لو كان الهَبَل يسبّب الوجع!

الحيلة التي اسمها بناء دولة الاستقلال والسيادة، انتهت صلاحيتها. صار على سعد الحريري وفريقه الانتقال الآن إلى لعبة جديدة. ولا همّ عند هؤلاء، ولو كانت غاية العودة الى السلطة تحتاج إلى وسيلة هي فعلياً إسقاط ما تبقى من دولة. وهذا أساس منطقي لتفسير كل ردود الفعل التي قامت من عندهم على تأليف الحكومة، ولتفسير كل الأعمال التخريبية التي سوف يلجأون إليها بغية الوصول إلى أهدافهم. وجلّ اهتمامهم اليوم ينصبّ على كيفية استنفار الغرائز الطائفية والمذهبية من جديد، والاتكال على أن الجمهور الذي لحق بهم لن يسألهم عما فعلوه منذ تولّيهم الحكم في لبنان قبل ست سنوات منفردين، وما الذي جعلهم يخسرون كل هذا الكم من المكاسب حتى يومنا هذا.

الحريري الهارب إلى الخارج يريد إقناع اللبنانيين بأنه منفيّ. وأنه مضطر إلى البقاء في الخارج لأنه مهدد بالقتل. ويتداول أنصاره من مستويات عدة، أن النصائح الغربية له بعدم العودة إلى لبنان هي التي تمنعه من أن يكون بين أنصاره. وكأنه عندما كان مرتاحاً في السرايا، ما كان يهنأ له نوم إلا في الطريق الجديدة أو عكار أو البقاع الغربي أو صيدا. علماً أن العبارة السحرية الوحيدة التي تفيد في كل ما يقوم به الحريري وزملاؤه اليوم، هي أن الغرب المسيطر على المحكمة الدولية أبلغهم بأن القرار الاتهامي سوف يصدر في فترة قريبة، حيث الحاجة اليه باتت الآن متجاوزة الوضع الداخلي اللبناني لأن هناك عودة الى ما كانت عليه الامور في عام 2005 في مواجهة سوريا وحزب الله أيضاً.

وما دام فريق 14 آذار يحب عبارة «إنهم يحاولون اعادة عقارب الساعة الى الخلف» فمن المفيد تذكيرهم بأن ما ينوون القيام به الآن هو بالضبط محاولة أخذ فرصة ثانية لتكرار ما قاموا به في الاعوام الخمسة الماضية، بما في ذلك إقناع الغرب بأن على اسرائيل أن تعدّ لحرب شاملة جديدة ضد لبنان وسوريا اذا لزم الأمر.

لكن ما الذي يدفعهم إلى هذا؟

الواضح أن الخسارة المدوية المستمرة منذ 5 سنوات الى اليوم، لم تكن ترد في خيال اي من هؤلاء. ولأن الغرب كان إلى جانبهم طوال الوقت وكان يتكل عليهم في امور كثيرة، فإن هذا الفريق مستعد الآن للقيام بما يعتقد أن بمقدوره القيام به فقط، لأجل اقناع الغرب بأنه فريق مؤهل للإنصات اليه والاتكال عليه أيضاً. وهو امر يترافق مع ازمة غير مسبوقة على صعيد المبادرة من جانب الغرب والسعودية في بلاد الشام، حتى إن اسرائيل التي تواصل مناوراتها الواسعة، لا تدّعي أنها قادرة على شن حرب ابتدائية الآن بوجه سوريا ولبنان. وبعدما فضح رئيس الموساد السابق مائير دغان العجز حيال الهجوم على ايران، فإن القوى المحلية عندنا، مثل قسم من المعارضين للحكم في سوريا، صاروا مضطرين لإنضاج مستوى جديد من الضغوط الخارجية على لبنان وسوريا على أمل أن يؤدي ذلك الى تغييرات هنا وفي سوريا.

لكن الحريري، الغارق في متاهته، يعرف أنه لا بد من القيام بدور على الأرض. وأنه ليس من الصنف الذي يمكنه الادعاء بإعطاء تعليمات للغرب كيف يتصرف، وهو يدرك اكثر من خصومه، أن الغرب لا يعمل عنده. ولذلك، فهو كما أيتام جيفري فيلتمان في 14 آذار، يحاولون اليوم إنتاج أي شعار أو عنوان لفتح معركة واسعة ضد الحكومة الجديدة، وضد سوريا. وهذا غير متاح إلا اذا قرر هؤلاء المسّ بعناوين ظلت محيّدة من الجميع على حد سواء. وهي المتصلة باللجوء الى اشعال فتنة طائفية ومذهبية، وبالعمل على اسقاط ما يسمى عندنا الاستقرار الاقتصادي والمالي. وهذا ما يساعد على فهم ما حصل في طرابلس قبل اسبوع، وما يجري إعداده لطرابلس في المستقبل، وما يفسر النقاش الخافت، لكن السلبي، حول ملف الضغوط والعقوبات المالية على لبنان. وكأن الحريري وفريقه يطبقان المثل القائل: نكاية بالطهارة بيعملها بتيابو!

اما على صعيد الاهداف المباشرة، فقد بات واضحاً أنها تخص أولاً: الضغط على الفريق السني في الاكثرية الجديدة. وهذا يتطلب معركة بكل الاسلحة ضد الرئيس نجيب ميقاتي وضد من معه من وزراء وقوى تمثيلية في الحكومة او في فريق الاكثرية. ثم الضرب لعزل رئيس الجمهورية ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط، ومن ثم العمل على تهيئة الارض لخلق فتنة طائفية ومذهبية في طول البلاد وعرضها. وبهذا المعنى لن يتورع هذا الفريق عن القيام بكل ما من شأنه تحقيق هذه الاهداف، ولو تطلب الامر اشعال طرابلس ومناطق شمالية بالنار، او جعل بيروت مدينة ميتة بلا حراك، او دفع ابناء بلدات في البقاع الغربي وعكار الى الدخول في مواجهة مع كل محيطهم، او وضع القطاع المصرفي في غرفة العناية وتحطيمه، او تعطيل كل ادارات الدولة وشلّ ما يمكن من قطاعات في الاجهزة الامنية.. وحتى التحامل على الجيش لتحويله الى خصم اهلي ما لم يكن في صفهم. كل ذلك، سوف يعتقدون أن بمقدورهم القيام به، وأن الناس سوف يجارونهم في جنونهم، وأن الآخرين سوف يضطرون للتنازل تمهيداً لأن يقود السيّد حسن والجنرال عون تظاهرة مليونية تناشد الحريري العودة الى السرايا الكبيرة…

قديماً قيل، لو كان الهبل يسبب الوجع، لكانت المستشفيات تعمل فوق طاقتها!.

السابق
لبنان في وجه رياح التغيير
التالي
سوريا بين الدولة الفاشلة والمارقة