فضل الله: توقيت القرار الاتهامي يثير الشك في حركة المحكمة

  ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"في فلسطين المحتلة، تتواصل عمليات القمع الصهيوني، وتتوالى الاعتقالات في صفوف الشباب الفلسطيني، الذي ضاقت به سجون الاحتلال، من دون أن يتحرك العالم ببيانات الإدانة والاستنكار لاستمرار اعتقال ما يزيد عن العشرة آلاف فلسطيني، بينما يتحرك العالم الغربي لإطلاق سراح الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، في عملية تعمية مستمرة على الحقائق في فلسطين المحتلة ومعاناة الشعب الفلسطيني، وفي مجالات جديدة لإلباس الجلاد ثوب الضحية، وإشعار الفلسطينيين بعقدة الذنب تجاه المحتل الغاصب، وكأنه هو الذي يحتل أرضه ويسيء إلى إنسانه".

اضاف:" وإلى جانب ذلك، يواصل الاحتلال انتهاك الحرمات الإسلامية في مدينة القدس بالذات، حيث يستبيح بآلياته وجرافاته أماكن دفن الأموات، بعدما استباح أماكن سكن الأحياء، وها هو يستبيح مقبرة "مأمن الله" التي تضم رفات شخصيات عربية وإسلامية، ويبلغ عمرها حوالى 1400 سنة، في ظل صمت عربي مريب، وسكوت دولي مطبق، فيما تكف المنظمات الدولية والإنسانية عن القيام بدورها المطلوب، على الأقل في استنكار هذه الأعمال العدوانية، وفي إدانة عمليات التهويد المتواصلة للقدس والرموز الإسلامية والمسيحية فيها".

وتابع :" وفي هذه الأجواء، تستمر حملة التهويل الصهيونية ضد "أسطول الحرية" المتوجه إلى غزة، تارة بزعم أن المسؤولين عنه يريدون "الصدام والدماء"، كما قال وزير خارجية العدو، وطورا بالحملات الإعلامية والسياسية الهادفة إلى محاصرة الناشطين الدوليين من خلال دولهم، ومنعهم من التعاطف مع الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، والتفاعل مع قضيته ومطالبه المحقة. إننا نقدر هذا الإصرار من قبل المنظمين لهذا الأسطول على الاستمرار به رغم إلغاء البعض، وندعو إلى وقفة من الشعوب العربية والإسلامية معهم، ونشد على أيديهم لإبقاء الروح الإنسانية ثابتة رغم كل الآلام، لأن فلسطين الأرض والشعب والقضية، تستحق كل التضحيات".

اضاف:" عندما نطل على الوضع العربي الذي يزداد تعقيدا، من خلال دخول الإدارات الغربية على خط الثورات والتحركات العربية، وتوزيع هؤلاء لشهادات حسن السلوك، أو إطلاقهم التهم بسوء السلوك لهذا النظام أو ذاك، نشعر بشيء من الارتياح حيال الحس العالي للمسؤولية الذي اتصفت به بعض الشخصيات والتجمعات التي تحمل لواء المعارضة والتغيير في أكثر من قطر عربي، والتي وضعت الإصبع على الجرح، من خلال وضع الحد الفاصل بين المطالب الإصلاحية والتدخل الخارجي الذي تم رفضه بشكل حاسم".

واوضح "إن هذه الرؤية الواضحة، قد تحمل في طياتها عناصر الحل للأزمة المتفاعلة في أكثر من مكان في العالم العربي، وخصوصا في سوريا، لتشرع الأبواب الداخلية على الحوار الفاعل والمنتج، وتقفل الأبواب أمام كل التدخلات الخارجية الساعية إلى الدخول على خط الأزمة الداخلية لتحقيق أهدافها وغاياتها في كل ما يتصل بإحداث شروخ ونزاعات داخلية ذات طابع سياسي ومذهبي أو قومي وقبلي".

وقال:" ليس بعيدا من ذلك، نطل على التهديدات الصهيونية المتواصلة للبنان، وآخرها تهديد العدو بشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد لبنان إذا تدهورت الأوضاع في المنطقة، ما يؤكد أن العدو يستمر في استعداداته الحربية لشن عدوان على لبنان، حالما يشعر بأن الساحة الداخلية باتت مسترخية، أو أنها تعيش في صراع داخلي يقسمها ويمزق أوصالها".

