العيد .. والحرب الثالثة!

تجيء ذكرى «التحرير»، الذي طال الجدل حول اعتباره عيداً وطنياً، والبلاد جميعاً في حاجة إلى مَن يحرّرها من طبقتها السياسية التي تتسبّب في الإساءة إلى الوطن والشعب والدولة بأكثر مما فعل الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً إذا ما تذكّرنا أنه «العدو»… فهذه هي البلاد بلا حكم بالمطلق، رئيسها مجرّد «شاهد»، والحكومة اثنتان: واحدة برئيس ووزراء ممنوعين من التوقيع، والثانية برئيس مكلّف يدور ملتفاً حول ذاته بحثاً عن وزراء فلا يقبل مَن يعرض عليه الشركاء ولا هو يعرض إلا مَن يعرف أنهم سيرفضونه. أما المجلس النيابي الذي استولد قيصرياً بقانون قاتل للديموقراطية بمفعول رجعي، فهو في إجازة كلما قاربت على الانتهاء جدّدها قيصرياً مرة بتفاؤل مفرط، ومرة أخرى بنعي مرجأ!

أما المقاومة، بطل التحرير بالشهادة وبالتفاف الجيش والشعب من حولها، فموضوع جدل: هل تجوز الإشارة إليها في البيان الوزاري أم يستحسن تجاهلها حتى لا ينقسم الوطن المحرّر وتتهدّده الفتنة، وحتى لا نستفز الإدارة الأميركية التي كانت شريكة إسرائيل في الحرب (التي ستشنها انتقاماً لهزيمتها الأولى في 25 أيار 2000 فلا تحصد إلا الريح في هزيمتها الثانية في تموز ـ آب 2006)، والتي ما تزال شريكتها، وستبقى… بل هي تتقدم الصفوف لتوجّه إلى المقاومة التي قاتلت عدوها ما يقارب العقدين وجهاً لوجه، تهمة تدبير الاغتيالات والمشاركة في تنفيذها.

هي الحرب الثالثة إذاً، وهذه المرة باسم المجتمع الدولي، وعبر المحكمة الدولية. وهي إسرائيلية أيضاً، وإن كان «القائد» أميركياً، شاء أن يقدّم لضيفه السفاح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو «الجائزة الكبرى»، بعد أطنان السلاح الأحدث والأعظم فتكاً، وبعد خزائن المساعدات التي تتكفل بها عائدات الربح من فائض النفط العربي بعدما أجمع أهله على «السلام» وتفويض العدو الإسرائيلي بمستقبل بلادهم مساحة وحدوداً وطرق اتصال وأسباب تواصل بين شعوبها المبعثرة بين أرجاء «دولة يهود العالم الديموقراطية».

… وكان لا بد من دمغ المقاومة وأبطالها بتهم مشينة، كالاغتيالات، والمطالبة بمحاكمتها دولياً، قبل أن يستتب الأمر للثورات التي تفجرت بها الأرض العربية جميعاً، والتي كلمة السر فيها «فلسطين»، ولو لم يجهر بها شبابها الأبرار.
هل من ضرورة في الإشارة إلى الترابط بين هذا الاتهام الجديد بمصدره الأميركي وبين «الحرب» الحقيقية التي شُنّت في الداخل، بكل الأسلحة، على المقاومة وقيادتها الباسلة ومجاهديها الميامين، والتي كادت تصوّرها عصابات خارجة على القانون، وتطالب بنزع سلاحها «مخرّب الوحدة الوطنية»؟!

لولا النقص في القدرات الذاتية، محلياً، (العسكرية أولاً ثم السياسية) لكانت الطبقة السياسية المعادية، بطبيعة مصالحها، للشعب والوطن والدولة، وللمقاومة بالدرجة الأولى، قد سعت إلى تقديم السيد حسن نصر الله وقيادات «حزب الله» السياسية والعسكرية (وجمهور المتعاطفين معها بامتداد الوطن العربي) إلى المحاكمة بتهمة «التخريب وحمل السلاح من دون ترخيص وإثارة الاضطراب، والإساءة إلى العلاقات مع دول صديقة، والتسبّب في تخريب العمران والمسؤولية عن سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى في معارك لا مبرّر لها ولأهداف كان يمكن تحقيقها عبر التفاوض برعاية الأمم المتحدة وممثلها الشهم تيري رود لارسن الذي يستحق أن يطلق اسمه على شارع في قلب بيروت لو أبقي لها قلب».

كل ما في الأمر أن الرئيس الأميركي الأسمر ذا الجذور الإسلامية باراك أوباما قد استبق العيد ففوّض إدارته بإعلان الحرب على بطل التحرير، ورمز الجهاد في الأمة، قافزاً من فوق الاحتلال الإسرائيلي وحربه المفتوحة على لبنان (وسائر العرب)، مستخدماً في المعركة الجديدة أخبث الأسلحة وأشدها إيذاءً: اتهام «حزب الله» بارتكاب جرائم الاغتيال، تمهيداً للمطالبة بإحالة «القضية» على المحكمة الدولية، وهي مُحالة عليها فعلاً، وتدعيمها بادعاء أميركي، هذه المرة، يساند ادعاء بعض أهل الطبقة السياسية المحلية، من أعلى موقع نفوذ في الكون!

الحرب مفتوحة بعد على المقاومة، في الداخل، وفي المحيط العربي الذي أخذه الجنوح عن هويته إلى السلم بشروط إسرائيلية، وفي العالم كله، بعد الادعاء الاتهامي الأميركي والتلويح بالمحكمة الدولية.
(بين المظاهر الجانبية لهذه الحرب أن فضائيات النفط العربي جميعاً قد فتحت شاشاتها وأعطت الهواء لرئيس حكومة إسرائيل أمام الكونغرس توكيداً لمساهمتها الجدية في معركة التحرير في لبنان، سابقاً، وفي فلسطين لاحقاً وبعاصمتها القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين).
لكنه العيد. عيد كل الوطنيين الذين يفتدون أرضهم بدمائهم ويحفظونه لأبنائهم من بعدهم. وعيد لكل الأمة التي تجاهد من أجل تحرير إرادتها كي يسهل عليها تحرير أرضها واستعادة ثرواتها المنهوبة التي يوظف قسم أساسي منها، مع الأسف، في الجانب الآخر من الجبهة، جانب العدو الذي سيبقى عدواً، طالما استمر شبر واحد من الأرض تحت الاحتلال، أي احتلال وكل احتلال، وطالما استمر مواطن واحد ـ أي مواطن في أي أرض عربية ـ مغلول الإرادة بالقهر أو بالجهل أو بالفقر، وكل هؤلاء شركاء للاحتلال.
تحية إجلال وتقدير لأبطال التحرير الذين منحونا العيد، الشهداء منهم والذين ينتظرون وما بدّلوا تبديلاً.
وكل عام وأنتم بخير.

السابق
آن أوان الإصلاح في “حزب الله”
التالي
الاحتفال اليوم بمقاومات عابرة للحدود