الجزء الثالث: هكذا أصبح حزب الله اللاعب الأساسي !

الهيكلية التنظيمية والتمويل والدعم

حزب الله أو أمة الحزب

بدأ البحث في الاطار العملي لتحقيق الأهداف التي حملتها لجنة التسعة التأسيسية وأمضاها الإمام الخميني (قده)، فجرى نقاش موسع في دوائر الحزب القيادية حول الشكل التنظيمي الذي يحقق الأهداف بطريقة افضل، وتركز البحث حول الشكل الذي سيكون عليه هذا الحزب، وكيف يجمع بين حسنات الحزب واستقطاب الأمة. كان لابد من الاجابة عن التسمية المعبرة عن التوجه، فهل نسمي "حزب الله" أو "أمة حزب الله"؟

ان مخاطر الحزبية تكمن في انحصار العدد بالمنتمين الى الحزب ورفض ما عداهم، ومهما بلغت الهيكلية التنظيمية من السعة فإنها تستوعب مواقع ومهام محددة، ما يعني خسارة بعض الطاقات، كما ينذر التقيد الحزبي بنشوء عصبية لا تتفاعل مع الناس غير المنتمين له والمتقبلين على أهدافه.

أما فكرة الأمة واستيعاب الجميع، ولو تفاوت انتمائهم والتزامهم واستعدادهم للعمل، فلا تخلو من مشاكل في تطبيقها. وهي مبنية على قاعدة وجود القيادة الموجهة التي تصدر تعليماتها الى علماء المساجد والأحياء ولجانها، فتكون التوجيهات عامة وفي المحطات الهامة، ثم تتحرك الأمة بكل فئاتها لتلبيتها. وهذا لا يجيب عن كيفية استقطاب كل طاقات الأمة وتنظيم أدوارها في خصوصية الواقع اللبناني المتنوع، كما يجيب عن كيفية معالجة التفاوت في الآراء، وفي مستوى الالتزام بين الأفراد واختلاف المستويات الفكرية والعملية وآلية الاختيار والارتباط بين الفئات المختلفة.

حُسم الخيار باعتماد الشكل التنظيمي الهرمي كصيغة حزبية ضمن ضوابط تتجاوز سلبيات الطرحين لتكون التالي:

أ‌- ينتسب الى الحزب في المواقع المختلفة ضمن هيكليتيه المباشرة، من وافق على أهداف الحزب كاملة، وعلى الالتزام بقراراته التنظيمية، وإعطاء الوقت المطلوب لتأدية مهامه، وامتلك صفات عامة شخصية ايمانية وجهادية وسلوكية تؤهله للدخول في التنظيم لينمو في داخله ويقوم بواجباته.

ب‌- لا توزع بطاقة حزبية على المنتسبين لأنهم لا يكونوا وحدهم ممن يعملون في تحقيق أهداف الحزب، وكي لا يرتبط تعريف الانتماء بالبطاقة الحزبية.

ت‌- مراعاة المهام الحزبية المطلوبة وعلى رأسها العمل المقاوم، وتوفير الهيكلية الملائمة التي تلحظ شرح الوظائف وحدود المسؤوليات واالصلاحيات للقيام بالمهام بفاعلية، وتسهل التنسيق بين وحدات الحزب.

ث‌- انشاء التعبئة العامة التي تضم الراغبين في الانتماء للحزب من مختلف الأحياء والقرى، ويكون التوزيع الهرمي في ادارة شؤونهم مرتبطاً بالتوزيع السكاني والجغرافي للأحياء والقرى، وتكون مساهمتهم بحدود ظروفهم وأوقاتهم، ويشاركون في دورات عسكرية وثقافية، كما يشاركون في المرابطة والقتال، وكذلك في الأعمال العامة التي يدعو لها الحزب.

ج‌- إنشاء الهيئات النسائية التي تهتم بالقطاع النسائي وأنشطته المتنوعة، والتي تتوزع على المساجد والأحياء، وهي تهتم بالعمل الثقافي والاجتماعي التعبوي، وتشارك في الأعمال العامة التي يدعو اليها الحزب.

ح‌- إنشاء كشافة الإمام المهدي (عج) التي تهتم بالناشئة، وتعمل على تربيتهم وتوجيههم، كما تقوم بنشاطات تنسجم مع أعمارهم ومتطلباتهم، اضافة الى المشاركة في أنشطة الحزب العامة.

