مثل النّوَرْ ما بسافروا إلاَّ بالشوب!

 يُقال للذي يسافر أو يقوم بعمل آخر في أيام الحر الشديد مع أن باستطاعته أن يقوم بذلك في وقت آخر مريح. وسبب سفر النور أو رحيلهم في الطقس الحار، هو أنهم يقتنون حميراً وخيلاً وبغالاً غالباً ما تكون هزيلة أو هرمة. وهم إما أن يشتروا هذه الحيوانات بثمن بخس أو تكون مهجورة من أصحابها لعدم صلاحها فيلتقطونها ويضمونها إلى رحلهم.
ومعلوم أن النور كانوا يعيشون على ما تشحذه لهم نساؤهم أو تسرقه وبعضهم كانوا يؤمنون دخلاً لهم من بعض الحرف التي كانوا يتعاطونها في خيامهم كالحدادة وصنع الغرابيل والخواتم النحاسية والفضية وحرفة الرقص والغناء والضرب على البزق والعزف على الربابة أو اقتناء دب أو قرد لترقيصهما أمام الناس وأخذ ما تيسر من دريهمات منهم والبعض منهم كان يتعاطى التبصير وكشف البخت واشتهرت بذلك نساؤهم.
وطبعاً من كانت مواردهم ضئيلة بهذا القدر لن تكون دوابهم إلاَّ سيئة التغذية إذ كانوا لا يطعمونها شيئاً وهم بالكاد قادرون على تغذية أنفسهم. وإذن ما على هذه الحيوانات المسكينة إلاَّ أن تثبت نفسها بنفسها من عشب الأرض الأخضر واليابس ومن يموت منها جوعاً لا أسف عليه فإنه يكون قد ذهب بالرأسمال لا له ولا عليه.
وحين تكون هذه حالته يحتاج إلى شيء غير طبيعي ليثير همته ويحركه ويسيره وقد حمل على ضعفه وهزاله في خرج على ظهره بعض المتاع وبعض الأطفال. ولذلك فقد وقّت النور موعد الرحيل في الوقت الأشد حرارة وهو ما يقرب من الظهيرة إذ يكثر الذباب وتهيج الحشرة المسماة (بالضباب) وهي حشرة خاصة بالخيل وبالبغال والحمير وغير ذلك من الحشرات تبدأ بشك إبرها في جلود هذه البهائم التي تحاول الإفلات من هذه الحشرات بالهرب منها مما يجعلها تسرع في سيرها وبهذا يكون سبب ضيقها فرج للنور ويستغنون عن عصيهم في حث هذه الحيوانات على السير.
وكثيراً ما كان بعض الأطفال في القرى عند قدوم النور إليها أو رحيلهم عنها يستقبلون أو يودعون إحدى النوريات المتخلفة عن الركب بالصياح وراءها:
نوريّة حيزك ميزك والبرغوت ينقر طيزك
والنورية بدورها لم تكن لتوفر أمهاتهم وأخواتهم مما في جعبتها من أفظع النعوت بذاءة.
 

السابق
الراعي: القبول بالمحكمة حتى إثبات تسييسها
التالي
يا صلاتش يا محمد زي أبوه خيّالً!