الرئيس يريد إسقاط النظام!

لا شك في أنها تجربة فريدة، تلك التي يريد الرئيس بشار الأسد أن يقنع السوريين أنه يُقدم عليها. محاولة تغيير النظام من داخل النظام وبناءً على أوامر من رأس النظام نفسه. ذلك أن ما يجري الحديث عنه، إذا كان ما نسمعه هو ما تتّجه النية فعلاً إلى تحقيقه، ليس مجرد «إصلاح» للنظام. فإلغاء تفرّد حزب «البعث» بالسلطة، وفتح الباب أمام انتخابات تعددية، بما فيها إتاحة التنافس على مقعد الرئاسة، وتحرير وسائل الإعلام من سلطة الدولة وحريتها في تقرير المسموح والممنوع، وما يشكل نشره خطراً على «امن الوطن» وما لا يشكل، كل هذا ليس «إصلاحاً» وحسب. انه تغيير، بل انقلاب للنظام على ذاته، بوسائله وتحت إشرافه. أو كما عبّر المعارض لؤي حسين، مشككاً في نوايا النظام: السلطة تريد أن تفرض شكل الحوار الذي تريده هي، كما اعتادت أن تفرض شكل القمع الذي تريده.

لكن، وبعيداً عن الشكوك، هل يمكننا القول إن نظام الرئيس بشار الأسد يمهّد، بالخطوات التي يقول انه ينوي اتخاذها، لولادة سورية جديدة؟

اللقاء التشاوري الذي عقد في الأيام الماضية في مجمع «صحارى» أراد أن يرسل هذه الرسالة، رسالة الاستعداد للتغيير إلى حدود الانقلاب. وبصرف النظر عن نوعية بعض الحضور، الذين اطلق عليهم الزميل طلال سلمان في «السفير» لقب «الكتبة والفريسيين»، فقد كانت هناك إشارات لافتة: صورة الرئيس بشار الأسد لم تظلّل الكرسي الذي كان يجلس عليه نائبه فاروق الشرع. هذه بادرة قد تكون، إذا لم تخنّي الذاكرة، الأولى، ليس في عهد الرئيس السوري الحالي فقط، بل في عهد والده أيضاً. أن يُعقد لقاء سياسي في سورية، من أي نوع، من دون أن يكون تحت صورة الرئيس، ليس أمراً عادياً.

كان لافتاً كذلك أن المتشاورين «تواضعوا»، فقرروا استبدال عبارة «اللقاء التشاوري» بمؤتمر الحوار أو ما شابه، للدلالة إلى انهم يحترمون قرار الغائبين بالغياب، ولا يريدون الاستئثار بالتوصيات. ومن هنا كانت الإشارة في البيان الختامي إلى إبقاء الاتصالات مع مختلف القوى السياسية في الداخل والخارج، للتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الذي سيعقد فور إكمال هذه الاتصالات «وبالسرعة الكلية». كل هذا من دون أن ننسى أن مشاهدي التلفزيون الرسمي السوري، الذي كان ينقل المداخلات، سمعوا للمرة الأولى عبارات من نوع «تفكيك الدولة الأمنية» أو «إلغاء المادة الثامنة» أو «إخراج السجناء الذين بقوا سنوات مديدة في السجون وهم بالآلاف».

«إصلاح» نظام كالنظام الذي أقامه حزب البعث في سورية، منذ عام 1966، بكل مؤسساته ووظائفه الحزبية والأمنية والقضائية والتعليمية، ليس أمراً بسيطاً. انه امتحان، في الوقت ذاته، لجدّية النظام أولاً، وهذا امتحان صعب، بعد مسلسل التجارب والخيبات التي مُنيت بها مطالب المعارضة السورية، وخصوصاً منذ العام ألفين. وهو امتحان، ثانياً، لقدرة النظام على التغيير الموعود، حتى لو أراد وصدقت نواياه، في وجه الأجهزة الأمنية النافذة. وما يبرر هذا الشك، الذي تتداوله جهات سياسية عليا في سورية وخارجها، هو البون الشاسع بين الوعود والالتزامات التي اعلنها الرئيس بشار الأسد في خطبه الثلاث الأخيرة، وما استمر ارتكابه في الوقت ذاته على الأرض، في مختلف المدن السورية، من أعمال قتل واستباحات واعتقالات.

جرّب رجل يدعى ميخائيل غورباتشوف «إصلاح» آلة حزبية كانت تدير الاتحاد السوفياتي، شبيهة إلى حد بعيد بالآلة التي يدير بها حزب «البعث» الدولة السورية. اطلق على تلك العملية «غلازنوست»، التي تعني «الانفتاح». لكن أجهزة الحكم في موسكو لم تكن مهيأة ولا مجهزة لانفتاح كهذا، فانهار الحزب وانهارت معه الدولة بكاملها ومعها توابعها، وصارت جزءاً من التاريخ.

ولا شك في أن الرئيس بشار الأسد يدرك معنى إدخال عبارة «الإصلاح» إلى القاموس السوري، وأكلافها المحتملة. وبقراره اللجوء إلى الجراحة، بعد فشل المسكّنات، قد يكون أدرك، بخبرته الطبية، أنها باتت الخيار الوحيد لإقناع المعارضة بجديته، ولإتاحة المجال أمامه للبقاء على رأس الحكم.

أما الاحتمال الآخر، والأكثر خطراً، وما يتخوف منه قسم كبير من المعارضين المشكّكين في جدية الإصلاحات الموعودة، فهو أن يلعب النظام لعبة الوقت، بانتظار مرور العاصفة الهوجاء الداخلية والخارجية التي تهبّ عليه، ثم تعود حليمة … لكن الرهان على الوقت لن يكون قراراً حكيماً هذه المرة.

السابق
الحياة: وزير لبناني يقول ترسيم الحدود البحرية لن يجرّنا إلى مفاوضات مع اسرائيل
التالي
عضو كتلة المستقبل رياض رحال أكد أن الحريري يعمل لإنقاذ وأنصح ميقاتي بالاستقالة من حكومة يرأسها نصرالله