في حكومة… ما في حكومة!

وجد سليمان أن عهده يكون أفضل بلا حكومة (أرشيف ــ مروان طحطح)بعد خمسة أيّام على لقاء «الثمانية الكبار» في مجلس النواب وارتفاع مستوى التفاؤل بقرب تأليف الحكومة، عاد الكلام على عدم نضوج حكومة نجيب ميقاتي، وأن كلّ ما يجري هو إمرار للوقت في انتظار تسويات إقليميّة 

من ينتظر تأليف الحكومة بين اللبنانيين هو مثل صبيّة تحمل وردةً وتزيل ورقة تلو الأخرى وتقول: «يُحبني. لا يُحبّني». تتسلّى الصبيّة وتُرضي نفسها، أو تُعيد الكرّة مع وردةٍ أُخرى لتكون النتيجة ملائمة لها، لكن الأكيد أن هذه الطريقة لا تُعطي جواباً صحيحاً، بل هي مجرّد لعبة لتمضية الوقت وإرضاء الذات. هذه هي حال اللبنانيّين مع حكومتهم. فبعد خمسة أيّام على حقن المورفين في لقاء «الثمانية الكبار» في مجلس النواب، ارتفع مستوى الأمل بقرب التأليف. الجميع يرغب في تأليف الحكومة لانتشال البلد من الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة التي يتخبّط فيها. هذا في الشكل، أمّا في المضمون، فإن عدّة جهات داخليّة وخارجيّة لا يُناسبها هذا الأمر، بعضها فاعلٌ في عمليّة التأليف وبعضها الآخر يملك قدرة الضغط.

بحسب عدد من المتابعين الدقيقين لعمليّة التأليف، يُمكن وضع الجانب السوري على رأس هذه القوى، إذ تتلاقى رغبته هذه مع رغبه الرئيسين نجيب ميقاتي وميشال سليمان. بالنسبة إلى الإدارة السوريّة، فهي لا ترغب أبداً في فتح أبواب إضافيّة لتوتّر في العلاقة مع السعوديّين والمجتمع الغربي والأميركيين. ففي ظلّ حملة الضغوط المستمرّة على النظام والتوجه إلى مجلس الأمن في أكثر من ملف، فإنه لا مصلحة للنظام السوري باستفزاز أي أحد في المقابل.

وفي الوقت الذي يسعى فيه النظام إلى مصالحة بعض من اختلف معهم، إذ يسمع من يزور العاصمة السوريّة كلاماً عن عودة الأمور إلى مسارٍ إيجابي مع تركيا، لا يُمكن تخيّل أن دمشق ستدعم استمرار خطوات التحدي للأتراك والقطريين في لبنان. وبحسب عددٍ من العارفين بتفاصيل الرسائل المتبادلة بين دمشق والدوحة، فإن كلام أمير قطر حمد بن خليفة عن خيانةٍ تعرّض لها من الرئيس السوري بشار الأسد، هو إشارة إلى الوعد الذي تلقّاه وزيرا خارجيّة تركيا وقطر، حمد بن جاسم وأحمد داوود أوغلو في دمشق، بإعادة تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة في كانون الثاني من العام الجاري. وعندما وصل الرجلان إلى بيروت، سمعا رفضاً واضحاً من حزب الله لهذا الأمر. وعند مراجعة الجانب السوري سمعا كلاماً مفاده أن دمشق لا تتدخّل في الشأن الداخلي اللبناني. وهو ما اعتبرته تركيا وقطر حينها ضربةً مؤلمة من سوريا، وخصوصاً أن هاتين الدولتين كانتا قد حصّلتا من رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري قبولاً بالمطالب السوريّة، وهي الورقة التي أعلنها رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط في ذلك الوقت في مؤتمر صحافي.

وينقل زوّار العاصمة السوريّة معلومات عن اتفاق يجري الإعداد له بين دمشق وأنقرة، وقد يكون الملف اللبناني جزءاً منه، من دون أن تكون عودة الرئيس سعد الحريري بشخصه شرطاً أساسياً. يُضيف هؤلاء أن الولايات المتحدة تُمارس ضغطاً كبيراً على سليمان وميقاتي لعدم التأليف، فيما تُعلن دمشق لجميع زائريها أنها تؤيّد التأليف، لكنها لا تؤيد أي ضغط واضح لمواجهة الضغط الأميركي.

إلى جانب العامل الخارجي، سوريّاً كان أو أميركيّاً، ثمة من لا يرغب في الداخل في تأليف الحكومة، وعلى رأس هؤلاء رئيس الحكومة المكلّف، إذ تُشير بعض المعلومات إلى أن ميقاتي ذهب إلى طرح نفسه رئيساً للحكومة بعد اتصالٍ بالأمير السعودي عبد العزيز، نجل الملك السعودي، فهم منه أن السعوديّة تؤيّد تكليفه. لكنّ ميقاتي تلقّى قراراً سعودياً واضحاً بقطع العلاقة معه، تماماً كما جرى مع النائب وليد جنبلاط والوزير محمد الصفدي، وإن كانت أوساط ميقاتي لا تزال تنفي هذا الأمر. لذلك، بحسب بعض العارفين بميقاتي، فإنه لا يرغب في مواجهة كاملة مع السعوديّة، إلى جانب الضغوط الأميركيّة التي يتعرّض لها. ولهذه الأسباب فهو لم يكن يوماً متحمّساً لإيجاد الحلول للعقبات التي واجهته، بل انتظر الآخرين ليجدوا هذه الحلول. أمّا في ما يخصّ رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان، فيبدو أنه وجد أن عهده يكون أفضل بلا حكومة. ويتحدّث بعض الذين تواصلوا معه خلال مفاوضات التأليف، أنهم وجدوا فيه شخصاً غير متحمّس لتأليف الحكومة، وهو الذي يتعرّض لضغوط أميركيّة أيضاً.

لهذه الأسباب، يرى عدد من المتشائمين أن تأليف الحكومة ليس في القرب الذي يظنّه البعض. ويقول أحدهم بحدّة، إن فريق الأكثريّة الجديدة يُريد أن يقول للبنانيين إن تأخير التأليف كان سببه رفض الجلوس معاً، وإن مجرّد لقاء في مجلس النواب كان كفيلاً بحلحلة الأمر. ويذهب آخر من المتشائمين إلى وضع خلاصة مفادها أن تكليف ميقاتي حصل في زمن غير الزمن الذي نعيشه اليوم. فلا الثورة المصرية كانت قد بدأت فعلياً، والنظام السوري كان مرتاحاً، إضافة إلى أن التوتر الإيراني ـــــ السعودي لم يكن قد وصل إلى ذروته الحالية. في المحصلة، الظروف الإقليمية والدولية التي كُلّف ميقاتي في كنفها لم تعد موجودة.

في المقابل، لا يزال أصحاب نظريّة التفاؤل عند موقفهم، وإن كان بعضهم يُقرّ بحصول بطء في عمليّة المفاوضات في اليومين الأخيرين، ويعزو الأمر إلى عطلة نهاية الأسبوع. ويُصرّ أحد هؤلاء على أن المسؤولين السوريين يُريدون تأليفاً سريعاً للحكومة، من دون أن يتدخّلوا في التفاصيل، من أجل التفرّغ لوضعهم الداخلي والاطمئنان إلى عدم وجود خاصرة رخوة على حدودهم الغربيّة.

السابق
الأزمة السورية والمخاوف اللبنانية
التالي
الطيور المهاجرة تعاني من التمدد العمراني!