كتاب جديد للمركز الإسلامي الثقافي:إطلالة على الرؤى الفكرية للمرجع فضل الله

 في إطار سلسلة الدراسات للتعريف بالمشروع الفكري والفقهي التجديدي للمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله والتي يصدرها المركز الإسلامي الثقافي (مسجد الإمامين الحسنين)، صدر مؤخراً دراسة جديدة تحت عنوان "إطلالة على الرؤية الفكرية للفقيه المجدد المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رضوان الله عليه)، للعلامة السيد محمد السيد طاهري الياسري الحسيني (وهو من علماء العراق ومدير مركز ابن إدريس الحلي للدراسات الفقهية والمشرف العام على حوزة المرتضى في دمشق).
 
وحسبما جاء في مقدمة الدراسة التي كتبها مدير عام المركز الإسلامي الثقافي السيد شفيق الموسوي فقد ركَّز المؤلف في دراسته على قضية "الرواية والقرآن عند المرجع السيد فضل الله" حيث عمد إلى البحث حول المنهج القرآني عند "السيد فضل الله" والذي كان يرى أن القرآن الكريم في خطابه لمجموع الناس ينطلق من الوضوح في اللفظ والمعنى بعيداً عن الرمزية والتعقيد. وقد أجاد السيد الحسيني في هذا الكتاب تسليط الضوء على بعض الرؤى التي انطلق بها "السيد" في منهجه التفسيري".
 
وتضمن "الكتاب ـ الدراسة" عدة بحوث ونقاط هامة وتم تقسيمه إلى عدة محاور:
 
الأول: استقلالية القرآن، حيث أن الموقف من التفسير بالرواية يستند إلى هذه المسألة، وفيما إذا كان النص القرآني مستقلاً يمكن فهم المراد منه أو لا يمكن إلا بالرجوع إلى مصدر يبين ذلك.
 
الثاني: موقع الراوية من القرآن الكريم ودور السُنة في معرفة المراد منه.
 
الثالث: تحديد الموقف النظري تجاه الرواية والخبر في مدى حجيتها في معرفة المراد من القرآن الكريم والاتجاهات السائدة في هذا المجال، وخصوصاً موقف السيد فضل الله.
 
الرابع: المعالم العامة لأخبار التفسير.
 
وفي القسم الثاني تناول ما يسمى "بطون القرآن".
 
استقلالية القرآن
 
يشرح المؤلف "مفهوم استقلالية القرآن" بأن القرآن الكريم "نص" يمكن فهم المراد من ألفاظه وتحديد معناه من دون الرجوع من حيث المبدأ إلى نص آخر لأنه نص مستقل بذاته.
 
وبإزاء هذه المقولة تقف مقولة أخرى تعتبر القرآن (نصاً) لا يمكن فهمه والتعرف عليه ما لم يرجع إلى نص آخر أو مرجع آخر يحدد المراد منه ويفك رموزه ومغاليقه".
 
وبعد أن يستعرض الكاتب وجهات النظر المتعددة حول مفهوم "استقلالية القرآن" يشرح وجهة نظر السيد فضل الله فيقول: "تعني مقولة استقلال القرآن الكريم عند السيد فضل الله أنه نص متكامل لا يتوقف فهمه على نص آخر، بل إن بعضه يضيء البعض الآخر ويحدد المراد النهائي منه. فكتب في ذلك "ولعل الدراسة الواعية الدقيقة للقرآن في كل الموضوعات الفكرية والعقيدية والتشريعية، ومفاهيمه العامة المنفتحة على حقائق الكون والحياة والإنسان وعالم الغيب والشهادة، توحي للقارئ الباحث بأن آيات القرآن تتكامل في بناء الفكر الإسلامي".
 
الرواية والقرآن
 
في المحور الثاني من الكتاب يستعرض المؤلف موضوع "الرواية والقرآن" ويقول "إن اعتبار القرآن الكريم (نصاً) مستقلاً لا يتوقف معرفة المراد من كلماته وجُمله على (نص) آخر لا يعني التقليل من شأن الرواية والخبر، الذي ادعى البعض أنه لا يجوز تفسير الآية وبواسطته".
 
ويوضح المؤلف وجهة نظر السيد فضل الله، فيقول "نص القرآن يختلف عن السُنة في أن (سنده) لا يحتاج إلى إثبات علمي يبحث فيه العلماء وثاقة الراوي وأمانته ليحكموا من خلاله بصحته لأن سنده قطعي بينما نجد أن سند الحديث الذي يثبت لنا أن النبي قال هذا أو فعل هذا ليس بهذه الكتابة من القوة، فلا بد له من إثبات. ولذلك يمكن لنا من خلال العودة للقرآن أن نكتشف زيف الأحاديث الموضوعة".
 
وبعد أن يستعرض الكاتب المصادر التي رجع إليها السيد فضل الله لتفسير القرآن يتحدث عن رؤية السيد للرواية وموقعها من التفسير والتي تلخص بثلاثة مواقف:
 
الأول: إيجابي أي الأخذ بالرواية (مع تفعيل ذلك).
 
الثاني: الاستئناس بالرواية لدعم بعض التفسيرات.
 
الثالث: الرفض، أي رفض الروايات لمخالفتها للنص القرآني.
 
ويشرح الكاتب الأسباب التي دفعت السيد لاعتماد أية وجهة نظر تجاه الروايات.
 
