الوفاء لرفيق الحريري… ماذا يعني؟

لا مجال للتكهنات، ولا داعي للبحث عن تفاهمات سرية. الموضوع شرح مراراً وتكراراً. كل من يريد ان يعرف كيف ستتصرف حكومة نجيب ميقاتي مع المحكمة الدولية، عليه ان يعود الى الخطب المتلفزة للسيد حسن نصر الله، وليس الى البيان الوزاري. اذ فرضت صيغة ان المحكمة الدولية انشئت "مبدئياً" لاحقاق الحق والعدالة. ما يعني ان الحكومة تبنت عملياً وجهة نظر "حزب الله" المشككة بالمحكمة. ورفضت في هذا السياق تلك الفقاعة الانشائية التي اقترحها ميقاتي للذهاب بالخلاف على المحكمة الى هيئة الحوار الوطني. وهذه، كما بات معروفاً، غدت هيئة تكريس الخلافات، وبالتالي مقبرة للحلول والتوافقات. فالحلول الوحيدة الممكنة هي تلك التي يفرضها الطرف المسلح الذي ولدت الحكومة وستبقى تحت ارادته ورحمته.

في أي حال، يبدو ان الانقلاب السياسي الذي نسف امكان الابقاء على صيغة الحكومات "التوافقية"، ما لبث ان طيّر الحوار وهيئته ايضا. اي انه لم يبق أي اثر من "اتفاق الدوحة". صحيح أنه سهّل انتخاب الرئيس ميشال سليمان كرئيس "توافقي"، الا ان الانقلاب والحكومة الجديدة امعنا في تقليص توافقيته ومفاعيلها. صحيح أيضا انه نص على تعهد الاطراف عدم العودة الى استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية، لكن السلاح حقق ويحقق مكاسب لطرف واحد، استخدم فعلياً أو لم يستخدم. ولا يعني انتهاء، اتفاق الدوحة" سوى ان اصحاب انقلاب 2008 حققوا هدفهم في 2011.
مطلوب من اللبنانيين ان يتجاهلوا كل هذا الصراع على المحكمة ليصدقوا ان "حزب الله" وسوريا وحلفاءهما يرفضونها – فقط – لانها غير مؤهلة لايجاد الحقيقة او لتحقيق العدالة، ما يعني انها مؤهلة – فقط – للتآمر على خط المقاومة والممانعة.

ومطلوب من اللبنانيين ان يعوّلوا منذ الآن – فقط – على قول ميقاتي انه يقوم بما يمليه عليه ضميره واخلاقه ووفاؤه للرئيس رفيق الحريري. لكن يصادف ان المسألة لا تتعلق بشخص ميقاتي. فليست مزاياه وصفاته الحسنة هي التي رشحته للمنصب، ويفترض انه يعرف ذلك، والأهم ان يعرف ان من اختاره اراد تسخير صفاته الشخصية لتغطية وتمرير مواقف لن يكون الضمير فيها هو الحكم، ولا الاخلاق، ولا الوفاء.

وعلى رغم الدم الذي يسفك في سوريا، واستهانة القتلة بأبناء الشعب السوري، وعلى رغم كل ما طرأ في لبنان وسوريا بعد تكليفه، فوّت ميقاتي كل الفرص لـ"صحوة" تردعه عن دخول هذا النفق. فالظروف التي زينت له القيام بدور "انقاذ وطني" تغيرت في لبنان والمنطقة. لكنه ذهب بعيداً حين اقنع نفسه بأنه يستطيع ان يتبنى "التنازلات" التي قبل سعد الحريري بتقديمها. وفي ذلك جملة اخطاء، اولها ان ميقاتي لا يملك هذا الحق، والثاني انها لم تكن تنازلات مقابل لا شيء، والثالث ان المصالحة الوطنية واعادة الاعتبار للدولة وتفعيل دور الحكومة لقاء "التنازلات" رفضت للحريري ولن تمنح لميقاتي مكافأة لصفاته الشخصية.

كلمة اخيرة: الوفاء لرفيق الحريري ورفاقه جميعاً قد يعادل الانضمام الى قافلة الشهداء. وليس ميقاتي من يريد لنفسه مثل هذا المصير.

السابق
الجمهورية: الحريري “يكسر التضليل”: لا مقايضة بين المحكمة والسلاح
التالي
المعارضة السورية نعم ..لا للحوار !!