المستقبل: ‘بلطجة’ في وزارة الاتصالات.. و’البارود’ ينفجر

ربما للمرة العاشرة على التوالي يتورط وزير الاتصالات المستقيل شربل نحاس في تحويل قطاع الاتصالات الى بؤرة للصراعات والكيدية ومخالفة القوانين وضرب الانتاجية، لكن الاستعراض الذي قدمه بالأمس قد يكون الخطوة المائة أو أكثر في سلسلة ممارسات فريق عازم على المضي بالبلاد نحو الفشل، ليتسنى للدويلة إكمال هيكلها على أنقاض الدولة وأهلها.

فتح نحاس معركة مع شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي في سياق مسلسل من المواجهة الدراماتيكية تحت عناوين سياسية حيناً وإدارية حيناً آخر، ذلك أن حادثة الأمس خلّفت تداعيات خطيرة وصلت الى حدود الخوف من إمكان تمددها الى أكثر من موقع في مؤسسات الدولة، وأبقت الأبواب مفتوحة على احتمالات شتى مع تكليف رئيس الجمهورية ميشال سليمان لوزير العدل الطلب إلى النيابة العامة التمييزية وضع يدها على القضية، بوصفها متعلقة "بعدم تنفيذ قوى الأمن قرار وزير الداخلية القاضي بسحب عناصر قوى الأمن في مبنى وزارة الاتصالات".

رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أجرى من جهته اتصالات مع الرئيس سليمان والوزير زياد بارود والجهات الأمنية والقضائية والعسكرية المختصة لمتابعة قضية محاولة نحاس وضع يده على الشبكة الثالثة للاتصالات وإخراجها من عهدة الشرعية من دون أي مسوغ قانوني.

وأكد الرئيس الحريري، أن لا مانع لديه من قيام القضاء المختص بوضع يده على هذه القضية على قاعدة تحديد أسباب تجاوز وزير الاتصالات لقرارات مجلس الوزراء وتحديد الجهة التي يريد تسليمها شبكة الاتصالات الثالثة خارج إطار سيطرة الدولة اللبنانية ومعرفتها.

وفيما لجأ نحاس إلى الصخب الكلامي للفت الأنظار، واصفاً ما جرى بأنه "انقلاب"، ومحرضاً الجيش على قوى الأمن الداخلي، أكد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي أن "وجود القوى الأمنية للحماية جاء بناء على كتاب رسمي من المدير العام لهيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف"، ولفت إلى أن نحاس "لجأ الى هذه الهمروجة اعتقاداً منه أنه يستطيع إرباكنا"، مضيفاً "فليسمح لنا. لا هو ولا غيره يستطيع إرباكنا، فنحن والجيش مؤتمنون على أمن البلد ولن نتساهل لا معه ولا مع غيره".
وعلمت "المستقبل" من مصادر مطلعة أن أصل ما جرى يعود إلى سعي الوزير نحاس منذ مدة إلى تفكيك أجهزة شركة الخلوي الثالثة، والتي هي ملك عام للدولة اللبنانية تفوق قيمتها خمسين مليون دولار مقدمة من الصين، وتقديمها إلى شركة "ام تي سي" على سبيل الهبة، إلا أن شركة الاتصالات "ام تي سي" سألت يوسف عن مدى قانونية قبول هذه الهبة، فأجابها بأنه يتعارض كلياً والقوانين مرعية الإجراء لأنها ملكية عامة، وقد أخذت الشركة بهذا الرأي وبالتالي رفضت قبول هدية نحاس "المسمومة".
لكن هذا التصرف لم يعجب نحاس، بحسب المصادر، الذي أصرّ على تفكيك الأجهزة والمعدات ووهبها لجهة أمنية لبنانية غير رسمية. وتضيف هذه المصادر إن خطورة تصرف نحاس تكمن في أن هذه المعدات تتيح استخدام 150000 خط خلوي، بما يسمح لأي جهة تستخدمها إجراء مخابرات خارج إطار المراقبة الرسمية للدولة وخارج إطار الفوترة أيضاً، ما يشي بأن مسعى نحاس لوهب المعدات الى "ام تي سي" لم يكن سوى ذريعة للتغطية على فعلته المبيتة، وهو ما يزيد الشوك حول غاياته ونياته وأهدافه، وبالتالي يطرح أسئلة حول الجهة التي يريد نحاس تفكيك الأجهزة وإعطاءها إياها ومصلحة الدولة في كل ذلك.

