عفوا … نحن نصدّق بيلمار!

لا نعرف لماذا نصدّق دانيال بيلمار ولا نصدق سواه، لا تشبثا ولا عنادا ولا مكابرة. ولا نعرف لماذا نؤمن بأن العدالة في لاهاي أكثر صدقا من العدالة في بيروت، لا تجنّيا ولا ظلما ولا افتراء. ولا نعرف لماذا نراهن على "جلّاد" غريب ولا نراهن على "ديّان" قريب، لا تهربا ولا تملّصا ولا تنكرا…

لا نعرف لماذا نرى في أروقة لاهاي ما لا نراه في ساحات بيروت او في ميادين دمشق او في آماد طهران، ولماذا نرى في ما يخفيه بيلمار ما لا نراه في ما يعرّيه سواه في المجالس والمحاكم وقصور العدل هنا وهناك…

ربما لأننا تعودنا المآتم الكبيرة لا الأحكام الكبيرة، او ربما تعودنا الجروح الكبيرة لا البلاسم الكبيرة، أو ربما تعودنا القصاص الكبير لا العدالة الكبيرة.

نعترف بأننا نخاف أن نصدق الضاحية فنستعيد الشكوك في الضباط الاربعة، ونخاف ان نصدق الرابية فنستعيد حسرة اليتامى والثكالى والأرامل أمام "سرطان" كان في الأمس داء يجب أن يزول، وصار اليوم داء يجب أن يبقى…

قد يقول البعض: هذا منطق العملاء او منطق الجبناء او حتى منطق الأغبياء، لكنه في كل الاحوال منطق الأبرياء الذين لا يصدقون أن القتلة كانوا دائما من غير بلاد ومن غير عشائر، ويصدقون أن بعضهم عربٌ مثلنا ولبنانيون مثلنا قَتَلوا يوم تمكّنوا، وفجّروا يوم كمنوا، وانقلبوا يوم تحكّموا، وخطفوا يوم تفلّتوا، فلا كانوا أكثر رحمة من سواهم ولا أقل قسوة من سواهم، ولا كانوا في الحريات اكثر انفتاحا ولا في الحقوق أكثر سخاء.

لا نعرف لماذا نصدق أن عربا ربما قتلونا هذه المرة، وأن عربا ربما يقعون هذه المرة، ولا نعرف لماذا نصدق أن الأكثرية لن تبحث عن الحقيقة ولن تسعى إليها، وأنها لن تبني ما دمّره سواها، ولن تسّدد ما استدانه سواها، ولن تضيء ما عتّمَه سواها، ولن تحرر ما قيّده سواها… ولا نعرف لماذا نصدق ان الأكثرية لن ترفع الأجور، ولن تُغني الاقتصاد، ولن تلجم السلاح، ولن تلتزم اتفاقا لا يكون اتفاقا مع سوريا أو تفاهما لا يكون تفاهما مع ايران، وأنها لن تزيل المخالفات، ولن تحظّر الممنوعات، ولن تنشّط السياحة، ولن ترسّم الحدود لا برا ولا بحرا، ولن تصون العملات ولن تُسلّح الجيش، ولن تُغلّب حق الدولة على باطل الدويلة.

وايضا لا نعرف لماذا نصدق أن الأكثرية لن تكون أقوى من بنادق الضاحية او أعتى من أحلام الرابية، ولا نصدق أنها ستكون خائفة على شعبها أكثر من خوفها على الأسد أو من الأسد، او خائفة على بلادها اكثر من خوفها على حزب الله أو من حزب الله، وخائفة على طرابلس اكثر من خوفها من حماه وإدلب ودرعا ومعرّة النعمان.

نعم نحن لا نصدق أن ساعديها قويّان الى هذا الحد، وأن قرارها حرٌ الى هذا الحد، وأن رؤاها بعيدة الى هذا الحد. ولا نصدق أنها قادرة على إنقاذ حزب الله وسوريا وايران، وعلى دحر اسرائيل، وتطويع اميركا، ومراعاة الرياض، وشَل المحكمة، وتسيير الامم المتحدة. ولا نصدق انها قادرة على منع الحروب الأهلية أو المذهبية او حروب المصارف والعقوبات والحصارات والأطواق والقضبان…

نحن نصدق، حتى إشعار آخر، أن الأكثرية ليست محكمة نُعوّل عليها، ولا عدالة نفاخر بها، ولا براءة نُسّلم بها، ولا أحكاما نصفق لها…

عفوا… نحن نصدق بيلمار

السابق
توتال للتنقيب عن النفط؟؟
التالي
الحياة: سليمان يقول النسبية تؤمّن التمثيل الشعبي وتحافظ على ميثاق العيش المشترك