المطلوب من عون أن يتذكّر·· لا أن يتنكّر!!

الوضع المتفجّر بين باب التبانة وبعل محسن لا يمكن عزله عن حالة الاحتقان السياسي والمذهبي السائدة في البلد منذ فترة، والتي ما زالت قابلة للتفجّر والاشتعال عند أول هبّة رياح ساخنة، فكيف إذا كانت الشرارة نارية ومن نوع الثقيل!

لا بد من الاعتراف بأن الصراعات المحتدمة بين طرفي 14 و8 آذار قد أدّت إلى انقسامات عمودية خطيرة في الجسد اللبناني، زرعت التوتّر في الشارع، وباعدت بين مواطني المنطقة الواحدة والحي الواحد، ووضعت البلد وأهله فوق برميل بارود قابل للاشتعال عند أول <إشارة نارية> تأتي من الخارج·

وإدراكاً لأبعاد هذا الواقع المؤسف والمرير، لم يُفاجأ كثير من اللبنانيين بالاشتباك العنيف الذي ألهب جبهة التبانة – بعل محسن، الذي اعتبره البعض بمثابة <بروفة> لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع في لبنان، وخاصة في الفيحاء والشمال، في حال استمر التدهور في الوضع السوري، ووصلت المواجهات بين تظاهرات الاحتجاجات وقوات النظام الى نقطة اللاعودة·

وعوض أن تبادر الحكومة والقوى السياسية الأخرى إلى لملمة الوضع بسرعة، وتطويق الاشتباك والقضاء على ذيوله فوراً، سادت لغة الاتهامات المتبادلة مكان المشاورات العاقلة، وراح كل فريق يحمّل الآخر مسؤولية ما حصل، وكأن الطرفين غريبين عن أورشليم، ولا يدركان خلفية ما حصل في تلك الليلة الظلماء، التي حصدت قذائفها العمياء أرواح الأبرياء، وسفكت دماء العشرات·

الواقع أن اللبنانيين لم يكونوا بحاجة لاشتباك التبانة – بعل محسن الملتبس، ليدركوا ان البلد يدور في دوامة مخيفة من الصراع الداخلي، يزيدها احتدام الصراع الاقليمي الدولي حولنا، وعلى ساحتنا، حدّة وتعقيداً، خاصة بعد دخول الاحداث الجارية في سوريا حلبة الخلافات اللبنانية المستعصية، وانقسام اللبنانيين بين مؤيّد للاحتجاجات، وبين مُدافع عن النظام·

ورغم كلام رئيس الحكومة المتكرر عن الابتعاد عن ممارسات الكيدية والانتقام في إدارة شؤون البلاد والعباد، يصرّ شركاء أساسيين في الحكومة الميقاتية على التمسك بعقلية الهيمنة والتفرّد، وتذكير الناس دائماً بأن ما حصل هو انقلاب سياسي، أسفر عن فريق منتصر هو تجمع 8 آذار، وآخر مهزوم هو 14 آذار!

وخطاب ميشال عون الاخير أمام أنصاره في كسروان كشف مشاعر الحقد والضغينة ضد شريك أساسي في الوطن، وتجاوز الخطوط الحمراء التي أرست قواعد العيش الواحد، ووضعت توازنات المعادلة الطائفية الدقيقة والحسّاسة التي حفظت وحدة البلد والشعب في أصعب المراحل، وفي أشد الأزمات تشابكاً وتعقيداً·

فالرجل المسكون بهاجس التفرّد بالسلطة، على غرار تلك التجربة السوداء لحكومته العرجاء عامي 1988 و1989، يحاول تصوير نفسه وكأنه هو وحده صاحب المشروع الانقلابي الاخير الذي أطاح حكومة الوحدة الوطنية، وجاء بحكومة اللون الواحد·

