العجز الليبي عن انتاج قيادة بديلة!

من كان يظن أن النظام الليبي سيسقط سريعا كان على خطأ. في كل يوم يمر، تطرأ تعقيدات جديدة على الوضع الليبي. بعض هذه التعقيدات عائد إلى أن المجتمع في ليبيا ذو طابع قبلي في معظمه. ولذلك، بات من الصعب التكهن، أقلّه في المدى المنظور، بما ستؤول إليه الأوضاع في هذا البلد المهم. الأمر الوحيد الأكيد أنه لن يكون هناك مكان لنظام العقيد معمّر القذافي لا على الخريطة العربية ولا الافريقية ولا خريطة العالم. النظام انتهى بقرار دولي عبّر عنه المقال المشترك الذي وقعه الرئيس باراك اوباما والرئيس نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ونشرته معظم وسائل الإعلام. السؤال متى التنفيذ وماذا سيحل مكان «الجماهيرية»، هل هناك طريقة كي تكون ليبيا دولة ديموقراطية موحدة، أم تنقسم إلى ثلاثة كيانات أو إلى كيانين في أحسن الأحوال عاصمة أحدهما طرابلس والآخر بنغازي؟

في انتظار الاتفاق على البديل الذي سيحلّ مكان «الجماهيرية»، تبدو ليبيا حالياً عاجزة عن انتاج قيادة جديدة تستطيع مخاطبة العالم بصوت واحد وتأكيد أن هناك من هو قادر على تحمل المسؤولية، بشكل شخص أو هيئة، بما يعيد تلك الدولة العربية عضواً محترماً في الأسرة الدولية. تلك هي المشكلة الأساسية التي تعاني منها المعارضة الليبية، أو على الأصح عملية التغيير في هذا البلد. اسوأ ما في الأمر أن هذه المعارضة لا تبدو قادرة على حل هذه المشكلة قريباً في ضوء التجاذبات التي تعاني منها.

كم ستدوم فترة الانتظار؟ الكثير يتوقف على ظهور شخصية قيادية تمتلك خطاباً سياسياً واضحاً يطمئن الليبيين والجيران العرب والافارقة واوروبا خصوصاً إلى مستقبل ليبيا وإلى أنها لن تكون قاعدة لـ «القاعدة». في غياب هذه الشخصية التي يمكن أن تاخذ شكل قيادة جماعية، سيظل الوضع يراوح مكانه. سيظل العقيد القذافي مسيطراً على طرابلس وما حولها وسيظل الثوار في بنغازي يتقدمون أحياناً في اتجاه هذه المدينة أو تلك ثم يتراجعون في انتظار «نيران صديقة» تؤمن لهم استعادة المبادرة…

لا بدّ من الاعتراف بأنّ نظام العقيد معمر القذّافي الذي عمره ما يزيد على واحد وأربعين عاماً استطاع خلق واقع جديد في البلد. فليبيا، على الرغم من كل الثروات التي تملكها، دولة فقيرة لا مؤسسات فيها. أما القوى السياسية، فهناك خوف من أن تكون تحت سيطرة متطرفين ينتمون فعلاً إلى «القاعدة» وما شابه ذلك، علماً أن في صفوف المعارضة شخصيات كثيرة عاقلة ومعتدلة. ربّما كان ذلك ما يجعل المجتمع الدولي متردداً في الذهاب بعيداً في عملية اقتلاع نظام القذّافي عن طريق استخدام القوة بما في ذلك التدخل العسكري المباشر. ربما كان ذلك أيضاً ما يدفع إلى القول أن الزعيم الليبي حقق نجاحاً كبيراً ليس على صعيد تدجين المجتمع الليبي فحسب، بل في مجال تدمير المؤسسات أيضاً. لم يبق في ليبيا سوى مؤسسات مرتبطة بالرجل. الرجال المشرفون على هذه المؤسسات يدركون أن مصيرهم مرتبط بمعمر القذّافي وأن لا خيار آخر أمامهم سوى البقاء إلى جانبه حتى النهاية. ولذلك، نجد أن قلة فقط من بين الذين تعاونوا مع القذّافي امتلكت ما يكفي من الشجاعة وأعلنت أن لا مستقبل للنظام وأن كل المحاولات التي بذلت من أجل إعادة تأهيله انتهت إلى فشل. من هذا المنطلق قرر المنتمون إلى تلك القلة مغادرة ليبيا والعمل من أجل انقاذ ما يمكن انقاذه بما يوفر بعض العذابات على الليبيين.

متى يسقط النظام؟ الجواب بكل بساطة أن ذلك سيحصل في الوقت المناسب. هناك منذ انعقاد مؤتمر لندن، اواخر مارس الماضي، بحث جدي في البديل. من الواضح أن هناك وجهات نظر مختلفة في شأن كيفية التعاطي مع الوضع الليبي المعقد. من حسن الحظ على الصعيد السياسي أن هناك مجالاً للأخذ والرد بين المعنيين بالوضع بهدف تفادي القرارات المتسرعة. ولكن من سوء حظ الشعب الليبي أنه يدفع غالياً ثمن تردد المجتمع الدولي في اتخاذ قرار الحسم سريعاً.

يبقى سؤال أخير: ما الذي يستطيع العرب الآخرون عمله خصوصاً بعدما اتخذت دول عدة على رأسها الامارات وقطر والأردن قراراً جريئاً بالوقوف إلى جانب الشعب الليبي؟ لا شك أن البحث في المؤتمر الذي انعقد أخيراً في الدوحة وكان استمراراً لمؤتمر لندن تطرق إلى الموضوع الأساسي المتمثل في إيجاد البديل. متى وجد البديل سيصبح من السهل اتخاذ القرار الضروري القاضي بانهاء «الجماهيرية». يفترض في الجانب العربي المساعدة في ايجاد البديل. إلى الآن، هناك خوف لدى المجتمع الدولي، خصوصاً لدى الاوروبيين من أن يكون البديل الجاهز لتسلم السلطة اسوأ من النظام القائم. ما لا يغيب عن بال كثيرين في اوروبا أن القمع الذي مارسه الزعيم الليبي منذ العام 1969، شجع بطريقة أو بأخرى على التطرف. ليس سراً أن إلغاء الحياة السياسية في أي بلد من البلدان يولد تطرفاً. يبدو رهان القذافي حالياً على المتطرفين الذين هم نتاج «الجماهيرية» وثقافة الغاء الآخر. إنه نجاح موقت لنظام عربي آخر اقتربت نهايته. المسألة مسألة وقت ليس إلاّ. المسألة مسألة تجهيز البديل. متى يصبح البديل جاهزاً سيكون من السهل العودة إلى ممارسة الضغوط المناسبة التي تؤدي إلى الانتهاء من «الجماهيرية».

السابق
أضعف الإيمان – سورية والحل الأمني
التالي
السلاح خارج الدولة ووحدة القرار المذهبي