أنواع متعددة من حبوب الأوهام تُروّج في أوساط الشباب هذه الأيام. وهي ليست تراكيب خاصة تحتوي على مخدرات، بل مجرد أدوية طبيّة تُباع في الصيدليات ولها مفعول الهلوسة وتوازي إلى حدٍ كبير مفعول ما تقدّمه إلى مدمن المخدرات من كمية من الهرويين أو الكوكايين. ومع تشديد المراقبة على بيع هذه الأدوية في الصيدليات ومنع بيعها دون وصفة طبيّة، فإنّها باتت تنتشر بشكل أكبر بين أوساط المدمنين.
فما هي هذه الحبوب وما هي تركيبتها الكيماوية التي تؤدّي إلى الهلوسة في حال تمّ تعاطيها بكميات كبيرة؟
يشرح الدكتور كعدي الفائدة الطبيّة لهذه الأدويّة ومنها ، benzexol وramal وlagaflex و Revotree. منها يُخصص للوجع وأخرى تُعطى في حالات الإكتئاب والتشنّج.
الـ benzexolدواء من صناعة لبنانية يُعطّى للمصابين بالإنفصام في الشخصية، أو لحالات الإكتئاب، كي يشعر المريض بالراحة والفرح، وكي لا يُصاب بـ"كرايز" عصبية، على ألا تتعدى الكمية خمس حبات يومياً.
هذا هو المفعول الطبي بحسب الدكتور كعدي، أمّا رامي الذي يتعاطى الدواء منذ أكثر من 8 سنوات فيصفه بدواء الطاقة: "أشعر بقوة خارقة عندما أتعاطى هذا النوع من الحبوب. فعشر حبات يومياً كافية لتجعلني أشعر بالقوة، فأدخل في عراكٍ بين أكثر من خمسين شخصاً شاعراً بالقوة غير مبالٍ بأننّي قد أتعرض للضرب".
بداية إدمان
بدأ رامي تعاطي هذه الحبوب منذ أن بدأت المشاكل تتوالى عليه تباعاً على حد قوله، وتعاطى إلى جانب هذه الحبوب أنواعاأآخرى من المخدرات: "هذه الحبوب "تشعرني وكأنّها ستحّل جميع مشاكلي أو بالأحرى بأنّها ستنسيني جميع مشاكلي".
أماالـlagaflex، فهو دواء يُستورد من أوروبا ويُستخدم لإرخاء العضل وفيه مفعول مسكّن ويمكن أن يتّم تناول حبتين ثلاث مرات يومياً. وفي حال زاد الإستخدام عن هذه الكمية فإنّه يؤدّي الى النوم بعكس الـbenzexol، الذي يعطي الكثير من الطاقة والحيوية. هذا كان الشرح الطبّي لمفعول الـlagaflex، وبالفعل يؤكّد رامي أنّه بعد أن يتناول كمية كبيرة من هذه الحبوب يرتخي جسمه ويصبح غير قادر على فعل أي شيء فتضعف حركته ويشعر برغبة شديدة في النوم.
و يستورد الـRevotreel من سويسرا. وبحسب كعدي فإنّه يُعطى بكميات قليلة طلبا للنوم، أمّا المدمنون عليه سلبا فيشربونه ليشعروا بالهلوسة فيفقد المدمن السيطرة على تصرفاته: "لا يعبّي لي رأسي سوى الـRevotreel، يشعرني بالسعادة، أشعر وكأنّي هائم على سطح المياه، وأحياناً أشعر برغبة في الطيران". أمّا الـtramal، فهو أساساً يُصنّف كدواء مزيل للوجع ويُعطى حبّة واحدة كل ست الى سبع ساعات، وكمية كبيرة منّه تؤدّي الى مفعول موازٍ للمورفين.
لجأ رامي إلى تعاطي حبوب الهلوسة إضافةً إلى أنواع آخرى من المخدرات بعد ما خسر والديه في حادث سير وفقد بعدها وظيفته ، فأصبح عاطلاً عن العمل. يتحدث رامي بحسرة: "يخبرنّي أصدقائي أننّي بعد أن أتناول هذه الحبوب تبطأ ردات فعلي وحركتي اتجاه أي عمل، لذلك أعمد على ألا أكثر من تناولها قبل الظهر خوفاً من أن اخسر عملي الجديد".
