الآبار الارتوازية..على عينك يا قانون

في أواخر 2009، منع وزير الطاقة والمياه، في حكومة تصريف الأعمال، جبران باسيل، منح الرخص لحفر الآبار الارتوازية نهائياً، قبل أن يعود عن قراره في مطلع 2010، بشروط يصفها مواطنون بـ «التعجيزية»، بينما يصر الوزير عليها حفاظاً على مخزون لبنان من المياه الجوفية. خلف الأمر «أزمة» مياه، يجترح لها المواطنون حلولاً «تقليدية»، تبرز فيها قوى الأمن الداخلي لاعباً رئيساً

كان أيّ متقدم للحصول على رخصة لحفر بئر اتوازية ينالها. يصف مستشار وزير الطاقة والمياه، في حكومة تصريف الأعمال، عبدو الطيّار، الآلية التي كانت تجري بها الأمور، بـ«الغابة». ومن هنا، جاء قرار الوزير، في أول العام الفائت، بتنظيم الرخص، لكنّ، المواطنين العاديين، لم «يهضموا» القرار. اعتراضاتهم تتفاقم. يرون آباراً تولد أمام عيونهم، من دون أن يفهموا الآلية الجديدة للرخص. تقمعهم قوى الأمن الداخلي أحياناً بوصفهم «مخالفين»، فيما تمر «مخالفات» أخرى أمامهم «وعلى عينك يا قانون». الأمر المؤكد أن محاولات الوزير للتنظيم تعاني ضعفين رئيسين. أوّلهما، عدم القدرة بعد على إقناع المواطنين بضرورة اللجوء إلى مصلحة مياه لبنان، عوضاً عن «أخذ حقهم بيدهم»، وثانيهما، عجز الوزارة عن متابعة «قمع» الآبار «غير الشرعية». وفي هذا الصدد، أكد الطيّار، أن وزارة الطاقة، لا علاقة لها قانونياً بقمع المخالفات. الأمر موكل إلى قوى الأمن الداخلي. فما الذي يحدث بين الناس والمؤسسة الأمنية؟

«عقيد وطلوع»

تتركز أكبر كمية من المشكلات بين الناس والقوى الأمنية في الضاحية الجنوبية لبيروت. بعد أزمة البناء غير الشرعي، أخيراً، انكشف حجم «الالتباس» بين الفريقين. واليوم، يطرق الصيف أبواب المنطقة المكتظة، وفي كثير من الأحياء، لا مياه. الناس يريدون آباراً، وقوى الأمن يجب أن تقمع. يتحدث رهيف المقداد، صاحب أكبر مؤسسة تتعهد حفر الآبار الارتوازية في الضاحية عن الأزمة. بعد قرار الوزير بمنع الرخص «شح» عمله، وتالياً، «شحت» المياه في منازل المنطقة. يحيّد المقداد القوى الأمنية عن الأزمة، رغم أن وحداتها حجزت 5 آليات ضخمة تخصه، بعدما تبين أن التنقيب الذي كانت تقوم به «غير شرعي». كلفه الأمر الملايين لإخراج معداته من الحجز. وقيمة «الضبط» ليست ثابتة. قد تصل إلى مليوني ليرة لبنانية لإخراج الآلية الواحدة. يعود ذلك إلى القاضي المسؤول. في رأيه، «المشكلة عند باسيل». يؤكد أنه طوال الفترة السابقة (قبل 2010) كان يرفض التنقيب إلا في ظل وجود رخصة من وزارة الطاقة والمياه. اليوم، يضطر الرجل إلى التخلص من عبء الرخصة عن كاهله، يلقيه على الجهة التي تريد البئر. كانت الرخصة تكلف 250 دولاراً (معظم المبلغ للسماسرة) واليوم تكلف «أكثر بكثير». وتبعاً لما ينقله أحد هؤلاء الذين يعانون لـ«الحصول على رخصة»، فإن آلية الحفر بطريقة شرعية معقّدة هي الأخرى.
حتى في القفز عن القانون هناك خطوات يجب اعتمادها لضمان «سكوت» رجال الأمن عن المخالفة. يروي الرجل سيلاً من الخطوات «التي لا يستطيع تأمينها». قد يسكت «الدرك»، فتأتي «جماعة الاستقصاء». وإذا مر «قطوع» الاستقصاء بسلام، فلا مهرب من «المعلومات». بات الرجل خبيراً في عمل القطعات في قوى الأمن. وأحياناً، ينجو القانون من الانتهاك بسبب هذه التركيبة المعقدة داخل قوى الأمن الداخلي. أحياناً تُقمع المخالفات صدفةً إذا «فسّدت» وحدةُ أمنية على أخرى. «لا شيء مضموناً»، يقول الرجل، مردفاً: «عقيد وطلوع». يقصد أن المخوّل توليف «تغاضٍ تام» عن المخالفة، يجب أن يكون قادراً على ربط هذه القطعات بعضها ببعض. فمنطقياً، الفصيلة الأولى المكلّفة تطبيق القرار هي الوحدة الإقليمية في «الدرك»، الأقرب إلى مكان البئر. وعادةً، يعرف المواطنون العاديون هذه الوحدة بالـ «المخفر». الوحدات الأخرى بمثابة المراقب. مهمتها التحري وجمع المعلومات، ولكن، بسبب «الحسابات» الداخلية في قوى الأمن الداخلي، تتحول الوحدتان الأخيرتان إلى «عين ساهرة» على الأولى. وتتنوع الحوادث التي «تُحبط» فيها قوى الأمن الداخلي مخالفات حفر الآبار، نظرياً، فيما تكون، عملياً، قد أحبطت «تغاضي» إحدى وحداتها عن الأمر في الأساس. وأسباب التغاضي، نقلاً عن مواطنين، ليست كثيرة. سببان لا ثالث لهما: «الواسطة» أو الرشوة.

