تركيا تستعِدّ لدخول سوريا؟

فجأة، وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، في ضوء تسارُع الثورات العربية.

وفجأة، وجدت نفسها أمام المجازفة بوصول "الإسلام السياسي" إلى السلطة في الشرق الأوسط.

سارعت إلى فتح حوار معمّق، بعيدا من الأضواء، مع الحركات الإسلامية الرئيسية حول احتمالات وصولها إلى السلطة، وتصوّراتها للأوضاع الإقليمية والدولية، وموقفها من الديمقراطية والتعددية، ومدى استعدادها لالتزام عملية السلام مع إسرائيل، ومواجهة إيران، ومكافحة الإرهاب.

تحاول أن تتعلّم كيف تتعايش مع "الإسلام السياسي" الذي أوحى بأنه قادر على التكيّف مع الاتجاهات البراغماتية، ومستعد لتقديم تنازلات متعلقة بإيديولوجيته في مقابل استلام السلطة.

غير أن هذا الحوار لم يصل إلى اتفاق كامل للمرحلة المقبلة، ما يفسّر الموقف الأميركي الذي لم يتجاوز ممارسة الضغوط على سوريا لتغيير سلوك النظام، وليس العمل على تغيير النظام خوفا من الذهاب إلى المجهول السياسي.

إلا أنه كلما تقدم هذا الحوار، ازدادت الضغوط على سوريا. وهذا ما يفسّر الكلام التركي للقيادة السورية الذي تجاوز كل أشكال البروتوكول، وهدّد بإجراءات مدنية وعسكرية، إذ إنّ تركيا تؤدي دورا مركزيا في الحوار بين الأميركيين والحركات الإسلامية، وتقدّم نفسها نموذجا وعرّابا لقيادة التغيير في الجوار.

ولكن، ما إن تتمّ "الصفقة الكبرى"، حسب دوائر دولية معنية بشؤون الشرق الأوسط، "حتى يتّجه الموقف الدولي بشكل متسارع جدا نحو تطويق النظام السوري ومحاصرته، وتشريع التدخّل الدولي ضده تحت عناوين متعدّدة، منها اتهامات بجرائم الإنسانية وملاحقة مرتكبيها".

ولن يصمد الموقف الروسي الرافض لأي تدخّل دولي في سوريا طويلا، عندما تحين الساعة، ولذلك فتحت موسكو قناة اتصال مع المعارضة السوريّة التي لم تتبلور تنظيما، ولا قيادة ولا برنامجا حتى الآن، وأوكلت المهمة إلى موفد الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل مرغيلوف، وليس إلى الخارجية الروسية.

ويبدو أنّ تركيا ستكون البوّابة للتدخّل الميداني، إذ ستتحرك القوات العسكرية التركية نحو الشمال السوري، كما سبق لها أن تحرّكت نحو الشمال العراقي في الماضي، وإن لأسباب مختلفة. وقد يكون فتح باب النزوح الجماعي من سوريا إلى الداخل التركي، بداية لإبراز "مشكلة إنسانية خطيرة تهدّد الأمن القومي التركي"، وبالتالي "تستوجب التحرّك العسكري" لإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السوريّة، مع ما يستتبع ذلك من تداعيات خطيرة على مسار الأحداث.

لكن هل يمكن أن تنحو سوريا إلى "الإسلام السياسي"؟

لا شك في وجود معارضة إسلامية في سوريا، لكنّها غير قادرة على الاستيلاء على السلطة ولا على الحكم، إذ إن سوريا تتمتع بتقليد قديم قائم على العلمانية، والمجتمع السوري فسيفساء معقدة من الطوائف والأعراق، حيث المسلمون والمسيحيون على اختلاف طوائفهم لا يميلون إلى الأصولية. وهذا ما يشكل حاجزا يحول دون استيلاء أيّ فريق متطرّف على السلطة.

ولكن ما هو أفضل وما هو أسوأ سيناريو لسوريا خلال الاشهر القليلة المقبلة؟

إنّ أسوأ سيناريو للوضع في سوريا يتمثل باندلاع شكل من أشكال الحرب الأهلية، ما سيجلب بؤسا كبيرا على الجميع وسينعكس خرابا وضررا كبيرا على البلد، وتقليصا لقدراته على التأثير الخارجي.

أمّا أفضل سيناريو لسوريا فيكون بوقف نهج الحسم والمواجهات، وتحقيق الإصلاح الحقيقي من خلال الحوار، من داخل النظام ومن خارجه. وهذا أمر يمكن إنجازه. لكن يبدو أن الأمور لا تسلك هذا المنحى.

السابق
الجمهورية: سوريا: لن يستمرّ الاستقرار في لبنان طويلاً إذا سرّعت الأمم المتّحدة مسار المحكمة الدوليّة
التالي
البناء: حردان يصف الخطاب بخارطة طريق شاملة وروسيا بـالبرنامج الكامل والرئيس الاسد يقول:الدستور ليس مقدَّساً والأولوية للإصلاح وسنُفسِح المجال أمام المعارضة البنّاءة