لبنان في وجه رياح التغيير

على اللبنانيين أن يقلقوا. بل عليهم أن يخافوا على ما تبقى من حريات عامة ومن مساحات للتعبير عن الرأي.

الأمر لا يتعلق مباشرة بتشكيل الحكومة الجديدة ولا بالحملات السياسية والإعلامية عليها من قبل المعارضة الجديدة، بل بجملة من الظواهر والإجراءات المتكاثرة التي تتعرض لها الحياة العامة بما فيها المجالات الثقافية والاجتماعية. ففي أقل من أسبوع واحد، تجدد منع عرض فيلمين، لبناني بعنوان «شو صار» عن مجزرة وقعت في منطقة عكار أثناء الحرب الأهلية، وإيراني هو «أيام خضراء» عن الهبّة المطالبة بالديموقراطية والتي أعقبت الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009.

وزادت السلطات اللبنانية حدّة منعها لدخول اللاجئين الهاربين من قمع النظام السوري واعتقالها الباحثين عن الأمان في لبنان، في تحدٍّ صريح لكل المعاهدات الضامنة لحقوق الإنسان التي وقّعت الحكومة اللبنانية عليها. وحفّت بالسلوك هذا تحذيرات من نواب من الأكثرية الجديدة بأنها ستنظر الى كل مواطن لبناني يساعد لاجئاً سورياً على أن اللبناني شريك في المؤامرة الأميركية – الإسرائيلية على دولة الممانعة في سورية.

لم تقف الظواهر المقلقة عند هذا الحد، إذا أصدر مجتمعون في دار الفتوى بياناً أعلنوا فيه رفضهم القاطع لمشروع قانون يعاقب العنف الأسري الموجّه ضد المرأة، متذرعين بصدور مشروع القانون عن جمعيات نسوية علمانية تستند «على مبادئ الرأسمالية المتوحشة ووحدة السوق والفردانية».

ثمة ما يميز الإجراءات أو الأحداث أعلاه عن بعضها ويعيد كلاً منها الى سياق سياسي واجتماعي محدد تتحمل المسؤولية عنه أطراف مشاركة في الائتلاف الحاكم، بغض النظر عن الأكثرية أو الأقلية في التشكيلة الحكومية. فما من شك في دور «حزب الله» وقوى الثامن من آذار (مارس) في تصعيد المنع على دخول اللاجئين السوريين ورفض استقبال لجان تقصي حقائق دولية لمعرفة ما يتعرض له المدنيون السوريون من انتهاكات. في المقابل، ما من شك في أن موقف دار الفتوى من مشروع القانون، وقبله موقف مبالغ في حدته حيال تجاوز قام به سكان فلسطينيون على أراض تابعة للوقف السني، ينبعان من شعور بالحصار والاستفراد والخطر عند قسم كبير من الطائفة السنية، وهو ما يجري التعبير عنه بحساسية مفرطة حيال كل ما يحمل شكل التهديد لمكانة الطائفة ومصالحها، حتى لو كانت مساعدة عائلات فلسطينية فقيرة في تدبّر أمور معيشتها.

وهناك ما يحمل على الاعتقاد بوجود مناخ واحد أنتج كل الخطوات والإجراءات هذه. المناخ هذا هو مزيج من حيرة ورعب حيال التغيرات الكبرى التي يشهدها العالم العربي. تغيرات، سلطت الضوء على مدى الاهتراء في الداخل وعن انتهاء صلاحية استغلال العدوان الخارجي لمتابعة القمع والتسلط وتغييب الحريات.

بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك والقول إن ما يشهده لبنان اليوم من تدهور في مناخ الحريات العامة وصولاً الى التضييق على الصحافيين الأجانب، يصب في خانة دفاع نظام الطوائف اللبنانية عن نفسه بإزاء موجة الثورات العربية. ففي مواجهة الحرية التي تنادي الثورات بها، يعود اللبنانيون الى الكبت. ورداً على طلب الانفتاح على العالم، يطارد اللبنانيون أخوتهم السوريين اللاجئين. ولوقف التواصل الإعلامي الهائل الذي تستفيد منه الثورات العربية، لا تجد مؤسسات النظام الطائفي سوى حظر أفلام تقول الحقائق البسيطة عما عاشه أهل هذه المنطقة من العالم من معاناة الحروب الأهلية ومصادرة الرأي.

في زعمنا، أن الثورة العربية تتمدد إلى لبنان من هذه الأبواب، وليس من أبواب استغلها زعماء الطوائف المهيمنة.

السابق
السفير: القوات السورية قرب الحدود التركية كلينتـون تنـتـقـد الاسـتفـزاز وتحـذر مـن اشـتباكات
التالي
لو كان الهَبَل يسبّب الوجع!