والجنرال <الحالم> بالرئاسة الاولى، منذ سكن قصر بعبدا عنوة، ثم اغتصب السلطة ومقر الرئاسة الأولى عمداً، يعتبر نفسه المنتصر الأكبر على زعيم طائفة كبرى، ورئيس أكبر كتلة نيابية، ويريد له ان يذهب ولا يعود، لانه قطع له <تذكرة باتجاه واحد>، One way ticket··! وهذا الرافض للطائف، والمنقلب على صيغة الوفاق الوطني، ودستور الجمهورية الثانية، ما زال يغلي شوقاً للثأر من اتفاق الطائف ومرجعياته الاسلامية والمسيحية بدءاً بالرئيس رفيق الحريري وصولاً الى البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، لان اتفاق الطائف وضع حدّاً لمغامراته العسكرية في <التحرير> و<الإلغاء>·

وعون الذي استسهل تدمير بيروت للمرة السابعة خلال قصفه الهمجي للأحياء السكنية في العاصمة إبان <حرب التحرير> يرفض الاعتراف بما حققه الرئيس الشهيد رفيق الحريري في إعادة اعمار بيروت، وإعادة النبض الى قلب العاصمة، ونفض غبار الحروب العبثية عن جبين الوطن الجريح، الذي ما زال يعاني من تسلّط منطق السلاح على نظامه الديمقراطي·

من نافل القول التأكيد بأن استمرار هذا التصعيد الأمني والسياسي من جانب قيادات بارزة في الأكثرية الجديدة، ومن قيادات تشارك في الحكومة، وتحاول مزاحمة رئيسها على السلطة وإدارة الأمور، أن من شأن هذا التصعيد أن يُجهض فترة السماح التقليدية للحكومة، ويُسرِّع خطوات التوتير في الداخل، ويستعجل المواجهة مع الخارج، وكأننا أمام مشهد إنتحاري للسلطة الجديدة، هو أشبه بالحالة التي كانت عليها حكومة عون التي خاضت سلسلة من الحروب الداخلية والمواجهات الخارجية، ونشرت الخراب والدمار في بيروت والجبل وكسروان، قبل أن ينتهي الأمر بعون إلى المنفى، بعد سقوط مئات الشهداء من الجيش في دفاعهم عن قصر بعبدا، قبل أن يغادره <الجنرال> لاجئاً إلى السفارة الفرنسية، تاركاً عائلته وجنوده وحدهم على أرض المعركة!·

إن الظروف الإقليمية الحرجة التي تضغط على الوضع اللبناني، خاصة بعد التطورات الأخيرة في الأحداث السورية، تفرض على أهل الحكمة والعقل تغليب لغة التهدئة على خطاب التصعيد والتوتير، والعودة إلى الحوار بدل التراشق بالاتهامات، والعمل على تصليب الجبهة الداخلية وحمايتها من الاهتزازات الإقليمية، وتداعيات حراك الثورات العربية، عوض زيادة الهوة بين اللبنانيين، والانزلاق نحو هاوية الصدامات الداخلية، التي سيخرج منها الجميع خاسراً·

لقد أثبتت تجارب الماضي، البعيد والقريب، أن سياسة التحدي لا تحقق استقراراً، ولا تزرع ازدهاراً، وأن لا أحد يستطيع أن يُلغي أحداً في لبنان، ولا يمكن لأي فريق أو طرف أو طائفة أن تأخذ مكان فريق أو طرف او طائفة أخرى، وميشال عون شخصياً يُدرك هذه التجربة عند إبعاده إلى المنفى، حيث لم يستطع خصومه بالأمس، حلفاؤه اليوم أن يلغوا تياره، ولا أن يأخذوا مكانه، رغم كل ما كان عليه من قوة وجبروت·

ولعل المطلوب من عون اليوم أن يتذكر تفاصيل إبعاده ونفيه لا أن يتنكر لمرحلة الإعمار والازدهار التي عاشها لبنان مع حكومات رفيق الحريري!·

السابق
اللواء: السنيورة مع ميقاتي إذا نزع السلاح من طرابلس فوراً وعون يريد استرجاع الأمن العام … ورئيس كتلة المستقبل يدعوه للرحيل
التالي
الحياة: عن قيادي معارض مواجهتنا الحكومة ستبقى سلمية والأكثرية شريكة لسورية في السياسة والأمن