حدود الجدل

 إن التصويت المرتقب في الامم المتحدة على دولة فلسطينية في ايلول يتركني، بخلاف القوانين غير الرسمية للكتابة الصحفية، من غير رأي حاسم. من المقبول عندنا في خطاب السلام العام تصنيف كل تطور جديد بحسب الرأي القديم والمعسكر السياسي الصحيح – لكن يصعب عليّ في شأن الاعلان الفارغ في الامم المتحدة أن أجد التصنيف الصحيح.
من جهة، وبرغم السيناريوهات الفظيعة التي تُسمع في الاسابيع الاخيرة، يصعب عليّ أن أُذعر لما يرتقبنا في اليوم الذي يلي التصويت. مع كل الاحترام لقرارات الامم المتحدة، ليس الحديث عن تهديد استراتيجي لدولة اسرائيل. فقد أعلن الفلسطينيون دولة لهم في سنة 1988 واعترفت بها أكثر دول العالم، وبرغم ذلك لم يأت السلام ولا الدولة. حصلنا بدل ذلك آنذاك على عرفات برعاية جماعة الحالمين.
يصعب عليّ ايضا أن أقبل زعم ان الزمن يعمل في غير مصلحتنا في السياق الفلسطيني – فدولة فلسطينية دون قدرة على الحكم وارادة حكم ديمقراطي ليست ضمانا للاستقرار. ومع عدم وجود استقرار فان التقدم السياسي يعني زيادة المخاطرة خاصة.
أرى أن أفعال أبو مازن – النضال الذي يقوم به في مواجهة شرعية دولة اسرائيل، والتحريض الذي يشارك فيه في صمت وألاعيب ممثليه في الامم المتحدة – تدل على ان توقع السلام منه مبالغ فيه تماما.
برغم ذلك وبعد أن قيل كل هذا هناك مشكلة في تجاهل هذا الاعلان. لا يمكن ابطال منطق من يريدون المبادرة الى اعتراف اسرائيلي مسبق بالدولة الفلسطينية. فالصمت والتجاهل ليسا بديلا عن السياسة.
اذا كانت اسرائيل تعارض دولة فلسطينية وتريد التسويف فقط فهناك حاجة الى ان تبدأ وتشجع في مقابل ذلك أفكارا بديلة. واذا كانت حكومة اسرائيل تؤيد دولة فلسطينية – كما أعلن نتنياهو في خطاب بار ايلان – فلا يقل عن ذلك أهمية أن يعلن أين كي لا تُتخذ في الجماعة الدولية أفكار غير قابلة للتحقيق. والصحيح الى الآن انه لا يوجد شيء لا من هنا ولا من هناك. لا توجد سوى صعوبة حقيقية في معرفة اتجاه الحكومة الحالية ويمكن ان ننسب هذا فقط الى التهرب من تحديد أهداف.
لا أستخف بالشرك الذي يوجد فيه نتنياهو مطوقا من جميع الاتجاهات من قبل احزاب وجماعة دولية مصلحية كما كانت دائما، لكن توجد قرارات يستطيع اتخاذها دون أن يسقط في هاويات سياسية، أو في الخطاب الاسرائيلي الداخلي على الأقل. ليس الحديث عن أفكار جديدة بل عن فروض أساسية يمكن ان توجد في كل خطة سياسية تقريبا – جزر نادرة للاجماع كل ما يُحتاج من اجلها هو القيام بعمل والثبات الحازم.
هكذا يمكن ان نذكر النظرة الى الكتل الاستيطانية وتجمعات الفلسطينيين في يهودا والسامرة. لا توجد علامات سؤال عند أكثر الاسرائيليين (ولا حتى عند الامريكيين في الماضي) تتعلق بالنظرة الى اريئيل وغوش عصيون ومعاليه ادوميم. فكل اتفاق سلام نظري ولو كان الأكثر هذيانا يصلها بدولة اسرائيل. إن اعلان دولة فلسطينية في الامم المتحدة هو سبب جيد لضم الكتل الاستيطانية على نحو رسمي وإحداث اتصال استيطاني يهودي هناك.
كي لا يصبح الأمر مشاكسة فقط، تستطيع اسرائيل الى جانب ذلك ان تعترف رسميا بالسيادة الفلسطينية على التجمعات السكنية العربية في يهودا والسامرة كجنين ورام الله. دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، ولو على جزء من المنطقة المختلف فيها. من جهة سياسية، اذا استثنينا بعض الهاذين لا يوجد اليوم من يريد الاستيطان هناك. ومن جهة أمنية سننجح في ترتيب أمورنا. هذا الاجراء لن يحل في الحقيقة القضايا الجوهرية لكنه سيوضح على الأقل أين توجد حدود الجدل. 

السابق
نظرة الى مصر بعد مبارك
التالي
فرحات: ميقاتي يطمح ليكون حالة ثابتة وليس طارئا