الموقف من أخبار التفسير
 
وفي المحور الثالث يستعرض المؤلف رؤية السيد فضل الله لأخبار التفسير، كما يستعرض بعض النظريات بهذا الشأن خصوصاً عند المدرسة الإمامية ومنها نظرية الشيخ الطوسي، نظرية السيد الطباطبائي، نظرية السيد الخوئي. ثم يختم بعرض نظرية السيد فضل الله حيث يوضح "لقد اختلفت كلمات السيد فضل الله في هذه المسألة تبعاً لما اختاره بين ما كان يتبناه فيما تقدَّم من عمره العلمي وبين ما تنباه مؤخراً من العلم بالخبر الموثوق به وأنه هو الحجة، في وقت كان يتبنى فيه العمل بخبر الثقة كما يظهر من بعض كلماته. وتبعاً لذلك اختلف الموقف النظري من أخبار التفسير، فوفقاً لموقفه السابق كان أكثر ميلاً إلى اعتبار الأثر الشرعي في الخبر ليكون مصححاً للعمل به، ولذلك لا يُعمل بالخبر الظني في غير الأمور الشرعية كما هو الحال في أخبار التفسير".
 
وقد تغير موقف السيد فضل الله لاحقاً فهو لا يميل، بعد تبنيه حُجية الخبر الموثوق به إلى عدم اعتماد أخبار الأحاد، ويرى أن الخبر الحائز على شرائط الصحة حُجة سواء في الأمور الشرعية أم في غيرها في أمثال القضايا التاريخية، ومن هذا القبيل أخبار التفسير وبذلك يقترب من نظرية السيد الخوئي، لكن ذلك لا يعني التعويل عليها مطلقاً.
 
 
 
أخبار التفسير ـ معالم عامة
 
وفي القسم الرابع من البحث يتناول الكاتب موقف السيد فضل الله من روايات تفسير القرآن، حيث يستعرض بداية آراء بعض الفقهاء والمراجع حول ذلك والإشكالات التي ترد على روايات التفسير، ليحدد بعد ذلك موقف السيد قائلاً "وللسيد فضل الله حساسية مفرطة تجاه النصوص القلقة ولذلك كثيراً ما نبه على ضرورة التوثيق بالنصوص الروائية والأخبارية خشية "أن تكون جزءاً من تراث الوضع في الحديث الذي كان يكثر فيه الكذب على النبي محمد(ص) وعلى أهل البيت(ع) مما اتقن فيه الوضَّاعون طريقة ترتيب الأحاديث بحيث تصبح موضعاً للثقة باعتبار وثاقة رواتها، فقد كان الحديث يُدَسَّ في كتبهم دون أن ينتبهوا إليه".
 
وقد وضع السيد عدة معايير لتفادي مشكلة التوثيق وتسرب الدخيل إلى الرؤية القرآنية.
 
 
 
بطون القرآن
 
في القسم الثاني من الكتاب يستعرض المؤلف قضية أخرى هامة على صعيد المنهج القرآني عند السيد فضل الله تحت عنوان "بطون القرآن" حيث يتم الحديث عن ثلاثة محاور:
 
1- بطون القرآن في الروايات.
 
2- تفسير مصطلح "بطون القرآن".
 
3- بطون القرآن من وجهة نظر السيد فضل الله، ويهدف الكاتب من وراء ذلك لتوضيح وجهة نظر السيد من هذه القضية وشرح منهجه التفسيري، إضافة لاستعراض شروط المفسر والتفسير.
 
ويتناول في هذا القسم: ظواهر القرآن، علم التأويل، ومن هم الراسخون في العلم.
 
ليخلص بعد ذلك لشرح رؤية السيد حول "بطون القرآن" والتي جاء فيها: "إننا لم نستطع ن نتصور مسألة الظاهر والباطن بالطريقة المادية التي تجعل للَّفظ طبقتين في المعنى تماماً كما هو ظاهر الشيء وباطنه.
 
ولذلك فإن التعبير الباطني، إما أن يكون من قبيل الإيحاء أو إنها من اللوازم، ولذلك نقول، ليس هناك باطن بمعنى أن القرآن يستطبن معاني كثيرة على خلاف المعنى اللغوي، نعم إن القرآن يستبطن استيحاءات كثيرة ويستبطن لوازم كثيرة، وعلى الإنسان أن لا يفهم القرآن فهماً حرفياً بل أن يفهمه فهماً إبداعياً من خلال مستوى الأسلوب الذي يوحي الكثير مما تحمله الكلمة في قاموسها ومما لا يعطيه المعنى في حرفيته".
 
ويتضح مما تقدم أن تفسير السيد فضل الله "بواطن القرآن" يتحدد في كونه من الاستيحاء والتطبيق أو لوازم المداليل اللفظية، وقد استعمل السيد فضل الله اصطلاح (الاسيتحاء) في ثلاثة استعمالات:
 
1- الاستفادة وأخذ العبرة والدرس من الآيات القرآنية.
 
2- التطبيق أو الانتقال من المادي إلى المعنوي.
 
3- بمعنى الاستظهار أي الكشف عن الظاهر القرآني وهذا له علاقة بالظهور مما يرتبط باللفظ مباشرة.
 
من خلال هذه الدراسة يسعى المؤلف لشرح رؤية السيد فضل الله ومنهجه في تفسير القرآن، مما يساعد الباحثين في الإطلاع على هذه المنهجية لعل ذلك ينصف سماحته بعد رحيله بعد أن ظُلم كثيراً في حياته من خلال تحميل آرائه وأفكاره بعض الاستنتاجات الخاطئة.

 

السابق
“العراقيون بين الهجرة والعودة: الحاضر والمستقبل”
التالي
الخلافات بين خامنئي ونجاد تأخذ أبعاد خطيرة