“حماس” والخروج من أسر المحور الإيراني – السوري

خطا الفلسطينيون خطوة أولى على طريق المصالحة. ماذا بعد ذلك؟ بدل الدوران في حلقة مقفلة، أي أن يدور الفلسطينيون حول أنفسهم، يفترض بهم اعطاء الاتفاق الذي وقع بالأحرف الأولى بين «فتح» و«حماس» معنى حقيقياً بعيداً من الأجواء الاحتفالية التي لا تقدم ولا تؤخّر. يكون ذلك بتفادي المبالغة بالتفاؤل والاستعاضة عن ذلك بالتساؤل: هل سيؤدي توقيع الاتفاق إلى استيعاب للواقع المتمثل في السقف السياسي الذي في استطاعة الفلسطينيين، إلى أي جهة انتموا، التحرك تحته؟ بكلام أوضح هل هناك مشروع سياسي فلسطيني قابل للحياة ومقبول في الوقت ذاته من المجتمع الدولي غير البرنامج السياسي لـ «منظمة التحرير الفلسطينية» الذي أقرّه المجلس الوطني في دورته المنعقدة في الجزائر في نوفمبر من العام 1988، هل ستقود المصالحة إلى تكريس وجود قرار فلسطيني مستقل، أم ستكون خطوة لتعطيل القرار الفلسطيني والدخول في لعبة المزايدات التي عانت منها القضية الفلسطينية طويلاً؟

لا شك أن اتفاق المصالحة ما كان ليوقع لولا توافر ثلاثة عوامل. العامل الأول الجهود الدؤوبة التي بذلتها مصر من أجل أن تكون القاهرة المكان الذي يوقع فيه الاتفاق. صارت القاهرة مقبولة من «حماس». لم يعد هناك اعتراض عليها. هل أن ذلك عائد إلى أن طهران باتت تسمح لـ «حماس» بإرسال مندوبين عنها إلى العاصمة المصرية، أم أن مصر ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 تريد تأكيد أنها قادرة على استيعاب «حماس» والتوصل إلى تفاهم ما معها انطلاقاً من إعادة فتح معبر رفح؟
العامل الثاني هو الضعف السوري الذي يرافقه شعور لدى «حماس» بأنها غير قادرة على دعم نظام لا مستقبل له إلى ما لا نهاية. في آخر المطاف، إذا كان هناك من حلف طبيعي بين «حماس» وجهة سورية، فإنّ هذا الحلف قائم عملياً بين الحركة و«الإخوان المسلمين» الذين بدأوا يستعيدون شيئاً فشيئاً دورهم في صفّ المعارضة السورية.

يبقى العامل الثالث وهو تركيا التي يبدو أنها على عجل من أمرها في إثبات القدرة على ملء الفراغ الناجم عن انهيار الأنظمة العربية الواحد تلو الآخر من جهة وعلى أن تكون المرجعية الأخيرة لكل «الإخوان المسلمين» في المنطقة، بما في ذلك «الإخوان» في مصر من جهة أخرى. يبدو أن تركيا دفعت في اتجاه المصالحة الفلسطينية نظراً إلى أنها تعرف جيداً أن «حماس» في مأزق لا تخرجها منه سوى المصالحة مع «فتح» التي تعاني بدورها من حال من الضعف عائدة في معظمها إلى التجاذبات الداخلية وإلى النجاحات التي حققتها حكومة الدكتور سلام فيّاض التي كان ولاء معظم أعضائها للمشروع الوطني الفلسطيني المتمثل ببناء مؤسسات الدولة بعيداً عن التبعية لهذا الفصيل أو ذاك… ولذلك، ان أفضل ما يستطيع الفلسطينيون عمله بعد المصالحة هو السماح لسلام فيّاض بتشكيل حكومة جديدة تنصرف إلى تحصين الوضع الداخلي في مواجهة العدوانية التي تتميّز بها حكومة بنيامين نتنياهو.

يمكن القول إن العوامل الثلاثة لعبت دوراً مهماً في جعل «حماس» تستعيد رشدها. المهم الآن ألا تكون الخطوة التي أقدمت عليها الحركة مجرد عملية هروب إلى أمام في هذه المرحلة المعقدة التي تمر بها المنطقة والقضية الفلسطينية نفسها. مثلما امتلكت «حماس» ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بأن الصواريخ التي تطلق من غزة تعود بالويلات على أهل القطاع، يفترض بها الآن استتباع المصالحة مع «فتح» بالتخلي عن الشعارات الطنانة التي لا تخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي. أمس كانت الصواريخ العبثية التي تطلق من القطاع كفيلة بتحرير فلسطين. اليوم صار إطلاق الصواريخ «خيانة»!

لعلّ أفضل ردّ يصدر عن «حماس» في ما يخص الموقف السلبي الإسرائيلي من المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية هو الاعتراف بأن الشعارات الطنانة تفيد الاحتلال، بل إن هذه الشعارات هي ما يبحث عنه الاحتلال يومياً. إن شعاراً من نوع تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، أو من النهر إلى البحر لا فارق، هو بمثابة دعوة صريحة إلى تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. صحيح أن الهدف المعلن للمصالحة هو الإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية، لكن الصحيح أيضاً أن ما هو أهم من ذلك كله الاقتناع بأن لا شيء يحمي القضية الفلسطينية غير المشروع الوطني البعيد عن الأوهام. من دون انضمام «حماس» إلى المشروع الوطني الفلسطيني الذي يعني قبول البرنامج السياسي لـ «منظمة التحرير الفلسطينية»، تظل المصالحة مجرد تظاهرة إعلامية بغض النظر عما تبذله تركيا من جهود لتسويق «حماس» واظهارها في مظهر الفرع الفلسطيني لحركة «الإخوان المسلمين» وأنها ليست تابعة لا للنظام في سورية ولا لـ «الحرس الثوري» وأجهزته الأمنية في إيران.
هل «حماس» قادرة على الظهور في مظهر الحركة الفلسطينية الحرة والمتحررة من أي قيد والتي تريد بالفعل الانتهاء من الاحتلال… أم أنها حريصة على البقاء أسيرة المحور الإيراني- السوري وتوابعه؟ لا شكّ، أن الظروف الإقليمية يمكن أن توفر لها فرصة للخروج من الأسر وإعلان رفضها المتاجرة بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. عندما تفعل ذلك، يصبح هناك بعد سياسي للمصالحة الفلسطينية – الفلسطينية ويكون هناك أمل بخطوات جدية لا تبقي المصالحة مجرد حبر على ورق!

السابق
الثورة: لبنانيون: قرار بلمار الجديد يكشف عدم صدقية المحكمة
التالي
الراي: رفْع جنبلاط “البطاقة الصفراء” يؤجج..”عضّ الأصابع” في لبنان