وتضيف المصادر إنه بعد رفض يوسف التخلي عن المال العام أرسل نحاس إليه كتاباً يتوعد بتفكيك المعدات بالقوة، عندها لجأ يوسف إلى الطلب من قوى الأمن الداخلي، بناء على القانون رقم 17 وخصوصاً في مواده من 198 وحتى 204 التي تجيز للسلطات الإدارية تكليف قوى الأمن بحماية أي منشأة عامة تابعة للدولة، طالباً منها خطياً حماية المركز، مع الإشارة إلى أن قوى الأمن تملك أساساً نقطة حماية في الطابقين السابع والثامن من المبنى، وما حصل أنها عززت القوة في الطابق الثاني أيضاً. أما في ما يتعلق بطلب الوزير بارود من ريفي سحب العناصر، فقد ردّ عليه اللواء ريفي بكتاب لافتاً إلى أنه لا يستطيع ذلك خشية تعرضه للملاحقة القضائية بموجب التكليف الذي جاءه استناداً الى القانون 17.

إلى ذلك، لاحظت أوساط متابعة لقطاع الاتصالات أن نحاس أراد أمس تعطيل مرفق عام خدماتي يسمح بتأمين خدمات الاتصالات الدولية للمواطنين اللبنانيين والقاطنين في لبنان بكافة بقاع العالم بعدما تورط في توقيع عقد الجيل الثالث مع شركة "هواوي" وهو يعلم أن هذا العقد يتضمن عدد محطات لا يكفي، وبالتالي فهو يريد استعمال محطات تابعة لشركة "أوجيرو" وقرر أن يأخذ معداتها بالقوة، فخطط هو وأحد المديرين العامين وأحد المستشارين ومدير عيّن حديثاً للدخول الى مكان وجود مراكز التحكم والإدارة والمنصة الذكية للشبكة الخلوية التابعة لـ"أوجيرو" في الطبقة الثانية من مبنى العدلية لتفكيكها بالقوة وتسليمها لشركة "هواوي" وبالتالي لشركة "ام تي سي".

علماً أن "هواوي" و"ام تي سي" والملحقية التجارية في السفارة الصينية والسفير الصيني في لبنان على علم أن هذا الإجراء هو إجراء مخالف للقانون وتترتب عليه الملحقات الشفهية من قبل القضاء اللبناني ومراكز التحكيم الدولية. وأرسلت الجهات اللبنانية المختصة إلى الشركات المذكورة ما معناه أن في ذلك مخالفة جنائية وتلاحق كل من يُشارك فيه.

ويقول خبير في قطاع الاتصالات مواكب للتطورات التي حصلت إن رغبة نحاس في تفكيك شبكة "أوجيرو" لصالح "هواوي" و"ام تي سي" يعود لهدفين:
الأول: تزويد شركة "هواوي" بالمعدات التي تنقصها لبناء شبكة "ام تي سي" واحترام التزامه بالصفقة المعقودة تحت الطاولة والتي هي أصلاً مخالفة للقوانين المرعية الإجراء.
الثاني: تسليم المساحة المتوفرة في الطابق الثاني بعد إخراج معدات "أوجيرو" مجاناً الى شركة "ألفا"، وهذا ما رفضته الوحدات المختصة في وزارة الاتصالات. وكانت هذه الوحدات سبق ونبهت الوزير المستقيل الى أن في ذلك مخالفة كبيرة، لأنه لا يحق للوزارة تسليم مبانيه مجاناً، خصوصاً وأن عقد الإدارة الموقع مع "ألفا" يتضمن مبالغ تُدفع شهرياً للشركة لقاء استئجار الأمتار المربعة، وبالتالي فإن الوزير يعطيها طابقاً بكامله وفي الوقت نفسه يدفع لها أجرة الطابق، ما يؤكد أن هناك صفقة مبرمة تحت الطاولة أيضاً.

وفي مؤتمر صحافي، أعلن نحاس أن ما حصل "حال انقلابية"، مشيراً الى أنه "وجّه طلباً عاجلاً من قيادة الجيش لأن تتحمل مسؤولياتها وتواجه هذه الحال الانقلابية وقمع هذا التصرف"، وأوضح أن "عناصر المعلومات دخلت الى المبنى يوم الجمعة وتمركزت في الطابق الثاني من دون مسوغ شرعي، وأن وزير الداخلية لم يكن على علم بذلك(..)".