ودعا جميع "المسؤولين المعنيين إلى الالتفات إلى هذه التهديدات والتهويلات، وإعداد الساحة الداخلية إعدادا وحدويا ووطنيا لمواجهة المرحلة المقبلة، والإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه في البيان الوزاري للتفرغ لمواجهة التحديات الكبرى، وعلى رأسها التحدي الصهيوني، إضافة إلى الأولويات المعيشية المتفاقمة، والواقع السياسي المتأزم".

كذلك دعا إلى صيغة تعاون عملية بين الجيش والمقاومة والشعب، لمواجهة أي عدوان قد يقدم عليه العدو أو أي مغامرة قد يقوم بها، ولإشعار العدو الصهيوني بأنه لا يستطيع استضعاف الساحة اللبنانية مجددا، مستغلا الحساسيات الداخلية والخلافات السياسية الحادة".

اضاف:"أما فيما يتصل بالمحكمة الدولية والقرار الاتهامي، فقد أصبحت الصورة واضحة للجميع، سواء من خلال التسريبات التي كانت تحصل وكيف جاء القرار منسجما مع هذه التسريبات، أو من خلال التوقيت الذي تسير عليه عجلة هذه المحكمة، وهو توقيت يثير الشك في حركتها، فضلا عن أن اللبنانيين جميعا، أدركوا من خلال خط سير هذه المحكمة، ومن البداية، أنها لم تراع شروط العدالة، ولم تثبت بفعل ارتباطاتها أنها تسلك طريق النزاهة المطلوبة، ولذلك فإننا ندعو اللبنانيين إلى وضع الأمور في نصابها، وعدم الانجرار وراء أية محاولة لإثارة الوضع وتوتير المناخات الداخلية بعد صدور القرار الاتهامي الذي كان معروفا ومعلوما من قبل الكثيرين، ولن يكون مفاجئا لأحد.إننا نراهن على وعي اللبنانيين بأن الفتنة الداخلية لا تفيد أحدا، بل تسقط البلد أكثر. لذلك ندعو اللبنانيين إلى عدم الانسياق وراء انفعالاتهم، أو وراء الكلمات المتوترة التي تأتي من هنا وهناك، وأن يضعوا في حساباتهم أن المحاكم الدولية ليست بريئة إلى الحد الذي يتصوره البعض، هي جزء من هذا الواقع العالمي الذي تمسك فيه الدول الكبرى بالقرار، بحيث تجرم لمصالحها وتبرئ لمصالحها. لقد كنا واضحين منذ البداية، أننا مع العدالة، ومع الوصول إلى تحديد من قام بهذه الجريمة، والتي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، لكننا كنا دائما نؤكد على العدالة النقية الصافية التي لا لبس فيها ولا شك، والتي يتولاها من يحملون العدالة ويعملون لها، ولا يخضعون لإرادات الآخرين وتوجيهاتهم أو مغرياتهم. وهذا، مع الأسف، ما لم نصل إليه".

وتابع: "إننا نؤكد على المعنيين في الشأن الديني داخل الساحة الإسلامية في لبنان، أن يتحملوا مسؤولياتهم الكبرى على مستوى الخطاب وتهدئة الساحة، وبيان النتائج التي قد تترتب على الخطط الخارجية الساعية لزرع بذور الفتنة بين المسلمين في لبنان، لقطع الطريق على هؤلاء جميعا، ولصون وحدة المسلمين.. إنها دعوة الله عندما قال: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}(آل عمران:103)، {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}(الأنفال:46)، ودعوة رسول الله ووصيته: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض". وهي التي تضمن قوة المسلمين أمام التحديات التي تواجههم من الداخل والخارج".

ودعا "العاملين في الساحة السياسية إلى أن يعوا دورهم في حفظ هذا البلد، وعدم جعله في مهب رياح الانفعالات والتوترات أو في مهب رياح الآخرين".

وختم فضل الله:"إننا نقول للجميع: اتقوا الله في هذا البلد ومستقبله، احفظوه وصونوه.. اتقوا الله في إنسان هذا البلد، ولا يكون ذلك إلا بمزيد من الوعي، وعدم التسرع في تصديق اتهامات بعيدة عن عالم لا يعيش القيم، وكل همه أن يحفظ مصالحه ويحقق أطماعه.الله الله في الوحدة الإسلامية.الله الله في الوحدة الوطنية.الله الله في مستقبل هذا البلد وقوته". 

السابق
شربل ينفي ما نسب اليه عن هويات اعضاء في حزب الله
التالي
سليمان: موقع لبنان بقعة آمنة وملائمة للاستثمار