هكذا يختار طلاب الإعلام مشاريع تخرجهم..

"أحب الثقافة". هكذا تشرح غفران مصطفى سبب اختيارها إعداد مجلة ثقافية لتكون مشروع تخرجها. "أريد أن أظهر أن هناك شبابا واعيا ومثقفا ولا تهمّه الأمور التافهة فقط". تتابع الحديث عن مشروعها بحماسة برغم أنها تسهب في ذكر المعوقات والصعوبات التي تواجهها خلال قيامها بهذا المشروع. وحال غفران من حال بقية طلاب كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، بفرعيها الأول والثاني.

مع اقتراب العام الدراسي من نهايته، ينهمك طلاب السنة الثالثة في كلية الإعلام في تنفيذ مشاريع تخرجهم، التي تخبئ لهم تعقيدات يكتشفونها في وقت متأخر أحيانا. كارلا بعينو مثلا تجد نفسها في برامج الأطفال، لذا اختارت القيام ببرنامج إذاعي لهم. وفيما تحاول غفران أن تجعل من مشروعها مرجعاً للآخرين، تعمدت كارلا الابتعاد عن الجدية وتقديم أمر مختلف. الفتاتان، ورغم كل العقبات التي تواجههما، تتفقان على أن أهم أمر في مشروع التخرج هو أن تكونا راضيتين في النهاية عما تقومان به.
لا تعرف غفران كارلا، ولم تلتق بها يوماً، إلا أنهما زميلتان في الكلية نفسها، لكن ظروف كل فرع قد تختلف عن الآخر، برغم أن جوهر المشكلات نفسه. فمعظم طلاب الفرع الأول يعملون على تنفيذ أفلام وثائقية، بينما يتجه طلاب الفرع الثاني نحو النشرات والبرامج التلفزيونية والإذاعية. ويميل طلاب كل فرع إلى الاعتقاد بأن طلاب الفرع الآخر يحظون بالاهتمام أكثر منهم، برغم أن حال أي منهما ليس أفضل من سواه.

ولكن ما سبب ميل طلاب "الفنار" إلى المشاريع الداخلية وذهاب طلاب "الأونيسكو" إلى الأفلام والتحقيقات الطويلة؟

تسارع تريز الحاج (37 عاما)، وهي من "قدامى الجامعة " كما تصف نفسها، إلى الكشف عن تخليها عن فكرة تقديم فيلم وثائقي لأسباب عديدة. فتكلفة مثل هذا العمل باهظة، كما أن طالب الإعلام لا يلقى تجاوبا من المؤسسات، ما يعقد مسألة بناء الموضوع، إضافة لعدم وجود المعدات التقنية التي تساعدها. فكل ما تقدّمه إدارة الفرع الثاني لطلابها هي 3 كاميرات ليست بالجودة المطلوبة للتصوير الخارجي.
وترفض فرح فواز (21 عاما) التخلي عن فكرة إعداد فيلم وثائقي، لأنها ترى أن فرصة كهذه قد لا تتاح لها مرة أخرى. ففرح تستفيد من وجود مشرف يعاونها في فيلمها. أما إعداد نشرة أخبار فهو أمر قد تنجزه في تدريب ما أو خلال عملها، ما قد يحرمها من إظهار عملها الإبداعي.

وتتابع فرح دفاعها عن خيارها بالقول إن النشرة ستحتوي على أخبار آنية أي إنها ستصبح بلا جدوى، بينما تنفيذ فيلم أو تحقيق حول قضية قد يشد الانتباه نحوه ليصبح في حال انجازه بطريقة مميزة مرجعاً في ذلك الموضوع. هذا الإصرار لا تتبناه مارغريتا ترك (21 عاما) التي ارتأت تنفيذ نشرة إخبارية اجتماعية. تعدد مارغريتا عدة صعوبات واجهتها، ما يدفعها إلى العمل على النشرة. فالفيلم، كما تقول، بحاجة إلى عمل تقني ومعدات أكثر من النشرة، إضافة إلى الاعتناء بالصوت والصورة والإخراج والمونتاج، وهو كله يحتاج إلى وقت وميزانية اكبر، بينما كل ما يهمّها في هذه الظروف هو انجاز عمل يسمح لها بالتخرج. ومارغريتا تلوم جامعتها التي أوصلتها لمرحلة التخرج، من دون تمتعها بالمهارات الكافية لتنفيذ أعمالها وحدها، ما يجبرها على الاستعانة بشخص يساعدها في مونتاج نشرتها التي تعمل على انجازها.

