنسانية الأمر الذي يفيدني في مجال تخصصي كوني أدرس علم النفس ·فيما مضى كنا نستغرب كيف أن الشباب في الغرب يعملون لدفع أقساطهم الجامعية لكن اليوم المسألة باتت عندنا أيضا طبيعية ومقولة أن العمل في المقاهي أو المحال التجارية معيب اختفت لغير رجعة خصوصا وأننا نعيش في زمن صعب ومتطلبات أقل ما يقال فيها أنها ضاغطة لذلك أنا أشجع كل الشباب لخوض التجربة وإدخار ما يمكن إدخاره لأن <القرش الأبيض لا بد وأن ينفع في اليوم الأسود>· 

السابق
تخريج طلاب مدرسة الحاج بهاء الحريري في صيدا
التالي
بئراً للمياه في “مخيّم الميّة وميّة”