12 حزيران بين تركيا وإيران

الأحد 12 حزيران، لم يكن حدثاً تركياً، كما انه قبل عامين وفي اليوم نفسه لم يكن حدثاً إيرانياً فقط. بلا مبالغة، في هذين اليومين، جرت صناعة حدثين شرق أوسطيين وعربيين ولبنانيين. الحدث التركي وقبله الإيراني، تركا بصمتيهما على صناعة التطورات العربية وخصوصاً اللبنانية. تعود مصر الى موقعها كاملاً ودورها الفاعل والمؤثر بكل حيثياته وتفاصيله. ستبقى عملية رسم المسارات في أنقرة وطهران.

الانتصار المدوّي لحزب "العدالة والتنمية" بزعامة رجب طيب اردوغان في الانتخابات التشريعية، يعني فعلاً لا قولاً "دمشق وبيروت وفلسطين"..

أردوغان وضع لانتصاره "ساقين قويين متوازنين" يجمعان بين سياسته الداخلية التي تعاملت مع المجتمع التركي بفهم كامل لمروحته السياسية والاجتماعية الغنية، المتعلقة بالحرية والديموقراطية، وبعيداً عن القيود الحزبية الضيّقة التي كلما طال الزمن عليها حوّلت الحزب إلى "مومياء" لا علاقة لها بالواقع وكيفية التعامل مع الحاضر تمهيداً لبناء المستقبل.

داخلياً، أكد الأتراك أنهم "نضجوا" بعد حوالى عقدين من الانخراط في حركة تغيير بطيئة وثابتة حفظت للمؤسسة العسكرية كرامتها بعد أن عملت على إخراجها من صناعة القرار وتنفيذه. المجتمع التركي الناضج، كافأ أردوغان وأعطى حزب "العدالة والتنمية" في كل من الدورات الثلاث نسبة إضافية تؤكد انه يستحق الثقة، لأنّ سياسته إيجابية وتصب في مصلحة تركيا والأتراك بجميع فئاتهم وشرائحهم. لكن الأتراك لم يعطوا أردوغان ثقتهم المطلقة لأنهم أرادوا الاحتفاظ بحقهم في الرقابة الكاملة على صناعة مستقبلهم لدى صياغة الدستور الجديد. هذا النضج هو الذي يجعل المجتمع التركي "بيضة القبان" ورقيب الأحوال على حركة أردوغان "السلطوية" وحزب "العدالة والتنمية" أيضاً. الأتراك يخشون، كما أثبتت التجارب في الشرق الأوسط، على الحزب من الترهل والانزلاق نحو الفساد، كلما طال إمساك القادة والأحزاب بالسلطة دون رقابة ولا مراجعة شعبية.

عدم منح الأتراك أردوغان الأغلبية المطلقة حتى لا تخوله تمرير الدستور الجديد وحده بلا شريك. الصوت التركي رسم بشكل واضح خطوطاً حمراء لا يمكن لأردوغان ولغيره القفز فوقها. أولى نتائج هذا القرار الشعبي ان على أردوغان أن يتحاور وأن يسمع وأن يأخذ برأي المعارضة في المضمون وليس الشكل. بهذا لا يكون الحوار وسيلة ولا ستاراً لسلطوية مبغوضة وإنما ممارسة فعلية لتثبيت الديموقراطية في أبهى صورها وتأكيداً لدورها في صناعة السلم الأهلي على طريق التقدم والنمو الفعليين.

تركيا مثال ونموذج حقيقي لـ"ثورات الربيع" العربية. حزب "العدالة والتنمية" الذي هو جزء من حركة "الاخوان المسلمين"، لم يخف حتى الليبراليين من الشباب العربي. الانفتاح والتحرّر وحتى تعميق الليبرالية في التجربة التركية أصبحت كلها تغري ولا تنفّر. الإسلام السياسي في التجربة التركية ليس قيداً لأنه خرج من الشكليات والشعارات. عرف حزب "العدالة والتنمية" بزعامة أردوغان كيف يحافظ على الأسس الإيجابية للإسلام السياسي الذي أخذ بها ولينطلق بسرعة "القطار السريع" على خط عصر العولمة والانفتاح على العالم، وفي الوقت نفسه أن يعود إلى واقعه بعد أن أبعدته الليبرالية والتغرب الزائدين عنه، في محاولة فاشلة لإلحاق جسده بعقله.

أما في إيران، فإنّ الذكرى الثانية لانتخاب أحمدي نجاد، أكدت كم ان
الغرق في الشكليات والعمل على تحويل الغيبيات الى مسارات تحكم حركة الدولة بكل مؤسساتها وتعاملاتها مع الخارج، قد انتج بدل "الشرخ" الذي وقع في 12 حزيران 2009 بين الإصلاحيين والمحافظين، إلى "شرخ جديد يشكل خطراً" على الجمهورية الإسلامية في إيران. الشرخ الجديد خطير لأنه ايديولوجي يصيب قلب الجمهورية. الصراع حالياً بين المحافظين المتشددين و"التيار المهدوي" الذي يطلقون عليه "تيار الانحراف"، يهدد علاقة إيران مع الخارج من جهة، وعلاقة حلفائها معها.

إجبار القوى الحليفة لها الخيار بين "ولاية الفقيه" والالتزام بتيار "المهدوية" الذي يلغي "الجمهورية" فعلاً الذي له من الأسس الكافية في صلب الفكر الشيعي، محرج للجميع.

التجربة الديموقراطية والحزبية في تركيا محفزة وجامعة ومحرضة للثورات العربية على الأخذ بها "نموذجاً" يجري العمل بها. بينما التجربة الإيرانية المنزلقة بفعل الانغلاق الايديولوجي من جهة والانحياز لمصالح الدولة بعيداً عن التماس حقيقة النبض الشعبي تحت حجّة واهية هي المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية أضعفت وتضعف إيران.

لو خيّر اللبنانيون بين التجربتين التركية والإيرانية، لاختار أكثر من نصفهم الأولى على الثانية. خطابات الممانعة والتحريض و"شيطنة" الآخرين لم تعد منتجة لأنها ليست إيجابية. اللبنانيون مثلهم مثل كل العرب يريدون أفعالاً وليس أقوالاً.

السابق
المستقبل: رئيس الحكومة يعترف بأن صاحب السلاح هو صاحب الأكثرية في التشكيلة وأن بري عدّلها وحزب الله يعطي ميقاتي وزير دولة ويأخذ منه الدولة
التالي
اللواء: 16 وزيراً جديداً و8 عادوا من حكومة الحريري و7 وزراء للسنّة ترضية لعمر كرامي