ريفي
من جهته، أوضح اللواء ريفي أن "نحاس منع عن فرع المعلومات "الداتا" منذ نحو شهر تقريباً". وقال "عندما كنّا في ذروة قضية الأستونيين السبعة والحاجة الى "الداتا" وقتلة الشهيد راشد صبري، قطع عنّا نحاس "الداتا" وراجعنا العديد من الشخصيات لكنه لم يردّ على أحد نهائياً، وتحجّج بأمور شكلية". ورأى أن "نحاّس وبتصرفه هذا يحاول أن يكشف البلد أمنياً، وهذا ما لن نسمح به إطلاقاً"، مشيراً الى أن "القضية التي فجّرت الأمور ليست "رمّانة بل قلوب مليانة". وحول طلب نحاس من الجيش إخلاء المبنى، قال ريفي "هذه لعبة من نحاس ليفتعل إشكالاً بيننا وبين الجيش، ولكن أنا وقائد الجيش متفاهمان، وليس وارداً أبداً حصول احتكاك بيننا"، مضيفاً "إذا حاولتَ إرباكنا بأمور صغيرة، فأنا قاتلت شاكر العبسي وفتح الإسلام ولم ارتبك أو ارتجف، وبالتالي أنا مستعدّ للقيام بواجباتي حتى النهاية، فليذهب نحاس للعب هذه اللعبة مع سواي(..)". وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أوضحت أنها "تلقت بتاريخ 21/5/2011 كتاباً من "أوجيرو" تضمّن طلب تأمين حراسة وحماية أمنية للمركز الرئيسي للشبكة الخلوية الثالثة"، وذكّرت بأن "وزارة الاتصالات امتنعت عن تزويدها بقاعدة بيانات الاتصالات الهاتفية منذ تاريخ 26/4/2011 رغم الحاجة الماسة اليها بعد حادثة خطف الأستونيين السبعة، وما تفرضه من متابعة يومية لحركة المشبوهين، لا سيما أن الخاطفين قاموا بعمليات سلب وتنفيذ عملية اغتيال طاولت أحد رتباء شعبة المعلومات(..)".

"أوجيرو"
كذلك، ذكّرت هيئة أوجيرو بأن "قرار مجلس الوزراء رقم 136، تاريخ 21/05/2007 كلف هيئة أوجيرو استلام المعدات موضوع الهبة وتركيبها وتشغيلها ضمن الخطة الاستراتجية للوزارة لجهة إنشاء شركة ليبان تلكوم والتحضير لإطلاق الرخصة الخليوية الثالثة"، وأوضحت أن "الشبكة الخليوية الثالثة لم يتم استثمارها إطلاقاً، لا على الصعيد التجاري ولا لمصلحة أي جهة بتاتاً، أمنية كانت أم مدنية، لا أفراداً ولا جماعات، ولا حتى ضمن هيئة أوجيرو أو لصالحها. وما يخالف ذلك فهو محض أكاذيب وأضاليل"، مشيرة إلى أن "مذكرة وزير الاتصالات رقم 58/1، تاريخ 17/03/2011 قضت بفك جميع التجهيزات العائدة للشبكة الخلوية الثالثة وتسليم هذه التجهيزات لشركة "ام تي سي"، وذلك خلافاً لجميع قرارات مجلس الوزراء والمراسيم الصادرة في هذا الإطار"، مضيفة أنه "وبناء لرأي الأجهزة الرقابية ومشورة هيئة التفتيش المركزي، قامت هيئة أوجيرو بإرسال كتاب الى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تطلب بموجبه تأمين حماية وحراسة المنشآت والتجهيزات العائدة للمشروع وذلك وفقاً للقانون 17 الصادر في 6 أيلول سنة 1990 لا سيما المادة الأولى منه(..)".

بارود
من جهته، أعلن وزير الداخلية المستقيل زياد بارود تحرير نفسه "من أن يكون أسير وزارة الداخلية لأنه لا يرغب في أن يكون شاهد زور أو وزير تصريف أعمال يقتصر عمله على توقيع بريد الوزارة"، وشدد على أنه "لن يقبل بأن يكون وزيراً سلطته على بعض المديريات مجرد نص قانوني(..)".

