معارك عون: فوز محدود… وخيبات بالجملة!

كان لنشر خبر صدور مرسوم التشكيلة الحكوميّة تداعيات سيّئة على الصفّين الثاني والثالث من كوادر " التيّار الوطني الحرّ"، بحيث تركت ولادة الحكومة، التي أتت مفاجئة، صدمة نوعيّة في صفوف هؤلاء، لا سيّما منهم أولئك الذين وُعدوا بالتوزير من قِبل رئيس تكتّل " التغيير والإصلاح " النائب ميشال عون، حيث تجاوز عدد هؤلاء المئة، بحسب مصادر مقرّبة جدّا من العماد عون.

أبرز المعترضين كان الوزير السابق ماريو عون والنائب سليم عون، والأخير كان يؤكّد في مجالسه الخاصة أنّ موضوع توزيره محسوم، وأنّه من الوزراء "الثوابت" بنظر الجنرال، وقد عكست زياراته المتواصلة طوال تلك الفترة ارتياحا من جانبه لناحية اعتبار نفسه "رقما صعبا" في المعادلة الوزاريّة، كما أنّ بعض الأسماء الأخرى كالنائبين زياد أسود وعباس الهاشم والقيادي زياد عبس وسواهم لم يكونوا بعيدين عن أجواء الارتياح والاطمئنان التي سادت قبل أن يتفاجأ الجميع بأنّ نسيب زوجة الجنرال الوزير الجديد غابي ليّون كان أولى بأن يتولّى حقيبة وزاريّة وحجزَ، بحسب ما يبدو، مقعدا "دائم"، بعد أن كان احتلّ مقعدا آخر صهرُ عون الوزير جبران باسيل الذي بات من "الثوابت" في أيّ تشكيلة وزارية لا لشيء إلّا لكونه "وليّ العهد" المستقبلي. مصدر عوني معارض سجّل عقب عمليّة التشكيل ورود اتّصالات من قِبل عدد من "المرشّحين المستوزرين" باتّجاه بعض الأوساط في قوى الرابع عشر من آذار، معربة عن خيبة ممّا ارتكبه العماد عون من وعود أطلقها لطمأنة كلّ من زاره على حدة، أنه يحظى بدعمه الأكيد للتوزير، لكن سرعان ما كشف، على حدّ قول أحد أعضاء فريق عمله، أنّ أسماء وزرائه الحاليّين كانت في جيبه منذ اللحظة الأولى، وقد سبق أن فاتح بها مرجعا سياسيّا كبيرا باح بهذه الأسماء أمام أحد مساعديه.

وتضيف المعلومات من دارة العماد عون أنّ الأخير كان قد أرسل اسم الوزيرين نقولا الصحناوي وغابي ليّون على أن يتولّى الأوّل حقيبة الثقافة والثاني حقيبة الاتّصالات، بمعنى أن يتولّى إبن خال زوجة الجنرال عون حقيبة الاتّصالات فيمسك بذلك بزمام وزارة سياديّة إلى جانب وزارة الطاقة التي يتولّاها صهره جبران باسيل.

لكنّ "أمر عمليّات" من فردان قضى بأن يستبدل الاِسمان على الحقيبتين فتعرض الأولى على الثاني والثانية على الأوّل، وهكذا كان بعدما دقّ "جرس الإنذار" السوري وأعطيت مهلة من خارج الحدود ليقبل الجميع في 8 آذار بالأمر الواقع … وهكذا كان.

وعلى وقع "النفير السوري ـ الإيراني" رضي عون بالتشكيلة الأخيرة المقترحة مطيعا كسواه، وكان ما كان؛

تولّى الوزير شربل نحّاس وزارة العمل، بينما تولّى الوزير صحناوي الاتّصالات، وتكون الثقافة من نصيب نسيبه الآخر فيما حقيبة الطاقة بقيت لباسيل، وبعد أن اطمأنّ عون بأنّ حصّة رئيس الجمهورية ستكون متواضعة، الأمر الذي سيمكّنه من أن يكون " بيضة القبّان" و"رأس الحربة" في مشروع التصدّي للولايات المتّحدة الأميركيّة وأوروبّا، وهذا ما فسّر ذهابه بعيدا إلى حدّ تهديده بلَيّ ذراع أميركا، على حدّ تعبيره.

وبعدما نام العديد من كوادر "التيّار العوني" في سبات عميق عشيّة تشكيل الحكومة، جاءت المفاجأة على غرار ما نفّذه عون عشيّة انتخابات العام 2005 حين استقدم بعض المقيمين في الخارج ليترشّحوا على لوائحه الانتخابيّة، وهكذا كانت سياسته "الباطنيّة" ، كما تابع المصدر العوني المعارض نفسه، بأن يَعد ويخلف بوعوده، في الوقت الذي يحمل في جيبه سحرا عجيبا غريبا قاعدتُه استبعاد الأقوياء والمناضلين على حساب تعيين الأقرباء والمحسوبين، حفاظا على ديمومة إمبراطوريّة خاصة يعيش في كنفها ويؤمّن استمراريّتها رامياً المبادئ جانباً، ومكتفيا بالعناوين الرنّانة التي كان يطلقها، والتي لم تجنِ شيئا للوطن إلّا الحروب العبثيّة والويلات والمزيد من الإحباط والهجرة.

في محصّلة أوّلية للتركيبة "العونيّة" التي أرادها جنرال الرابية، يعتبر المراقبون أنّ هذا الأخير لا يملك السيطرة الفعليّة إلّا على ستّة وزراء فقط، وأنّ هؤلاء لن يتمكّنوا فعليّا من تحقيق أحلام عون، طالما أنّ وزارة العمل بتركيبتها الحاضرة يسيطر عليها "أمل وحزب الله" الأمر الذي سيقيّد حركة الوزير نحّاس، فيما الوزير صحناوي لا يتمتّع بأيّ خبرة في ميدان الاتّصالات، وهو الذي تمّت تسميته أساسا لأن يكون وزيرا للثقافة، وفيما تنظيم وزارة العدل سوف يتطلّب وقتا طويلا، نظرا للتراكمات ولتحكّم الولاءات الحزبيّة والمناطقيّة والطائفيّة في أروقتها، ليكون ملفّ المحكمة الدوليّة الأبرز والشغل الشاغل في الحقبة المقبلة، إضافة إلى ملفّ محاكمة القيادي في التيّار العميد فايز كرم. على أيّ حال لن يطول الأمر ليدرك الجنرال عون أنّ انتصاره الأخير كان وهميّا في ظلّ استحقاقات مصيريّة ستعطّل القرار الداخلي، فضلا عن أنّ له سابقة في التعايش مع الفساد والفاسدين لتمرير الاستحقاقات، ولا حاجة لتكرار مواقفه على هذا المستوى، وأنّ الوزارات التي تولّاها أنصاره لم تشهد سوى فضائح وصفقات ومزيد من الاهتراء من دون أن يلمس المواطن أيّ إجراء تجاه أيّ موظف فاسد، بل اقتصرت معارك "التيّار"، على التشهير بموظّفين كبار من خارج فريقه، وساد صمت حملاته كلّ ألأرجاء بعد ذلك… ربّما ثمناً لحقيبة هنا، أو لتوزير قريب هناك أو نسيب هنالك!

السابق
هل دبّرت المخابرات العامّة مقتل الحريري؟
التالي
البيرق: صياغة البيان الوزاري تستغرق 10 ايام والثقة تتجاوز ال 67 صوتا