ريفي يفتقد دعم طرابلس ويعاني أزمة… طائفة

مشهدان بارزان غابا جزئياً أو كلياً عن المسرح السياسي في طرابلس والبلد، بالتزامن مع انطلاق شرارة الخلاف القديم ــــ الجديد في وزارتي الداخلية والاتصالات الأسبوع الماضي. في المشهد الأول الغائب، وإنْ جزئياً، لوحظ أنّ حملة التضامن مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي في طرابلس، وهي مسقط رأسه، لم تكن بالزخم نفسه الذي كانت عليه في المرات السابقة عندما كان يتعرّض فيها لاتهامات وانتقادات لا تقلّ عمّا يواجهه حالياً. فاللافتات التي رفعت في المدينة إلى جانب صوره (أغلبها بتوقيع واحد) هذه المرة كانت قليلة، قبل أن ترتفع نسبياً أمس، مقارنة بما كان يفعله أنصاره في المدينة وفي مناطق لبنانية أخرى سابقاً حيث كانوا يملأون الشوارع والساحات باللافتات والصور، إلى حدّ لم يجعل أحداً ينازعه أو يسبقه في هذا المضمار سوى الرئيس سعد الحريري.

أما المشهد الثاني الغائب، وهذه المرّة كلياً، فكان تصريحات الساسة بهذا الشأن، إذ خيّم الصمت تماماً على القوى السياسية في المدينة. وباستثناء تيار المستقبل الذي يعدّ معنياً مباشرة بدعم كل من ريفي وعبد الرحمن يوسف، لم يصدر عن رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي أي موقف بهذا الخصوص في زحمة المواقف المتتابعة. كذلك فإن الرئيس عمر كرامي لا يزال يمارس سياسة مراقبة الأمور من بعيد بهدوء وصمت، منذ الانتخابات النيابية عام 2009 التي أعلن بعدها أنها ستكون آخر استحقاق انتخابي يخوضه، مفسحاً في المجال بذلك أمام نجله فيصل. أما الوزير محمد الصفدي، فقارب الأزمة على نحو جانبي من غير أن يدخل في تفاصيلها، عندما أشار إلى أننا «يوماً بعد يوم نشهد محاولات لتفكيك مؤسسات الدولة، وكأننا، تدريجاً، أمام انتحار وطني».

في ما يتعلق بالمشهد الأول، يدرك ريفي أنّ تراجع حملات التضامن معه في طرابلس يعود لسببين: الأول أن أي حراك تضامني في لبنان مع أي شخص أو فريق سياسي هو عرضة للانحسار، إذا لم يترافق مع خطوات ومبادرات عملية يقدم عليها
صاحبه كي تبعده عن دائرة المراوحة والجمود، عدا تعرّضه لنكسات وتراجع، ما يضع انفضاض المناصرين من حوله، وإن تدريجاً، في خانة سُنن الحياة السياسية في لبنان.

أما السبب الثاني لتراجع التأييد الظاهري لريفي في طرابلس، فيعود إلى خروج الفريق السياسي (تيار المستقبل) الذي يدعمه من السلطة. وهذا أمر له تأثيره المعنوي والنفسي على من يتضامنون عادة مع أي طرف، إذ يرون أن ريفي بات تقريباً بلا غطاء سياسي يحميه، وأن الفريق الآخر المقبل على السلطة (ميقاتي وفريق 8 آذار) ليس بوارد الدفاع عنه بنحو مستميت. لا بل إن ريفي يبدو واقعياً ومتواضعاً، إذ إن أحسن ما يتوقعه من هذا الفريق مستقبلاً هو عدم استهدافه بعد سعيه جدياً إلى تحجيمه.

يعرف ريفي جيداً، وهذا ما كان يصل إليه بالتواتر منذ فترة طويلة، أن لا أحد من الشخصيات السياسية في طرابلس يرغب في أن يراه مرشحاً لانتخابات 2013 التي لمّح مقربون منه إلى أنه سيخوضها، ولا تصوير المدير العام لقوى الأمن الداخلي وكأنه زعيم مقبل لعاصمة الشمال التي باتت تضيق بالزعماء. فداخل تيار المستقبل ثمة من ينظر إلى ريفي على أنه سيحل مكانه في الاستحقاق المقبل، وبالتالي فهو لا يهضم تكبير الحجم السياسي لريفي أكثر من اللزوم.

أما خارج تيار المستقبل، فيدرك ريفي أن ميقاتي وكرامي والصفدي قبل غيرهم، لا يبدون كبير أسف على «حشرته» السياسية، بعدما آثر منذ تسلمه مهماته قبل نحو ست سنوات على الاصطفاف وراء تيار المستقبل وآل الحريري حصراً، رغم حفاظه على شعرة معاوية بينه وبين الرئيس نجيب ميقاتي، لكنها ليست من النوع الذي يجعل الرئيس المكلف ينبري للدفاع عن ابن مدينته.

غير أن أزمة ريفي الحالية، كما يعلم هو وغيره، ليست سوى جزء من أزمة أكبر وأعمق تعانيها الطبقة السياسية السّنية على اختلافها، ذلك أن تصوير الأزمة على أنها استهداف للطائفة السّنية لا يستقيم، لأنه خارج الواقع والتاريخ معاً. ففي السنوات الأخيرة كانت تصل إلى مسامع ريفي، كما إلى الحريري ومسؤولي تيار المستقبل والآخرين، وجهات نظر لم تجد آذاناً صاغية بالقدر الكافي، كانت تقول إن السّنة في لبنان حققوا مكاسبهم ومواقعهم في النظام اللبناني من خلال أدائهم السياسي الجامع، وليس من خلال موقع أمني هنا أو هناك، أو تشكيلهم ميليشيا مسلحة. لكن الفارق بين الأمس واليوم، أنه كانت هناك طبقة سياسية سّنية تضم أمثال رياض الصلح وتقي الدين الصلح وصائب سلام ورشيد كرامي وصولاً إلى رفيق الحريري، بينما يكفي النظر اليوم في أسماء ووجوه الطبقة السياسية السّنية الحالية، لمعرفة المصير الذي تقود إليه هذه الطبقة الطائفة والبلاد معاً، وأيّ مستقبل ينتظرهما.

السابق
الشرق الاوسط: المعالجة ستغلب منطق القانون وحفظ المؤسسات الدستورية والأمنية
التالي
البناء: تأليف الحكومة على رف الاستهتار السياسي