خ‌- إنشاء مؤسسات ذات مجالس ادارة مستقلة في المجالات التربوية والثقافية والصحية والاعلامية والزراعية والعمرانية وغيرها، بحيث تلتزم بالأهداف العامة وتتحرك بهامش خاص في اختيار الأفراد، شرط مراعاة الحد الأدنى في التوجه الثقافي السياسي وعدم الاختراق الأمني.

د‌- اعتماد التعبئة التربوية التي تشمل مساحة اهتمامها الطلاب والأساتذة في التكميليات والثانويات والجامعات، ولها أنشطتها المرتبطة بالقطاع التربوي، وتضم في صفوفها كل الراغبين بالعمل معها وفق السياسات المرسومة والأهداف المعلنة.

ذ‌- المساهمة في اقامة التجمعات والهيئات المختلفة سواءً أكانت مهنية أو نقابية أو تخصيصة، مع ترك هامش أوسع لمواصفات الفرد المنتسب اليها، بحيث لا تنطبق عليه شروط الانتساب المباشر لهيكلية الحزب، شرط مراعاة الحد الأدنى من الالتزام بالسياسات العامة والأهداف الإجمالية للحزب. وتكون نشاطات هذه التجمعات وبرامج عملها محددة في دائرة اهتمامها المهني أو التخصصي.

ر‌- التعاون مع العلماء والجمعيات والمؤسسات التي تحمل استقلالية خاصة في انشائها وأنظمتها الداخلية، لكنها تنسجم في الاطار العام مع أهداف حزب الله.

ز‌- اعتبار المشاركين والمساهمين في احتفالات ونشاطات واهتمامات حزب الله وكذلك المؤيدين لأفكاره من أنصار حزب الله.

لقد استوعبت هذه الطريقة التنظيمية شرائح المؤمنين بأهداف الحزب، وراعت التفاوت غير المضر بخصوصية كل شريحة، فتجنبت الوقوع في اشكالية الانغلاق على الذات وحجب الآخرين. مع ذلك فأن الحاجة نقضي مواصلة البحث عن كل ما يوسع دائرة الاستفادة من المحبين والمؤيدين، ويوسع دائرة الاستيعاب والاستقطاب الشعبي واستثمار الطاقات. كما يتم العمل باستمرار لتذويب العصبوية الحزبية التي تنشأ من التكتل بشكل طبيعي، لأن تغذيتها أو عدم تغذيتها رهن بطريقة التوجيه العام ومتابعة المسؤولين، حيث بالإمكان ايصالها الى الحد الأدنى المقبول والمنسجم مع التشكيل الحزبي.

على هذا الأساس لم تعد المشكلة في التسمية فهي لا تغير الواقع الفعلي، فاستقر الرأي على اسم "حزب الله" الذي يحاول استيعاب شرائح الأمة وفق التفاصيل المذكورة أعلاه، مع وجود الاستعداد الدائم للتعديلات التنظيمية الداخلية التي تواكب المستجدات، وتحاكي متطلبات الحزب مع توسع مهامه ومكانته.

الشورى والهيكلية التنظيمية

وقع الاختيار على القيادة الجماعية بدل القيادة الفردية، واطلقت تسمية شورى على هذه القيادة. أما اختيارها فكان يتم بالتشاور مع الفاعليات الأساسية في الحزب، وتفاوت عدد أفرادها بين شورى وأخرى، ولم يكن للشورى رئيس أو أمين عام، وقد استمر هذا الشكل التنظيمي لسبع سنوات الا انه استحدث موقع الناطق الرسمي مع اعلان الرسالة المفتوحة عام 1985 لمعالجة الحاجة الى الاطلالة السياسية الرسمية والتعبير عن مواقف الحزب.

مع تطور العمل نشأت الحاجة لتعديل الشكل التنظيمي للشورى وطريقة اختيارها، فأقر نظام داخلي يحدد أعضاء الشورى بتسعة أعضاء يتم انتخابهم لسنة واحدة، من قبل الكوادر الأساسيين الذين يشغلون موقع مسؤول قسم وما فوق، ثم تتولى الشورى انتخاب أمين عام من بين اعضائها وتوزع المهام على الباقين بحسب الصلاحيات المذكورة في النظام الداخلي. اختارت الشورى الأولى المنتخبة والرابعة من حيث الترتيب، الشيخ صبحي الطفيلي أميناً عاماً لها في 5111989، وقد مدد لها ستة أشهر بعد تعذر التئام المؤتمر الانتخابي بسبب حصار اقليم التفاح أثناء أحداث أمل-حزب الله.

