ميقاتي.. الامتحان الأخير

بعد أن تخطى لقاء الرئيس نجيب ميقاتي مع العماد ميشال عون سريعاً مرحلة كسر الجليد ليدخل في محاولة حل العقد الحكومية القائمة بينهما، سرعان ما استكملت المحاولة بلقاء مسائي جمع ميقاتي والوزير جبران باسيل.
وإذا ما صحت المعلومات المتداولة أمس بأن اللقاءين أنهيا كل الخلافات بين الطرفين، فإن السؤال البديهي اليوم يصبح: متى تشكل الحكومة الميقاتية؟ وإذا أراد أحد «المتوجسين» إعادة صياغة السؤال، فإنه يصبح على الشكل التالي: «بما أن العقد الداخلية انتهت جميعها، فهل علينا من الآن وصاعداً انتظار الموافقة الخارجية»؟
ينطلق السؤال من زاوية تشكيك بعض الأفرقاء بعدم استعجال ميقاتي التشكيل. ومن هذه الخلفية فإن كل ما يسمعه هؤلاء عن حلحلة حكومية من هنا أو انفراج من هناك، لا يعني لهم أكثر من مجموعة من الحلقات الناتجة من رمي بحصة في مياه راكدة، سرعان ما تختفي وتختفي معها الحلقات.

وبرغم أن أوساط ميقاتي ترفض وجهة النظر هذه رفضاً مطلقاً اعتماداً على ثابتة واضحة تؤكد أن كل يوم تأخير يجعله يخسر من رصيده أكثر مما يربح، إلا أنها لا تنفي أن ثابتة أخرى لا بد من أن تؤثر في التشكيل وهي المصالح الخارجية، التي لا يختلف اثنان انها من ثوابت العمل السياسي في لبنان، وليست حكراً على عملية تشكيل الحكومة الحالية، بل يضعها كل الأفرقاء في الحسبان الى جانب الاعتبارات المحلية.
عندما سُمّي ميقاتي لتأليف الحكومة، وإن كان للنائب وليد جنبلاط اليد الطولى في العمل على تسويق هذه التسمية داخلياً وحتى إقليميا، رفضاً لمرشح الأكثرية آنذاك الرئيس عمر كرامي، كانت قطر قبل ذلك تستمزج «الأمم» بين اسمين بديلين من الرئيس سعد الحريري. وعندما نجح جنبلاط في مسعاه بدعم من الرئيس نبيه بري، كان السيد حسن نصر الله أول المرحبين، حيث أكد لرئيس الحكومة المكلف آنذاك أنه سيسهل له عمله، ولا سيما في ما يتعلق ببندي المحكمة الدولية والمقاومة. بعد أخذ بركة السيد، كان من السهل أن يسمع ميقاتي مباركة سورية سعى إليها شخصياً.

رياح التحركات الشعبية لم تكن قد وصلت إلى سوريا آنذاك، ورغم ذلك لم يسمع منها أكثر من رغبة بعدم التدخل في التفاصيل، أما الولايات المتحدة المتضرر الأكبر من الانقلاب اللبناني، وبرغم كل ما قيل وما يقال حالياً عن تدخلها في إعاقة عملية التشكيل، فإنها اكتفت بضغط غير مباشر، عبر تكرار بيانها الممجوج من أن علاقتها بالحكومة الجديدة تتقرر بعد معرفة شكل الحكومة وموقفها من المحكمة الدولية. إلا أن ما حصل بحسب أحد المتابعين لموقف واشنطن، أن ميقاتي نفسه تبرع بإهداء الأميركيين موقفاً مفاده «إما أشكّل حكومة تشبهني أو لن أشكّل».