للمشكلة وجه آخر لدى ملاك عواد (21 عاما ). فالشابة المتحمسة لمشروعها، امتلكت العديد من الأفكار التي غربلتها لترسو على إحداها. ومع أن ملاك تحمّل الجامعة بعضاً من المسؤولية. فالاستهتار والإهمال الذي تعاني منه لا يمكن السكوت عنه، لكنها تشكو أيضاً من المصورين و"الاستديوهات" الذين لا يرحمون الطالب، فيحاولون استغلاله وسرقته عندما يلتجئ إليهم. وتقترح ملاك حلاً لهذه المشكلة عبر قيام الجامعة بالتعاقد مع شركات إنتاج ومصوّرين لمساعدة جميع الطلاب، ما يخفف عنهم عبء البحث عمن يؤمن لهم المعدات والأمكنة التي تفتقدها الجامعة.

ولا تنسى ملاك ذكر مسألة ضيق الوقت للقيام بالعديد من الأعمال مع بعضها البعض. فإضافة إلى مشروع التخرج هناك الواجبات التي يطالبهم بها الأساتذة، وهناك من يعمل رغم متابعته دراسته، وهناك من يتحضر لمرحلة جديدة في حياته كالخطوبة والزواج.

لا تعاني ملاك من المشاكل التي تشتكي منها مارغريتا. فالتعامل مع التصوير والمونتاج وغيرها من قضايا انتاج الفيلم تخطتها مع زملائها في الفصل الخامس بعد قيام أستاذ مادة "المقابلة والتحقيق" بالطلب منهم إنجاز تقرير مصور كعمل تطبيقي. ولذلك ترفض ملاك تعميم فكرة تخاذل الأساتذة مع طلابهم. إلا أن ذلك يختلف من شخص لآخر، فهناك من يتعاون مع طلابه لأقصى الحدود، وهناك من يفتقد ذلك. وهو ما لا توافقها فيه حليمة. ورغم أن الفتاتين تدرسان في الفرع نفسه إلا أن حليمة ليست مرتاحة خلال عملها على الوثائقي التي تعده. فإضافة إلى صعوبة الفكرة التي تعمل عليها وضيق الوقت وتردد الناس في إجراء المقابلات معها، عدا عن صعوبة التنسيق بين جامعتها وعملها ومشروعها، فهي ترى أن المشرف لا يقوم بدور فعال، بل يعقّد الأفكار عليها، مما قد يدفعها إلى العمل بطريقتها الخاصة.

هذه المشكلات التي تواجه الطلاب ليست وليدة الصدفة باعتقاد سحر مهنا (طالبة في الفرع الثاني)، فمع كثرة المشاكل التي تعاني منها الجامعة، من رأس الهرم إلى أسفله، سيصل طلابها حتما إلى هذه المرحلة: الدراسة في مكان يفتقد إلى التجهيزات واهتمام الأساتذة. رغم ذلك، لا ترى سحر سببا للقلق من مشروع التخرج، باعتقادها لا أحد يرسب في هذه المادة. إلا أن أريج سليم (طالبة الفرع الأول) تنظر للموضوع بمنظار مختلف. هي تؤكد على ضرورة فصل مشروع التخرج عن المواد العادية، وتحديد وقت خاص به، كأن يعمل عليه بعد انتهاء العام الدراسي مثلا، ليكون المشروع مفصليا لتحديد نجاح أو رسوب الطالب.

ولكن ما السبيل لتشجيع الطلاب على تقديم مشروع مميز رغم كل العقبات التي يواجهونها؟

يتفّق طلاب الفرعين على أنهم يتفقدون التحفيز للعمل بنشاط أكثر، وهو ما قد يختلف في حال وجود مسابقة لعرض هذه المشاريع إلى العلن. فمشاريع التخرّج لطلاب كلية الإعلام نادرا ما تعرض خارج قاعات المناقشات، إلا إن قام الطالب بجهد فردي لذلك. وهو ما تأسف له فرح فواز التي لا تعطي أهمية للجوائز المادية، بل للمعنوية، التي تمنح الطالب فرصة للانطلاق نحو ميادين العمل.

السابق
الانباء: لا حكومة قريبا
التالي
كارل سلامة يدخل عالم الأفلام بغمضة عين