ثم تقرر اجراء بعض التعديلات التنظيمية، حيث أصبح عدد أعضاء الشورى سبعة لينسجم ذلك مع توزيع المهام المحددة، اما مدتها فسنتان، كما استحدث منصب الأمين العام. وقد اختارت الشورى أميناً عاماً لها السيد عباس الموسوي (قده) في أيار 1991 الذي استشهد في 16 شباط 1992، فانتخبت الشورى السيد حسن نصر الله أميناً عاماً خلفاً اه ليتابع دورة عمل الشورى الفعلية.

ثم انتخب السيد حسن نصر الله في منتصف أيار 1993، وتجدد انتخابه في الدورات المتتالية حتى الدورة الانتخابية السابعة، وقد جرى تعديلان على نظام الشورى خلال هذه المدة، الأول يقضي بتمديد ولاية الشورى الى ثلاث سنوات، والثاني يقضي بعدم حصر انتخاب الأمين العام لدورتين متتاليتين، واعطائه الحق بالترشح لدورات متتالية.

أما على مستوى الهيكلية التنظيمية العام فقد أجريت عليها عدة تعديلات لتنسجم مع متطلبات حزب الله، الى ان استقرت بوجود خمسة مجالس هي: المجلس الجهادي، المجلس السياسي، المجلس التنفيذي، مجلس العمل النيابي، واالمجلس القضائي، يرأس كل مجلس عضو من أعضاء الشورى.

يضم المجلس السياسي مسؤولي الملفات السياسية وأعضا لجنة التحليل، ويهتم بتقديم التحليل السياسي للشورى ويتابع التواصل وبناء العلاقات مع القوى السياسية والحزبية المختلفة.

يضم المجلس الجهادي المسؤولين عن متابعة عمليات المقاومة ضد الاحتلال وكل ما يرتبط بها اعدداً وتدريباً وتجهيزاً زحماية وغير ذلك.

يضم مجلس العمل النيابي نواب الحزب ويتابع شؤون كتلة الوفاء للمقاومة (التي تضم نواباً من الحزب ونواباً من المسلمين والمسيحيين الذين لا ينتسبون الى التشكيل التنظيمي للحزب)، ويهتم بدراسة مشاريع واقتراحات القوانين المعروضة على مجلس النواب، كما يهتم بمتابعة شؤون المناطق والمواطنين مع المسؤولين في الدولة وأجهزتها المختلفة، ويواكب الموقف السياسي للحزب حيث يعبر عنه النواب في المجلس النيابي وفي لقاءاتهم وتصريحاتهم.

يضم المجلس التنفيذي مسؤولي الوحدات الثقافية والاجتماعية والتربوية والنقابية والمهن الحرة وغيرها اضافة الى مسؤولي المناطق، فهو المسؤول عن الأنشطة والأعمال الإجرائية المرتبطة بتركيبة الحزب، وعن مؤسساته المختلفة ذات مجالس الادارة.

يضم المجلس القضائي المسؤولين القضائيين في المناطق، الذين يقتصر عملهم اساساً على عناصر حزب الله لحل النزاعات بينهم، ويشمل ايضاً من يرغب من الناس بالتقاضي عندهم اذا كانت له مشكلة مع احد افراد الحزب، وذلك بالتراضي والتعهد بالالتزام بالحكم الصادر عن قضاء الحزب، وهو بذلك اشبه بعملية فض النزاعات الأهلية الموجودة في العالم، التي لا تمنع التحاكم لدى قضاء الدولة، لكن بمجرد عرض النزاع على قضاء الدولة يتوقف قضاء الحزب عن العمل على القضية المطروحة، ولاتمانع الدولة اللبنانية بهذا النمط من فض النزاعات والخلافات الفردية، لأنها لا تدخل في الحق العام وفي الأمور ذات الصلة بالدولة.

يعتبر كل عضو من أعضاء المجالس بمثابة مسؤول وحدة، يشرف على لجنة من مسؤولي الأقسام لمتابعة المهام الموكلة اليهم، ثم تترابط الهيكلية التنظيمية عبر الفروع والدوائر الى العنصر المجاهد المنظم وعنصر التعبئة والأنصار.

أما الشورى فهي راس الهرم في رسم الأهداف والسياسات ومتابعة الخطط العامة لعمل الحزب، واتخاذ القرارات السياسية، ويتولى الأمين العام مسؤولية الادارة والاشراف والتوجيه، والتنسيق بين رؤساء المجالس وأعضاء الشورى، والتعبير عن مواقف الحزب وقيادته.

السابق
الإيكولاي وصلت على مصر !!؟
التالي
طائرات تعمل بزيت قلي!