الضابط «الشهير» في الضاحية

«الواسطة». المفتاح. كلمة السر. سمّها ما شئت، لكن مفعولها «السحري» ما زال «الأنفذ». على طريق المطار القديمة، ترتفع لافتة عملاقة، مذيّلة بتوقيع «أهالي المنطقة»، كُتب عليها «نشكر حركة أمل على مساهمتها في تنظيف البئر». يبدو أن «الحركة» أسعفت «الأهالي»، لكن ليس للجميع من «يسعفهم» دائماً. فالمقداد، المتابع اليومي لشؤون الآبار، يجزم بأن حزب الله وحركة أمل «رفعا الغطاء عن جميع عمليات التنقيب غير الشرعية، إلا إذا كان الأمر يعود إلى أمور خيرية كمسجد أو حسينية»، ذاكراً حادثةً شهيرة في برج البراجنة، قبل عام تقريباً، عندما توجهت 14 عائلة، واعتصمت أمام المخفر. لم تغيّر الأمهات والأطفال شيئاً. أصرت قوى الأمن على رفضها بحجة «أنها تنفذ القوانين»، لكن القوانين سقطت أكثر من مرة في الضاحية. في المريجة، مثلاً، يتحدث مواطن هناك عن «تعزيل» إحدى الآبار، بعد «رشوة» أحد الضباط. يشرح أن الضابط أخذ ألفي دولار أميركي، لقاء «التطنيش»، وتسهيل تعزيل البئر، في موعد لا تستطيع فيه الوحدات الأخرى اكتشافه. ويستفيض متهماً الضابط المذكور بابتزاز المواطنين، علماً أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، عينت بديلاً له في موقعه أخيراً، بعد سلسلة من التحقيقات. وغالباً، لا تكشف التحقيقات كامل التفاصيل، إذ إن «حدود» الواسطة قد تبلغ مبلغاً… رفيعاً. في إحدى الحالات، التي يصفها «ناقلها» بالمعروفة، اتصل نجل سياسي كبير بالضابط «الشهير». «وبّخه» على «ابتزاز» المواطنين، مذكّراً إياه بأن «الجهة التي عينته في موقعه غير موافقة على تصرفاته». وفعلاً، «انصاع» الضابط، ومر التعزيل بسلام. تعزيل «رومنسي» تحت ضوء القمر؛ ومن دون رخصة طبعاً.
هذا لا يعني أن المديرية العامة في قوى الأمن الداخلي راضية عن سير الأمور، وعن التشابك الحاصل بين «الضغوط السياسية» ومهمّات العسكريين. فلأكثر من مرة، فتحت المديرية تحقيقاً في «الشائعات» التي يتداولها المواطنون عن رشى يتقاضاها رجال أمن لعدم تطبيق القانون، لكن، حتى هذا التيار الملتزم بالقوانين في المديرية، لا يبدو «مقتنعاً» كثيراً بطبيعة قرار باسيل، لكنهم يطبقونه حفاظاً على ما بقي من سمعة قوى الأمن الداخلي. وقد أكد مواطنون زاروا المدير العام لقوى الأمن الداخلي، أشرف ريفي، أن الأخير أبدى «تعاطفاً» واضحاً مع قضيتهم، ملمّحاً إلى إمكان «حلحلة» بعض القضايا، إذا كانت «تتعلق بعائلات كبيرة ومشكلات إنسانية»، مبدياً أسفه لعدم قدرة المؤسسة على التغاضي عن «المخالفات التي قد يقوم بها أفراد». ينقل المواطن أن ريفي نصح الوفد «بمحاولة زيارة مصلحة مياه لبنان والحصول على الرخص قانونياً». و «النصيحة بجمل» في هذه الأيام العصيبة.

الطلبات عبر «ليبان بوست» أضمن!

يعتقد كثير من المواطنين، ممّن التقتهم «الأخبار»، أن قرار منع حفر الآبار الارتوازية، ما زال سارياً، منذ أواخر 2009، علماً أن وزير الطاقة والمياه، في حكومة تصريف الأعمال، جبران باسيل، عاد وحدد آلية جديدة للحصول على الرخص في مطلع 2010. وأوضح مستشار الوزير، عبدو الطيّار، أن على المواطنين زيارة موقع الوزارة على الإنترنت للحصول على نماذج الطلبات وفقاً لوجهة الاستعمال، إضافةً إلى هوية شركات التدقيق المعتمدة، وتأمين المستندات المطلوبة، تمهيداً لتقديم الملف كاملاً إلى شركة التدقيق المختارة، وتسديد البدل المتفق عليه. وتتولى شركات المراقبة دراسة الملف والكشف الميداني على موقع البئر المقترح، قبل وضع تقرير عن الموقع، وعن بُعده عن الآبار العامة والينابيع، وتقديم تعهّد أنه في حال منح صاحب العلاقة الإيصال أو المرسوم، فإن الشركة ستُجري كشفاً على الموقع لاحقاً عند تقديمه طلب الاستعمال، أو عند تكليف الوزارة لها الكشف بعد انقضاء سنة على منح الإيصال. وبعد تسلّم المتقدم التقرير، يرسل الملف إلى الوزارة عبر «ليبان بوست» حصراً، فالوزير «لا يثق بجميع موظفي الوزارة».

السابق
ربيـع الشعـوب العربيـة
التالي
بشرتك رونقك … حافظي عليها