المنار يدخل المنافسة الدرامية الرمضانية بمسلسل «الغالبون

تدخل قناة «المنار» المنافسة الدرامية في رمضان المبارك المقبل من باب الانتاج المقاوم ويقف المخرج السوري، الفلسطيني الأصل، باسل الخطيب به على اعتاب حقبة زمنية جسدت تاريخاً راسخاً في ذاكرة الجيل الفتي وحقّقت انتصاراً تلو الآخر.
لعلّ ما نعيشه من تغييرات على امتداد العالم العربي يلقي مسؤولية مضاعفة على صنّاع الدراما التي لا تثبت صدقيّتها إلا من خلال الناس وتفاصيل حياتهم اليومية وتصوير معاناتهم وإرادتهم، في قالب حواري آسر يجذب المتلقي أيّاً يكن انتماؤه السياسي وخلفيته الثقافية، فلا أحد يستطيع رفض الواقع المدموغ بالتضحيات والحب والتجذر بالأرض التي تنبت رجالاً ونساء وأطفالاً لا تنضب قصصهم المتداخلة في نسيج اجتماعي شعبي يبلغ أقصى تجلّياته.

التداخل الاجتماعي والجغرافي والموقع الممانع يجعل الحضور السوري المطعّم بالأصول الفلسطينية شيئاً بديهياً، لذا قدم الدكتور فتح الله عمر السوري الجنسية رؤيته الدرامية التي تناول فيها البيئة الجنوبية الشعبية والمقاومة. ويضمّ مسلسل «الغالبون»
كوكبة من الممثلين اللبنانيين في مشهدية ضخمة من 35 حلقة تقارب الواقع اليومي لأهل الجنوب منذ بدايات الاجتياح «الاسرائيلي» للبنان عام 1982 الى عام 1985.
علي وفارس هما نواة الحكاية، شابان تجمعهما صداقة متينة، حصلا على منحة دراسيّة في فرنسا، لكن الاجتياح «الإسرائيلي» عام 1982 بدّل مسار حياتهما فاختارا البقاء على أرض الوطن الذي يستحق أن يحرّره رجاله بشجاعتهم وقدراتهم القتالية العالية.

ينخرط «علي» في العمل العسكري للمقاومة الذي يتطلب السرية المطلقة حتى على أهله وأقرب أصدقائه «فارس» الذي تشهد حياته أيضاً تحولاً جذريّاً بعد قراره البقاء في الجنوب، وتقلب قصة الحب التي تجمعه مع ـ»بتول» شقيقة «علي» الموازين وتدخله في صراعات اجتماعيّة صعبة ودقيقة. أما «علي» المقاوم فلا تقف حياته عند السلاح الذي يحمله في وجه المحتل بل يجد الحب أيضاً طريقه الى قلبه.
تتشابك الخطوط الدراميّة وتتوالى المشاكل بسبب غياب «علي» الدائم وملاحقته من قبل الاحتلال، وبسبب التغيّر الطارئ في تصرفات «فارس».
صراعات الحب والبغض، الصمود والتضحية، الاحتلال والمقاومة، المجازر والعمليات النوعيّة … خطوط درامية مترابطة ومتناسقة، تروي واقعاً تختلط فيه دموع الفرح والحزن، القوة والغضب.
في مقابل المقاومة الشعبية والعسكرية وقصص الحب يسلّط المسلسل الضوء على الأطماع «الإسرائيليّة» وأساليب العدو الهمجيّة، عارضاً نماذج من مخطّطاته لتفريق المجتمع واستدراج الناس نحو العمالة أو الاعتقال، وشعور المحتل بالعجز أمام إرادة المقاومين الأبطال. ويتطرق المسلسل الى ما حصل للشيخ راغب حرب الذي حاول الصهاينة التواصل معه ولم يتمكنوا من ثنيه عن قيادة مقاومة شعبية عارمة ترفض التطبيع والخضوع أمام الاحتلال.
في لقاء سابق لنا مع الخطيب، قال حول عمله « أعتقد ان «الغالبون» عمل يُشرّف أي مخرج عربي أن يقوم بإخراجه، وفي النهاية لا شيء في هذه الحياة من دون ثمن. أستطيع ببساطة ان أُخرِج عشرات المسلسلات التي يتسابق الجميع الى عرضها ويشاهدها الناس، لكني لن أشعر بأني أنجزت شيئاً مؤثراً. ما أفعله الآن هو للتاريخ، وهذا العمل يبقى وثيقة فنية وتاريخية يمكن أن يراها الناس بعد عشرين سنة وأكثر ويبقى محافظاً على قيمته. أعرف أن هذا يترتب عنه الكثير وقد أدفع ثمنه مخرجاً، لكني في النهاية أدرك خياراتي وأثق بها وأتعرض أساساً للمحاربة من بعض الفضائيات العربية التي لديها مآخذ على أعمال قدّمتها عن القضية الفلسطينية وأعمال اخرى ذات منحى اجتماعي وديني معين. أنا متصالح مع نفسي وأملك القدرة كي أنفذ قناعاتي ولا مشكلة لدّي مع أحد»

عبر هذا الرأي الصريح يمسي الأفق الفني والدرامي الملتزم عند مفترق طرق بين الوجود واللاوجود، خاصة أن فعل المقاومة يتصاعد بعدما سجّل الشباب اللبناني والفلسطيني والسوري موقفهم عند حدود فلسطين المحتلّة والأكيد أن صنّاع الفن الملتزم جاهزون في حال استدعت الأيام المقبلة أعمالاً درامية ترسّخ نهج النضال ومقاومة الاحتلال ما بعد «الغالبون» الذي يشّكل الركيزة الأساس في البناء الدرامي المرتبط بدفاتر المقاومة الإسلامية في لبنان ويسعى قادتها الى إظهار وجهها الفني والثقافي والاجتماعي للمتلقي العربي الذي خبِر حضورها وفعلها العسكري، ويبقى الحكم له في نهاية المطاف.

يُذكر أن المسلسل صوّر بين جنوب لبنان وبعلبك وبيروت وشيّدت له مواقع تصوير خاصة في عدد من المناطق اللبنانيّة، وضم نخبة من النجوم اللبنانيين بينهم عمار شلق وعبد المجيد مجذوب وأحمد الزين وفؤاد شرف الدين ووفاء شرارة وطوني عيسى ومازن المعضم ودارين حمزة وبولين حداد وبيار داغر وبيار جماجيان ويوسف حداد ومجدي مشموشي وخالد السيّد وكريستين شويري وعلي سعد وفيصل اسطواني وهشام أبو سليمان وعلي الزين وحسام الصباح.

السابق
أحمر شفاه
التالي
“البابلية” في الهوى والتاريخ: سريانية أم عراقية؟