السلاح خارج الدولة ووحدة القرار المذهبي

مشكلتان تواجهان أي حكومة في لبنان وتحتاجان الى حل سريع. الاولى هي مشكلة السلاح خارج الدولة، والثانية مشكلة التحالفات المذهبية أو الطائفية التي تحتكر اتخاذ القرارات خصوصاً في الاستحقاقات المهمة، بعدما كانت التعددية وتنوع الآراء والمواقف داخل كل مذهب وطائفة هما السائدان في الماضي، وكانت المعارضة والمواجهة داخل كل منها، فما كان تشكيل الحكومات يتعثر لاسباب طائفية بل سياسية لتدخل البلاد كما اليوم في أزمات مفتوحة مع كل الاحتمالات.

الواقع، ان مشكلة السلاح خارج الدولة اذا لم تعالج بسرعة، فلا أمل في أن تقوم في لبنان دولة قوية قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل الاراضي اللبنانية. والتوصل الى هذا الحل لا يكون على شاشات التلفزيون وفي المحطات الاذاعية لتبادل الهجومات والاتهامات، ولا باستخدام القوة تنفيذاً لقرارات مجلس الامن ولاتفاق الطائف، انما بالحوار الهادىء والعقلاني داخل مجلس الوزراء أو الى طاولة الحوار للحصول على جواب من "حزب الله" عن سؤال واحد هو: متى يرى الحزب ان وظيفة سلاحه قد انتهت كي يبنى على الشيء مقتضاه، لأن لا ثقة ولا شيء يضمن عدم استخدام هذا السلاح في الداخل بعدما تكرر استخدامه رغم كل التعهدات. فاذا كانت وظيفة هذا السلاح تنتهي عند انسحاب اسرائيل من بقية الاراضي اللبنانية التي تحتلها، فان على لبنان الرسمي ان يعمل عندئذ على تحقيق الانسحاب. وعندها تختبر نيات اسرائيل الحقيقية، فاذا كانت تشكو فعلا من سلاح "حزب الله" وتعتبر انه يهدد أمنها، فما عليها الا ان تنسحب من بقية الاراضي اللبنانية التي تحتلها. أما اذا رفضت الانسحاب تحت أي ذريعة، فانها تكون هي المسؤولة عن بقاء السلاح خارج الدولة اللبنانية وهي المسؤولة عن بقاء الوضع على حدودها الشمالية غير مستقر، ويكون استمرار هذا الوضع لمصلحتها وفي خدمة مخططاتها. واذا لم يضغط المجتمع الدولي على اسرائيل كي تنسحب لتنتفي اسباب بقاء السلاح في يد "حزب الله"، فان هذا المجتمع يكون هو ايضا مسؤولاً عن عدم العمل جدياً على تنفيذ القرارات الدولية وخصوصاً القرار 1701.

اما القول بان لا شيء يضمن تخلي "حزب الله" عن سلاحه بعد انسحاب اسرائيل لأنه سبق لها ان انسحبت من معظم الاراضي المحتلة في الجنوب اللبناني ولم تهدأ الجبهة على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، حتى بوجود القوات الدولية، ولم تهدأ اخيراً الا بعد تعزيز هذه القوات والتزام القرار 1701 الداعي الى وقف العمليات العسكرية بين اسرائيل والحزب، عدا أن موقف هذا الحزب ليس واحداً من موضوع التخلي عن السلاح، فبعضهم يقول عندما يتم الانسحاب من بقية الاراضي اللبنانية، وبعضهم يقول عندما يتحقق السلام الشامل في المنطقة، أو عندما يتم التوصل الى تفاهم حول برنامج ايران النووي…

ان الجواب القاطع على كل ذلك يكون بالتوصل الى اتفاق خطي ومعلن مع "حزب الله" حول متى يرى الحزب ان وظيفة سلاحه انتهت كي يبنى عندئذ على الشيء مقتضاه، وهذا ينبغي ان يكون أول ملف شائك تفتحه الحكومة العتيدة اذا كانت تريد أن تحكم وان تجعل الدولة اللبنانية تقوم.

أما المشكلة الاخرى فهي الطائفية السياسية، ليس بوجودها وقد كانت موجودة من قبل ولم تُحدث ما تحدثه اليوم لانها تحولت من تعددية داخل كل مذهب وطائفة الى وحدة رأي وموقف مع قيام "التحالف الشيعي" الذي يتألف من حزبين اساسيين هما "حزب الله" وحركة "امل"، وهذا التحالف احتكر القرار الشيعي في تأليف الحكومات وفي انتخابات الرئاسات الثلاث وفي التعيينات، وحتى اذا لم تستجب مطالبه، تعذر اجراء هذه الانتخابات وتعثر تشكيل الحكومات وتعرقلت حركة التعيينات وحتى التشكيلات والمناقلات.

واذا كان تحالف طائفة واحدة أدى الى ما أدى اليه، فكيف اذا حذت حذوها طوائف اخرى وقام على سبيل المثال بين الزعماء الموارنة الاربعة: الجميل، عون، جعجع وفرنجيه مثل هذا التحالف وكان له شروطه المتناقضة مع شروط التحالف الآخر، أو قام تحالف سنيّ أو درزي، أفلا تتوقف عندئذ عجلة الدولة وتواجه البلاد أزمة نظام يفرض هذا الوضع الشاذ والمعقد تغييره، فيصبح النظام البديل للخروج من هذا الوضع، هو النظام الفيديرالي؟

لذلك، فان الملف الشائك بعد ملف السلاح هو ملف، التحالفات المذهبية او الطائفية التي تحتاج الى معالجة وذلك بفك مثل هذه التحالفات كي تعود التعددية اليها كما كانت في الماضي، وكان داخل كل طائفة معارضة وموالاة. ولا احتكار للقوات، او يصبح النظام في لبنان فيديراليا، وهو الذي يفرض نفسه كأمر واقع، وهذا يتعارض والمساواة بين اللبنانيين التي نص عليها الدستور ويعطل بالتالي تطبيق الميثاق الوطني.

السابق
العجز الليبي عن انتاج قيادة بديلة!
التالي
المنامة للأمم المتحدة: “حزب الله” خطط مع المعارضة لإطاحة النظام