أيام طويلة… طويلة

يستيقظ الرجل في الصباح داخل غرفة نومه في "فردان". يتثاءب كما يفعل أبناء آدم ويدفع بساعديه إلى أقصى ما يمكن، مع قبضين مشدودتين، فتبلغ الأولى طريق الجديدة جنوباً، وتلوّح الثانية فوق باب إدريس باتجاه طرابلس. يُصدر المتثاءب صوتاً غريباً عجيباً قبل أن يُطلق زفرة عميقة طويلة يُفرغ بها رئتيه من بَخَر الأحلام. يرفع الستارة قليلاً عن زاوية النافذة ليستطلع الجوّ. "آه. شمس!"، يُعيد إسدال طرف الستارة. الحمدلله، لا إمكانية للتأليف اليوم، لا يجوز التأليف تحت الشمس.
يستيقظ في الصباح التالي ويكرر الطقوس نفسها. بعد أن يرفع طرف الستارة قليلاً يلاحظ بعض غُييمات في رقعة السماء. "آه. غُييمات". يُعيد إسدال طرف الستارة ويُكرر (لأنه شديد الإيمان). الحمدلله، لا إمكانية للتأليف اليوم، إذ لا يجوز التأليف في يوم تجتاح سماءه غُييمات.
في الصباح الذي يلي لا يرفع طرف الستارة بالمرّة. فقد أمطرت الدنيا وحلاً أثناء الليل، وهو كان شهِد شيئاً من ذلك بأم العين عندما راحت نقاط الوحل تقرع النافذة. كرّر الحمدلة وأدرك أنه لن يكون جائزاً التأليف اليوم، إذ لا يُستحبُّ التأليف وسيارات البلد موحلة. منظر غير سياحيّ بالمرّة.
في الصباح التالي، اليوم حرّ. يحكّ نقطة في رأسه على طريق البيك. بدأت الصيفية بالفعل، الحرارة عالية منذ الصباح. الحمدلله. اليوم أيضاً لا يُمكن التأليف، فالتأليف لا يقوم في يوم قائظ.
اليوم… برود. تحسّن الطقس قليلاً. الحمدلله، لن تتألف اليوم، فاليوم برود…
اليوم جمعة. يوم فضيل. لا يجوز التأليف في يوم كهذا. سمعت أنه حرام. يقول ولا يضحك. الرجل جدّيّ في ما يتعلّق بالحلال والحرام.
السبت…
..والأحد: راحة بعد مرارة الأسبوع. ويك إند.
وتُعاد الكرّة، ثم تتكرر على تكرار 18 أسبوعاً (والخير لقُدّام)، والمكتومة ما زالت لا تتألف، وهو ما زال على جهوده، لا يكلّ ولا يتراجع، وهم، الفريقان الأبيّان، الجاثمان على حَدّي السيف الذي يقطعنا، هم على ما هم. الذين على هذا الحدّ يزغردون، والذين على الحدّ الآخر يُبرطمون. لكنهم في الموقعين المتقابلين على الحدّين، في خير. الحمدلله الذي لا يُحمدُ على مكروهٍ سواه. ليس ينقصهم شيء، لا هؤلاء ولا أولئك. يُصرّحون ويسهرون ويخطبون ويشترون ويبيعون، وعند اللزوم يدبكون معاً (على جثث قضايانا وهمومنا)، ومنهم من يسكرون ويُسلطنون وتنطلق حناجرهم بالطرب الكُلثومي الأصيل…
والمولى ساترها. عليهم فقط.
الهرّ يلعب والفأر يموت…
مرة أخرى أيضاً يتأكد أنه لا يمكن صنع العجّة إلا بكسر البيض.

السابق
شكر:الاكثرية متفائلة بقرب التشكيل وجدية الامر تتبين خلال 48 ساعة
التالي
للمرة الثانية خلال اسبوعين طائرة اميركية تحط في حامات