مسيرة “تشريع حماية النساء من العنف الأسري”: كي لا يجهضوا القانون

في لبنان حملتان: حملة يقودها "التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري"، الذي يضمّ أكثر من 50 جمعية أهلية ضمن التحالف، وجمعيات أخرى وحركات شبابية وجامعية وبلديات، قررت تنظيم مسيرة في التاسع والعشرين من الشهر الحالي، من وزارة الداخلية إلى ساحة رياض الصلح في وسط بيروت، للضغط باتجاه إقرار القانون في مجلس النواب وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة حوله، وحملة أخرى "مضادة" تعتبر أن الحملة أو مشروع القانون "قائم على الفردية وتهميش دور الدين وللأخلاق، وتعدّ على اختصاص المحاكم الشرعية والمذهبية والروحية، ويهدد بمزيد من التشرذم في حال تم تطبيقه".

بلغة الشرع والشريعة، تردّ المحامية ليلى عواضة، وهي منسقة الخدمة القانونية وإحدى المؤسسات في "كفى" المنضوية في التحالف الوطني، على ما اعتبرته "الاتهامات" الموجهة إلى الجمعية من دون أي أساس قانوني أو ديني. "لا أستطيع أن أصدق أن هناك دينا يشجع على العنف أو يبرره، أو يبيح للرجل استعمال العنف. من هنا، هذا الموضوع يتناقض أساسا مع الأحكام الدينية. وما نتعرض له يتناقض مع كل الشعائر الدينية التي تدعو إلى الرأفة والمحبة، والمعاشرة بالمعروف".
إذاً، من ينادي بالشرع هو الذي يناقضه بحسب عواضة، "لأن الشرع لا يبيح العنف، بل على العكس، يفرض عقوبات على من يرتكبه، إذ لكل فعل في الشرع هناك عقوبة". ولكن، ما الذي يمنع التقاء الأحكام الشرعية مع القانون الذي تطالب الجمعية بتطبيقه؟
لا شيء بالمبدأ في القانون يعارض الأحكام الشرعية. "لقد تعدّل القانون في صيغ مختلفة لأننا أخذنا في عين الاعتبار ملاحظات المحاكم الشرعية والروحية، وقد جرى الاحتكام إلى رأيهم في بعض المحطات. على سبيل المثال، طلبوا في إحدى المحاكم الشرعية أن نحذف كلمة "اغتصاب الزوجة" بكلمة "إكراه الزوجة". من هنا، تتابع عواضة، "نحن لسنا متمسكين بالحرفية أو بالصيغة بل بالمضمون".

هذا الأمر قد يفتح نافذة للنقاش على إشكالية تداخل القانون المدني للدولة مع المحاكم والاعتبارات الشرعية. "نحن دولة مدنية ولسنا دولة تتبع الشرع الإسلامي". من هنا، "فإننا لا نواجه أي عراقيل تقنية أو قانونية، بل هي عراقيل اجتماعية، وذهنية لا تقبل حتى الآن أن تدرج قضية العنف الأسري ضمن إطار الجريمة". هي الثقافة الاجتماعية والذهنية الذكورية إذاً، "والقانون اللبناني الذي يحتوي على قوانين مميزة ضد المرأة". لذلك، فإن الدولة بحسب عواضة، ومن خلال الأعراف السائدة في مراعاة الطوائف، "هي التي تداري الثقافة الاجتماعية الذكورية أكثر من مداراة الدين وأحكامه". وهذا الأمر، عزز الذهنية الاجتماعية "التي ترى أن السلطة في الأسرة هي للرجل، وبالتالي عند معاقبة العنف المرتكب، يحكم علينا بأننا ضد الرجل". هذه المقاربة، تقول عواضة، "مغلوطة والدليل أننا جميعنا متفقون على أن العنف الممارس من الرجل على المرأة هو أكبر ظاهرة موجودة والجميع مسلّم به. نحن نعاقب الفعل والعنف وليس الرجل لأنه رجل. وهناك أيضا بعض الأفعال التي يعاقب عليها القانون ترتكبها الفتيات والنساء".

