إطلالة الحريري: جميلة أنت.. لو لم تتكلمي

أطل سعد الحريري من وراء البحار يوم الثلاثاء الماضي، فهل ارتقت تلك الاطلالة الى مستوى ما كان جمهوره والحلفاء ينتظرونه؟

بدا جليا ان الصوت العالي الذي رفعه الحريري ضد نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي و«حزب الله» ودمشق لم يتجاوز السقف السياسي الذي رفعه اجتماع البريستول ولا مداخلات المستقبليين وحلفائهم في جلسة الثقة الثلاثية، وبدا واضحا أن الحريري يحاول أن يبرر غيابه الذي لا اسباب أمنية وراءه، لذلك راح يردد مخاطبا انصاره في تيار المستقبل وحلفاءه في «14 آذار»:«انا معكم.. انا بينكم.. لن اترككم.. اتابع كل شاردة وواردة.. تفاءلوا.. لن اتخلى عن اي منكم».

على ان ربط الحريري اغترابه بـ«ترك الساحة للاخوان كي يشكلوا الحكومة»، كما قال، ليس حجة مقنعة تجيب عن اسئلة حلفائه ولا تبدد هواجسهم، خاصة انه ترك افق اغترابه مفتوحا الى حين يرى هو أن الوقت صار مناسبا لعودته، وتلك واحدة من «سقطات» عدة يمكن رصدها على الشكل الآتي:

الاولى، أوحى الحريري انه استوعب الضربة السياسية التي تلقاها وانه خرج من مفاعيل اقالته من رئاسة الحكومة، وانتهى الى السليم بقواعد اللعبة في لبنان، وبأن مسيرة الحكومة الميقاتية قد بدأت وانه سيواجهها بالوسائل السياسية والديموقراطية من دون شغب او صخب او تكسير وصولا الى اسقاطها قبل العام 2013!

الثانية، كل مقاربات تيار المستقبل و14 اذار تقوم على اسقاط الحكومة، الا ان الحريري في معرض تبرير غيابه، قال انه غادر كي لا يتهم بالتعطيل، ولافساح المجال امام الاخوان كي يشكلوا الحكومة!

الثالثة، ضخّم نواب المستقبل و14 آذار وإعلامهم البعد الأمني لغياب الحريري، غير أن الأخير نفى وجود خطر امني.
الرابعة، اكد الحريري قطيعته مع «حزب الله» وامينه العام السيد حسن نصر الله، ثم أبدى الاستعداد للقاء السيد متوقفا عند الشرط الشكلي بوجود شهود.

الخامسة، أن إشهار التحدي بأن 300 مؤتمر صحــافي للسيد حسن نصر الله لن تقدر على تغيير القرار الاتهامي، يمثل انزلاقا في اتجاه اعتبار القرار المذكور حكما مبرما وإدانة نهائية لمن اشتمل القرار على أسمائهم، مكرسا بذلك كل ما يردده «السيد» بان هناك قرارا أميركيــا إسرائيليــا باستهداف المقاومة وأن من يغير في القرار الاتهامي هو واشنطن وتل أبيب.

السادسة، رد الحريري إسقاطه وتعيين ميقاتي الى قرار شخصي من قبل الرئيس بشار الأسد والسيد نصر الله، متجاهلا حقيقة ان الأسد ونصر الله كانا أكثر التزاما منه بمبادرة «السين سين» التي أطلقها الملك عبد الله من بيروت، وأن الضغط الأميركي عليه وعلى السعوديين اسقط المبادرة، في دليل اضافي على أن الرهانات والخيارات الخاطئة هي التي أخرجته من السرايا لحظة كان يدخل البيت الأبيض.

السابعة، لقد بدا محشورا حينما اقر بصفقة «السلطة في مقابل المحكمة»، وحاول اعتماد سياسة الهروب الى الامام بتظهير مقولة انه كان يعرف نياتهم وانه هو من سعى الى التضحية فيما هم لا يريدون سوى اسقاط «14 آذار»، علما بأن من يعرف «البير وغطاه» وحجم ما قدمه سعد الحريري في مقابل عودته الى رئاسة الحكومة، يحدد بوضوح أي مصير كان ينتظر المحكمة الدولية لو تم ابرام تلك الصفقة.

الثامنة، لم يعرف الهدف من زجّ الحريري نفسه مجددا بالرهان على اسقاط النظام في سوريا، وحسنا أن الزميل وليد عبود لم يسأله لماذا يحصر عواطفه الجياشة بالشعب السوري ولماذا لم يتعاطف مع الشعب المصري، بل كان مكفهر الوجه في الساعات والأيام الأولى للثورة المصرية ولماذا بالغ في الانحياز لصالح النظام البحريني ضد شعبه، وماذا سيكون موقفه اذا تكرر المشهد السوري في أي بلد خليجي؟

التاسعة، ان استهداف ميقاتي كرئيس لمجلس الوزراء، لا يطال نجيب ميقاتي بشخصه فقط ، بل ينال بالاهانة موقع رئاسة الحكومة، فهل كان ذلك متعمدا؟
أجمل تعليق على إطلالة الحريري الباريسية، يستعين بالمثل الفرنسي القائل: «جميلة انتِ.. لو لم تتكلمي».

السابق
اسمعوا منهم وتعجبوا..!؟
التالي
قضية جامعة ··· في زمن التفرقة!