فلسطين: فاتورة “الانظمة” مجددا

لم يكن خافيا على الذين ذهبوا بفرح والم وشوق من زواريب المخيمات الفلسطينية في لبنان الى بلدة مارون الراس الجنوبية، على الحدود مع فلسطين المحتلة، ان فرصة الاطلالة على فلسطين وتنسّم عبيرها ليست متاحة متى أرادوا. فمنذ تحرير الجنوب عام 2000 سنحت فرصة لبعضهم كي يعانقوا بنظراتهم واصواتهم الصادحة اقرباء في فلسطين المحتلة، وارضا استوطنت في العقل والوجدان، وان يحاكوا بعيونهم وبذاكرة حكايا الاهل شجر التوت والزيتون، وكروما عرّشت في الذاكرة واعتصرها الالم نبيذا لليالي المخيم البائسة. ومنذ ذلك الحين حيل بينهم وبين هذا المشهد، فاتخذت اجراءات ووضعت قيود من قبل السلطات الرسمية وغير الرسمية لمنعهم من الذهاب الى تلك المناطق الحدودية الملاصقة لفلسطين.

لم يكن 15 ايار 2011 يوم استعادة ذكريات نكبة الاحتلال والطرد، واللجوء المر في دول الطوق وفي عالم مسكون بالقسوة فحسب، بل كان يوم يصعب على ابناء المخيم ان يرفضوا فيه القاء التحية على ارض الوطن، يصعب ان يرفضوا فرصة الصراخ الذي يختزنونه ليشكوا غربة اللجوء، وطول الفراق، وشوق العودة الى بلاد لم تغادرهم، يصعب الا يتراكضوا لتجديد عهد العودة على مرأى تلال الجليل والقرى المأسورة. أيضا يصعب على ابناء المخيم ان يصدقوا ان احدا قد يحب فلسطين اكثر منهم، فهم تذوقوا معنى ان يكونوا لاجئين ومرارة ان يعيشوا بلا وطن، ولم تعد تغرهم قصائد الحب العربية لفلسطين، قصائد لطالما ذيلت بمزيد من تلاوة آيات البؤس في بيوت المخيمات وازقتها وحصار يُسلمهم إلى حصار، وسمسار إلى سمسار. وبؤس المخيم شاهد على سيرة النظام العربي الممانع والمعتدل من اجل عودة اللاجئين "وظلم ذوي القربة اشد مضاضة…"

هكذا وعلى غير المألوف وغير المسبوق فتحت الطرق لهم، وتدفقت آلاف سيارات النقل السورية الفارهة باتجاه مخيمات لبنان لتنقلهم الى الحدود اللبنانية – الفلسطينية، كما نقلت فلسطينيين من مخيمات سورية الى اطراف الجولان المحتل. لم يسبق لابناء مخيمات لبنان ان شهدوا هذا العدد من الناقلات المدنية السورية. هم كانوا اعتادوا على نمط اخر من الناقلات السورية التي كان لها طعم امني مر وقاتل في كثير من الاحيان، منذ ان قررت دمشق تطويع المنظمات الفلسطينية واسرها في بوتقة النظام وحساباته.

السابق
هكذا تباينت تغطية القنوات “لمسيرة العودة”
التالي
بلدية الظل في صيدا تنتقد البلدية بشأن المجارير