كيدية الموالاة وكيدية المعارضة

كاد مخاض ولادة البيان الوزاري للحكومة الميقاتية ان يفجر أزمة، ربما تستعصي على الحل، فبين وجهات النظر المتباعدة ـ تحديدا حول موضوع المحكمة الدولية ـ ودهم الوقت لمدة الشهر المعطاة للحكومة لتقديم بيانها الوزاري او الاستقالة حكما، كان هناك سباق، فلو قُدر ألا يُنجز البيان الوزاري وتستقيل الحكومة، فماذا يمكن ان يحدث؟ بالتأكيد كان لبنان سيعيش أوقات فراغ موحشة اكثر من اي وقت مضى، لأن حكومة اتحاد وطني شبه مستحيلة في الوقت الراهن، والأكثرية السابقة بطبيعة الحال لا تستطيع ان تشكل حكومة، والأكثرية الجديدة فشلت في المهمة. فالوحشة كي لا نقول الظلام الدامس معادلة واقعية مؤكدة الحدوث وليست فكرة تسويقية لأي وجهة نظر، فلبنان في هذه الأوقات يعج بالمجانين بينما هو اكثر مرة بحاجة الى العقلاء.

صدر القرار الظني عن المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكان لتوقيت صدوره مع إنجاز قطوع البيان الوزاري بعض الالتباس، كون الكلام عن قرب إعلانه كان يتردد منذ اكثر من سنة. كذلك الأمر فيما يتعلق في مضمونه الذي تطابق مع التسريبات التي أوردتها صحف عالمية، وخاصة «دير شبيغل» الألمانية. وصدور القرار في هذا التوقيت أربك الحكومة الميقاتية قبل ان تتمكن من الحصول على ثقة البرلمان، حيث كان الجو السياسي يؤشر الى إمكانية حصولها على ثقة بأصوات أكثر من المتوقع، وما أعلنه النائب ميشال المر في هذا المجال له دلالة واضحة، على أساس ان المصالح لها اعتباراتها الدائمة في لبنان.

وعلى عكس الارتخاء الذي بدا عند فئات الشعب اللبناني، وتعاملها الواقعي معه، مضافا الى مسؤولية كبرى أبداها كبار رجال الدين وفي مقدمتهم البطريرك الراعي والمفتي قباني، كان للأطراف السياسية المتقابلة ـ وخاصة منها من يدور في فلك القوات اللبنانية وتيار المستقبل من جهة، ومن يدور في فلك حزب الله والتيار الوطني الحر من جهة اخرى ـ مواقف متشددة، وتحريضية.

فالبعض من الأكثرية الجديدة تحدث بكيدية واستخفاف، وتوعد بممارسة التشفي او الانتقام. فالأمر غير مقبول ولا يمكن السماح به، عند قوى أساسية في هذه الأكثرية، من الرئيس نبيه بري الى الرئيس نجيب ميقاتي الى رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط، فضلا عن رئيس الجمهورية ميشال سليمان. وبعض المعارضة الجديدة تجاوز كل الحدود في خطابه الجارح، وأحيانا غير المسؤول، في اعتراضه على تشكيل الحكومة، او فيما يتعلق بالقرار الاتهامي، ومارس كيدية وصلت الى حد التخوين والتشكيك بمقاصد من حاول ويحاول وأد الفتنة، هذه الفتنة التي أكد الرئيس سعد الحريري انه لن يسمح بأن تكون دماء رفيق الحريري سببا لها. وفي السياق ذاته جاء عدم رد السيدة بهية الحريري عن أي سؤال يتعلق بالقرار الاتهامي.

فكما ان الكلام عن عدم قدرة الدولة على توقيف مشتبهين في 3 سنوات ولا في 30 سنة او 300 سنة، كلام تشبيهي مبالغ فيه، فإن الكلام عن موبقات الحكومة الجديدة، وانها تغطي على المجرمين، ويجب ان ترحل، قبل ان تبدأ العمل، كلام فيه بعض الاستخفاف، ويحتوي على مقدار من عدم المسؤولية، لأن تسيير أمور الناس ومصالحهم مسؤولية وطنية يجب أخذها بعين الاعتبار دائما، على ما أكد عليه بيان المفتي قباني.

ان مسؤولية إخراج موضوع المحكمة من التداول السياسي، هي مسؤولية المعارضة قبل ان تكون مسؤولية الموالاة، وفاء للرجل العظيم الذي أكبر الوطن عن اي من أبنائه، واستودع الوطن الحبيب بين أيدي أبنائه، قبل ان تنال منه فعلة المجرمين.

السابق
اللواء: عنف كلامي يحاصر الثقة المضمونة اليوم! ورّي يطرح المصالحة الحقيقية … وميقاتي يؤكّد تمسّكه بثوابت العدالة والإستقرار
التالي
الانباء: قانصوه عن الضاهر “مين هالكلب؟”.. والضاهر يردّ “إنت الكلب”!!