تطاول عون
على صعيد آخر، تفاعلت أمس مسألة تطاول رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون على المسلمين السنّة في لبنان، والتي كانت كشفتها وثائق "ويكيليكس". وأمس اتصل الرئيس سليمان بمفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، معرباً عن تقديره الدائم لدوره الوطني وللحرص الذي يبديه على سلامة الدولة ولا سيَّما لجهة الحفاظ على الدستور والمؤسسات.
وشكر المفتي قباني للرئيس سليمان اتصاله، مؤكداً "حرص دار الفتوى والمسلمين في لبنان على شخص رئيس الجمهورية وتقديره واحترامه"، وأبلغه بأن "الكلمة الجامعة التي تصدر عنه هي التي تمثل اللبنانيين وأن الكلمة التي تحمل في طياتها الأحقاد تجاه الآخر لا تمثل إلا صاحبها".
وكان مفتي الجمهورية نوّه، أول من أمس، بموقف رئيس الجمهورية "وحرصه على التمسك بالدستور ووثيقة الوفاق الوطني"، مستنكراً "تطاول بعض القوى عليه وعلى المسلمين، خصوصاً أهل السنّة، وفي ما قاله عون وما سرّب عن لسانه في إحدى المذكرات بنعوت وصفات لا تليق برجل السياسة ولا بأي شخص يتبوأ موقعاً عاماً، وهو ليس ببعيد عن هذه البذاءة التي نسمعها منه في خطاباته". وقال "ليعلم عون إن إساءته لأي طائفة أياً كانت، إساءة لكل الطوائف في لبنان". وكشف الأمين العام للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الشيخ خلدون عريمط أنَّ "دار الفتوى كلّفت عدداً من المحامين بإعداد ملف قانوني والتوجه إلى القضاء لملاحقة عون وتقديم دعوى قضائية ضده بجرائم إثارة النعرات الطائفية بين اللبنانيين والحض على الاقتتال في ما بينهم، والقدح والذم والتشهير بالطائفة السنية".
في المقابل، وفي محاولة منه للنفي أكد عون ما نُقل عنه، إذ أعلن أنه ادّعى على الصحيفة التي نشرت الوثيقة، لكنه "تمنى على سماحته أن يشرح لنا مفهومه الخاص لما أسماه بذاءة الكلام، لأننا لا نعتبر أبداً قول الحقيقة بذاءة ولا تسمية الأمور بأسمائها بذاءة، فمرتكب الجريمة بمفهومنا هو مجرم، ومرتكب السرقة هو سارق، ومن نهب أموال الدولة ومؤسساتها هو لص(..)".

الوضع الحكومي
حكومياً، وغداة خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في ذكرى التحرير والذي أكد فيه وجود "شروط وضغوط أميركية وغربية" على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف"، معلنًا مواصلة بذل الجهود لتأليف الحكومة "عبر الخليلين والأخلاء"، ومشدداً على أنّ "حزب الله ليس في وارد الضغط على أحد من حلفائه" لتذليل عقبات التأليف، في إشارة واضحة إلى مطالب النائب عون الاستيزارية. ومعلناً رفضه تشكيل "حكومة تكنوقراط لأنّ لبنان بلد سياسي "حتى العظم" ولا تقوم به إلا حكومة سياسية محمية من قوى سياسية أساسية أو حكومة وحدة وطنية ونقطة على أول السطر(..)"، قالت مصادر مواكبة لعملية تشكيل الحكومة إن "تحرك الخليلين والأخلاء يلزمه بعض الوقت لترتيب الأولويات والثغرات التي يمكن النفاذ منها لكسر الجمود الحاصل". وأضافت "لا جديد يمكن إضافته على هذا الموضوع سوى التأكيد على ما سبق الإعلان عنه، أي تمسك رئيس الجمهورية بتطبيق الدستور في هذا الاستحقاق وانتظار ما يمكن أن يحمله الرئيس المكلف من مسودة تشكيلة حكومية الى بعبدا لعرضها على رئيس الجمهورية ليبدي رأيه فيها".
إلى ذلك، أكد رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة أن المقاومة عنوان وطني يمكن أن يجتمع اللبنانيون من حوله، أما السلاح فهو موضوع اختلاف طالما هو خارج عن إرادة الدولة وسلطتها"، ودعا خلال تمثيله رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في افتتاح "منتدى الاقتصاد العربي" اللبنانيين إلى "وضع خلافاتهم على الطاولة بدلاً من وضعها على رؤوس الناس، وبالتالي تحميلهم ما لا طاقة لهم به"، مؤكداً أن "لا القطيعة تنفع، ولا الثأرية توصل الى الحق، ولا الخروج عن منطق الدولة يوصل اللبنانيين الى ما يسمح لهم ببناء مستقبلهم(..)".

السابق
السفير: اغتيال الدولة بسلاح أبناء الدولة: العسكر يمنعون نحاس من دخـول الطابق الأسـود
التالي
اللواء: سليمان لإحالة الملف إلى النيابة العامة