بلد الرسالة… الدموية

يبدو واضحا جدا أن كلام البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عن لبنان انه اكثر من بلد "انه رسالة" لم يفهم بالوجه الصحيح لأنه أراد القول ان كل ارض تشهد عيش أناس من ثقافات واديان مختلفة هي ارض رسالة، بل ان قبول الاخر هو رسالة في عينه، لانه أنسنة للانسان بغض النظر عن لون او جنس او دين لم يكن له رأي فيه، اذ ان الناس خلقوا على اديان آبائهم، وألوان امهاتهم ربما، وعلى ثقافات اجدادهم. اراد يوحنا بولس الثاني الاشادة بالتجربة اللبنانية التي تشهد النزاعات، لكنها غالبا ما تعود لترمم العلاقة داخل البيت الواحد.

اما نحن في لبنان، وقد بتنا لا نفهم الكلام لاننا نعيش في ضجيج الردود والردود المضادة في معزوفة مستمرة منذ ما قبل الحرب، حرب الاخرين على ارضنا، ولو لم تعجب العبارة احدهم، وهو من عدة تلك الحرب، فقد حولنا كلام البابا بل حورناه وصرنا نعيش الرسالة بل الرسائل في غير اتجاه.

بالامس سمعت كلاما بأن ما حدث في جبل محسن وباب التبانة رسالة الى الحكومة الجديدة والى الرئيس نجيب ميقاتي عند اول زيارة يقوم بها الى عاصمة الشمال بعد التأليف. وقبله سمعنا ان الحكومة كلها رسالة سورية الى العالم بأن دمشق ما زالت تمسك ببعض الاوراق ومنها في لبنان. وما التحرك في مارون الراس الا رسالة سورية مررها "حزب الله" ومعه الجيش اللبناني قبل الرسائل الاميركية المباشرة التي منعت التحرك التالي في 5 حزيران. والتهجم على وزراء دون غيرهم في الحكومة السابقة كان ايضا رسالة الى من يعنيه الامر، اي الداعم واللاداعم في الوقت عينه.

اما اتهام أحد المصارف بالتعاون مع الحزب وتبييض الاموال فكان ايضا رسالة بادر لبنان الى تلقفها. والقبض على عملاء مفترضين لم يحاكموا شكل ايضا رسائل بين اجهزة في الداخل والخارج.
وهل ننسى زيارة رئيس الوزراء التركي الى الشمال ردا على زيارة الرئيس الايراني الى الجنوب؟ وهل ننسى التعاون مع قطر في مواجهة الدعم السعودي؟ وهل ننسى الدعم للثورة ، اذا جازت التسمية، في البحرين واعتبار ما يجري في سوريا اعمالا تخريبية، والعكس صحيح ايضا لدى الفريق الاخر.

ترى ماذا يريدون؟ لقد تحول لبنان اكثر من رسالة، بل علبة بريد لكل القوى الاقليمية والدولية، ومعه حولوا أناسهم ومؤيديهم وقودا يزجون بهم في اتون المعارك والرسائل، كما حصل قبل ايام في طرابلس، فيموتون ويجرحون، ثم تعود المياه الى مجاريها باتفاق فوقي لا يقيم للفقراء اي اعتبار. الا يمكن ان تكون الرسائل غير دموية في هذا البلد الصغير الذي سالت فيه دماء كثيرة ، وكلها فداء لبلد لم يتحول وطنا بل حولوه مصاص دماء. ترى هل من يسمع ويقرأ؟ والاهم هل من يفهم ويكون مسؤولا بالفعل لا بالقول فقط؟

السابق
14 آذار: ضائقة شعارات
التالي
بري وحزب الله: تفريط وإهمال