لكنّ السؤال هو: من أين يحصل رامي وسواه على هذه الحبوب؟
سهولة الشراء
لا يمكن إيقاف بيع هذه الحبوب من الصيدليات بالطبع نظراً الى الحاجة الطبيّة، لكن ما يمكن فعله هو التشدّد في الحرص على عدم بيعها من دون وصفة طبية. لذلك فإنّ معظم الصيدليات في لبنان قد توقفّت عن بيعها دون وصفة، بحسب ما يؤكّد الدكتور كعدي. الا ان رامي يحصل عليها "بسهولة وبأسعار مخفضّة"، من تجار أصبحوا معروفين في منطقته وكذلك في كل منطقة لبنانية. ويشرح رامي : "الحبحبة أصبحت أمراً سهلاً، أمّا التجار الذين أبتاع منهم هذه الحبوب فيقولون انهم يهرّبونها بطريقة سريّة من سورية والأردن عبر مهرّبين كبار يُعتبرون موزعيّن أساسيين ثمّ يبعونها إلى تجار المناطق الصغار".
"مؤثرات عقلية" قانوناً
لم ترد في القانون عبارة "حبوب الهلوسة"، لكن هذه الحبوب مشمولة في النصوص القانونية، إذ تندرج ضمن "المواد الكيماوية التي تؤثّر في المقدرة العقلية". فقد ورد في المادة الأولى من قانون المخدّرات الصادر العام 1998: "يخضع لأحكام هذا القانون كل ما يتعلق بالمخدّرات بمعناها الواسع، والمؤثّرات العقلية والسلائف". وبحسب المحامي بلال الحسيني فإنّ حبوب الهلوسة تأتي ضمن ما يُسمّى بالمؤثرات العقلية وهي قوائم المواد الطبيعية والتركيبيّة المدرجة في الجداول الأربعة من قانون المخدرات، وتصنّف حبوب الهلوسة ضمن الجدول الثالث من أنواع المخدّرات على أنّها "النباتات والموادّ الخطرة التي لها فائدة طبية".
ويؤكد الحسيني أن "لا مواد قانونية خاصة تجرّم المدمنيين على حبوب الهلوسة بل هم يخضعون لأحكام القانون والعقوبات مثل أي شخص يتعاطي أنواعاً آخرى من المخدرات كالهرويين أو الكوكايين وغيرهما"، ويتابع: "فرضت المادة 127 من قانون العقوبات الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، والغرامة من مليونين إلى خمسة ملايين ليرة على كل من حاز أو أحرز أو اشترى المخدّرات بقصد التعاطي أو الاستهلاك الشخصي".
المدمن مريض!
يُعتبر المدمن مريضاً يحتاج إلى علاج، ومن هنا تأتي ضرورة أن يُحوّل المريض المدمن إلى مأوى بحسب القانون. فالمادة 193 تنص على أنّ "للنيابة العامة في حال توقيف شخص بجرم تعاطي المخدرات أن تحيله بموافقته على لجنة الإدمان كي يخضع للعلاج وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في المواد 184 حتى 190 ضمناً من هذا القانون".
لذا فعّلت وزارة العدل عمل "لجنة مكافحة الإدمان" منذ فترة وجيزة، إذ تناولت اللجنة في اجتماعاتها الوسائل العملية الكفيلة بوضع قانون المخدرات موضع التنفيذ، لا سيما لناحية توافر المصحّات العلاج المتخصصة في وزارة الصحة. لكن الأكيد أنّ هناك نقصا في مراكز العلاج، التي تقتصر على الخاصة دون الرسميّة، والتي غالباً ما تكون أسعارها "خيالية باهظة".
أرقام رسمية
الشخص الذي يُلقى القبض عليه وفي حوزته هذه المخدارت يتعرض للتوقيف في مخفر حبيش، وإذا عُثر بحوزته على وصفة طبيّة يُخلى سبيله فوراً بسند إقامة، وفي أغلب الأحيان لا يحمل هذا الشخص وصفة طبيّة لذلك يُوقف ويخضع إلى فحص للتأكّد من وجود المادة المخدرّة في جسمه، ويُحقق معه بجرم تعاطي حبوب مخدرّة ومن ثمّ يُحوّل الى النيابة العامة.
أمّا الأرقام الرسمية والإحصاءات الصادرة عن عدد الموقوفين في جرم تعاطي الحبوب من مكتب مكافحة المخدرات المركزي فهي كالآتي: في العام 2007 أُُوقف 136 شخصا بجرم تعاطي حبوب مهلوسّة وضُبطت 7281 حبّة.
121 كان عدد الموقوفين في العام 2008 مع 9998 حبّة، وفي العام 2009 كان العدد 143 و7813 حبّة، العام 2010 سجّل توقيف 156 وضُبطت 49138 حبّة. وفي العام 2011 سجل كانون الثاني 11 موقوفاً بجرم تعاطي حبوب مخدرّة، وضُبطت 536 حبّة benzexol، و23 حبّة Revotreel. في شباط كان عدد الموقوفين 24 فقط مع 2083 حبّة benzexol و 187 Revotreel. وفي آذار أُوقف 17 شخصاً مع 1642 حبّة benzexol، و99 tramal، و 38 Revotreel.