وبما أن حسابات بيدر ميقاتي لم تتطابق مع حسابات حقل الأكثرية الجديدة، لناحية ما يريد وما يريدون من هذه الحكومة، فإن صرف ما قاله للأميركيين لن يكون إلا سبباً واضحاً بالنسبة للمشككين برغبته بالتأليف، ومنهم التيار الوطني الحر الذي لا يترك فرصة سانحة إلا ويدعو فيها إلى النظر في الاعتبارات الخارجية بعدما أصبحت كل عناصر التأليف داخليا متوافرة. ويشير بعض نواب تكتل التغيير والاصلاح علناً إلى خطأ في حسابات الأكثرية عندما فرحت بانتصارها على «14 آذار»، وظنت أن حكومتها صارت قريبة، ولكنها سرعان ما وجدت أن ميقاتي خصم لا يهادن.

يحاول أحد نواب الأكثرية الجديدة تفهم ميقاتي: «ان رجل أعمال بحجمه لن يكون على غير ما هو عليه الآن، فشبكة أعماله الدولية تجعل الضعط عليه أمراً سهلاً، وهو كان قد خبره بعيد تسميته، عندما بدأت تنشر في بعض المواقع تعليقات تدعو لمقاطعة إحدى العلامات التجارية العالمية التي يملك أسهماً فيها. كما يجزم هؤلاء أن قضية البنك اللبناني الكندي تكشف عن استعداد غربي للضرب تحت الحزام متى أرادت أميركا، وهي رسالة كانت موجهة اليه، ولذلك نجد ميقاتي واقعاً بين حدي المطالب الداخلية المباشرة والمطالب الخارجية غير المباشرة».

في المقابل، وبرغم أن سوريا الغارقة في همومها لا تبدو مهتمة كثيرا بمسألة تشكيل الحكومة في لبنان، فإن أسئلة كثيرة تطرح عن مدى ترابط عدم التأليف مع الأحداث السورية. يرى أحد نواب «تكتل التغيير» أنه لا يمكن ميقاتي أن يشكل الحكومة قبل أن يعرف مآل الأمور في سوريا، بمعنى انه فيما يشهد النظام السوري ضغوطاً جدية تجبره على تقديم التنازل بعد الآخر، كيف له أن يهدي حلفاءه في لبنان تشكيلة حكومية لهم فيها الأغلبية. كما يرى هؤلاء أن استراتيجية ميقاتي تعتمد على الآتي: كلما تأخر التأليف أكثر كلما صار حلفاء سوريا مستعدين لتقديم المزيد من التنازلات التي تصب في النهاية في مصلحة هدفه الأول وهو حكومة جلها من الوسطيين المقبولين دولياً والقادرين على إحداث صدمة إيجابية داخلية، وبذلك يصل الى معادلة الحكومة التي تشبهه الى حد كبير.

غير أن أوساط ميقاتي تختلف مع هذه التحليلات، انطلاقاً من قناعتها بأن تشكيل الحكومة قد يكون صمام أمان ملزماً لمواجهة تداعيات ما يجري في المنطقة برمّتها وليس فقط في سوريا.
الواضح، بحسب متابعين، أن ميقاتي كان يعرف أن فرصته ليعود رئيساً للحكومة حصل عليها كونه يشكل رمزاً لتقاطعات عدة أو شخصية يصعب رفضها من تقاطعات محلية وعربية ودولية. إلا انها تشير الى أن مطالبه وشروطه الكبيرة التي فاقت طلبات الحريري نفسه عندما شكل الحكومة، توحي بأنه يضع في حساباته أنه لا يريد أن يكون رمزاً لمرحلة انتقالية بل أن يكون مشروعا تأسيسيا، «نعم على الأقل صار هناك من يقارن اليوم بين سلوكه كرئيس حكومة مكلف وسلوك سلفه سعد الحريري، أي أننا لم تعد أمام أحادية زعامة سنية في لبنان».

السابق
السفير: سوريا: اختبار جديد اليوم في الشارع … ومجلس الأمن
التالي
الطائف غير قابل للتعديل لكنّه يطبَّق بصيغ مختلفة