التباين حول بند المحكمة يبرز مأزق الأكثرية

يثير موضوع الخلاف داخل الاكثرية الجديدة على البند المتعلق بالمحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري تساؤلات متجددة اذا كان يمكن حكومة تشكل قوى 8 آذار عمودها الفقري ان تقلع، وهي تساؤلات كانت طرحت خلال الاشهر الخمسة التي استغرقتها عملية التأليف. فحتى الآن الخلاصات الرئيسية بالاستناد الى الوقائع والمواقف البارزة لاركان في هذه القوى تكمن في ان الهدف من اسقاط الحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري قد لا يكون سهلا تحقيقه بالمقدار الذي يعبر عنه "حزب الله" وحلفاؤه.

فمن جهة يرى كثر ان التجاذب القائم من ضمن الاكثرية على البند المتعلق بالصيغة التي سيتم اعتمادها للمحكمة في البيان الوزاري من حيث الاستعانة بالصيغة التي اعتمدت سابقا او باعتماد صيغة تكون مقبولة من الخارج الاقليمي والدولي بما يجنب الحكومة استدراج مواقف عقابية على لبنان يكاد يوحي بأن الهدف من اسقاط الحكومة السابقة كان من دون جدوى او من دون نتيجة متى كان الموقف الذي سيضطر لبنان الرسمي بحكومة الاكثرية الجديدة وحدها الى اعتماده هو التزام القرار الدولي من المحكمة. ففي الحكومة السابقة كادت الامور تصل الى نهايات مناسبة جدا لـ"حزب الله" لولا ان هدفا ابعد كان يراد تحقيقه ومن ضمنه وضع اليد على السلطة في البلد. وسيكون صعبا على الحزب القبول بصيغة تظهره وكأنه عاد الى المربع الاول في موضوع المحكمة في حين ان عرقلة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال خمسة اشهر لم تساهم في تعزيز موقعه من ضمن طائفته فضلا عن سعيه الى محاولة الحصول على تغطية داخلية وخارجية للحكومة تجعلها مقبولة بالحد الادنى. فأي صيغة للمحكمة اقل من اجراءات لالغائها هي خسارة بالنسبة الى الحزب، واي صيغة تتحدى القرارات الدولية ستصيب البلد بانعكاسات خطيرة تتسبب بها الحكومة وتحديدا الحزب.

ومن جهة اخرى فان الهدف الآخر من اطاحة الحكومة السابقة والذي هو القضاء على الحريرية السياسية في البلد يذوي في ضوء الحملات المتواصلة لرئيس التيار العوني ونوابه ووزرائه. اذ ان هذه الحملات لا تساهم في اذكاء المشاعر الطائفية على نحو سلبي بل تعطي ايضا دفعا قويا لرئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري على حساب الفريق السني في الحكومة لاسباب متعددة بحيث ان المساهمة في انهاك الاخير يعزز اوراق فريق الرئيس الحريري على نحو يعيد الى الاذهان حتى بالنسبة الى قوى الاكثرية استنساخ مرحلة الرئيس السابق اميل لحود في مفرداتها وطبيعتها واهدافها. ومع ان المواقف العونية تجد أثرا سلبيا ايضا لدى الرأي العام المسيحي من حيث اذكائه المخاوف من تحريك حساسيات طائفية ومذهبية في ظل التطورات البالغة الخطورة التي تمر فيها المنطقة وامكان انعكاس ذلك على المسيحيين في ضوء احداث محتملة يحذر منها كثر في قوى 8 آذار، فان نقطة الارتكاز ان الحملة التي يشنها منذ الان تحضيرا للانتخابات النيابية بعد سنتين قد تبدأ بالارتداد سلبا على فريق الاكثرية النيابية.

وليس سهلا على هذا الفريق ان يعتمد المعايير نفسها التي اعتمدتها الاكثرية السابقة في الحكم، لكن ذهابه الى النقيض ايضا في ظل اوضاع اقتصادية خطيرة تمر فيها المنطقة ككل اضافة الى المخاوف التي تحفزها التطورات في دول الجوار من خلال تهديد الآخرين ورفع الصوت اخفاء للضعف الذي يصيب هذا الفريق، ولو انه بات في السلطة، يضيق الهامش امامه. وكلما تابعت الاكثرية على هذا المنوال كسبت المعارضة خصوصا متى كانت نتائج اداء الاكثرية سلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. اذ بدا لافتا دعوة الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في كلمته الاخيرة الى اعطاء الحكومة فرصة شهرين للحكومة من اجل الموسم السياحي والاقتصادي في حين ان هذا القطاع بدأ يقطف النتائج السلبية من اداء الاكثرية منذ اسقاط الحكومة وهو لا يزال يعاني من عدم الثقة بأداء الحكومة ايضا حتى الآن وما تعلنه من خطط في هذا الاطار لا تتصل بمستقبل البلد بمقدار ما تتصل بأخذ البلد الى مواجهة سياسية على قاعدة التخلص من المعارضين او مواجهة الاميركيين. وقد لفت كثر كيف انقلبت الادوار في شأن الموقف من الوضع الاقتصادي مع التذكير بأن افرقاء 8 آذار كبلوا اقتصاد البلد ومواسمه ابان الاعتصام في وسط بيروت لما يزيد على عام ونصف عام او سوى ذلك.

وتخشى هذه المصادر ان تضطر قوى 8 آذار الى ان تحصد سلبيات بعدم القدرة على التخلص من الحريرية السياسية في ظل الحملات المستعرة ضدها ولا من المحكمة في ظل خلافات الاكثرية على الصيغ المقبولة لموضوع المحكمة.

وما دامت هذه القوى اصبحت هي السلطة ولم تعد في السلطة او مشاركة فيها فحسب فان اكثر ما تتم الخشية منه في ضوء التجربة المباشرة للدول القريبة التي تشهد انتفاضات شعبية ان الشعوب لم يعد بامكانها ان تعيش على المواجهات السياسية الداخلية او الخارجية بل هي تتطلع الى ابعد من ذلك.

السابق
الحياة : إستمرار الخلاف على بند المحكمة مع المعلومات عن قرب صدور القرار الإتهامي
التالي
فائض وطنيّ يسرقه طفيليّون وطائفيّون