في هذا الإطار، تلفت عواضة إلى تقصير الدولة "تجاه النساء المعنفات"، وإلى الدور الذي تقوم به الجمعيات الأهلية لسد هذا الفراغ. ويرتكز عمل الجمعيات بشكل أساسي على تأمين المأوى للنساء المعنفات. وهذا الأمر، على الرغم من ضرورته لغياب سياسات الدولة، يعيد فتح النقاش حول الاتهامات التي توجه إلى الجمعية بالفساد والانحلال الأخلاقي. "أين نشجع على المساكنة أو على الفساد؟ إذا تم إقرار قانون حماية للنساء والفتيات في الأسرة كي لا يتعرضوا للعنف نكون نشجع بذلك على المساكنة؟ يقولون إن هذا القانون يتعارض مع ولاية الرجل والقوامة، فهل القوامة هي التسلط؟ الدين يقول إنها الحماية والرعاية، والشرع لا يقبلها إذا تحولت إلى تسلط. والعنف هو إساءة استخدام للسلطة وليس السلطة".

هنا، توضح عواضة: "نحن ندعو إلى الحماية، وننظم ونحافظ على كرامة المرأة إذا لجأت للشكوى وليس لديها إمكانية أخرى للخروج من العلاقة إذا تعرضت للعنف الزوجي. ومن يعترض على القانون، هو من ينظر فقط إلى العنف الزوجي وليس العنف الأسري الذي يشمله القانون ككل، من الأخ إلى الزوج إلى الأب إلى الصهر. العنف الزوجي هو جزء من القانون، وإذا استثني من القانون أنا متأكدة من أنه سوف يقرّ.

هي دعوة إلى النقاش الوطني والعام إذاً، ولكن على قاعدة "النقاش البناء". "نؤيد مناقشة القضايا بانفتاح على الإعلام وعبر الندوات الحوارية. لكن من يكون ضد القانون عليه أن يطرح البديل، لا أن يرفض لمجرد الرفض. أنا أتمنى أن يكون النقاش بالمواد وأن يحددوا أي مادة في القانون تسيء إلى الشرع وإلى الدين أو تتعارض مع أحكامه وماذا يقترح علينا من بديل كي لا تتعارض".

من جديد، تعود البوصلة إلى مسيرة التاسع والعشرين، وإلى الحملة التي تهدف إلى إقرار القانون. "نخشى من أن تطول قضية اللجان ومن أن يحال القانون من لجنة إلى أخرى. لذلك، وجدنا أن هناك ضرورة للضغط لحث اللجنة والمجلس بشكل عام من أجل الإسراع بإقراره".

ولن تنتهي القصة عند هذه المسيرة، التي تشكل "بداية مرحلة جديدة". هناك أجهزة يجب أن تنشأ لتطبيق هذا القانون، ومراكز خاصة لتلقي الشكاوى، وصندوق لدعم النساء بالتكاليف المالية عن السيدات، وعيادة لتأهيل المعنف من السلوك العنيف. أما أبرز ما تطلبه الجمعية من اللجنة الفرعية المنبثقة، فهو أن "تتجاوب اللجنة مع طلبنا إلغاء المادة 26 التي أضافها مجلس الوزراء"، والتي تنص على أنه إذا تعارضت هذه الأحكام مع أحكام قوانين الأحوال الشخصية تطبق أحكام الأحوال الشخصية. وهذا بحد ذاته "نسف للقانون الذي نعمل لأجله، لأنه ليس هناك تحديد للأحكام، والمحاكم الشرعية ليس لديها مواد قانونية محددة، وبالتالي أحكامها شاملة ومبهمة". إذاً، الطريق لم تنته بعد، "وهناك قوانين كثيرة تقرّ.. وتوضع بالأدراج".

السابق
ذكرى التحرير عبر “المنار”
التالي
بلدة شحور حاضرة·· وحاضر